د. وجدى ثابت غبريال
السؤال المطروح هو: هل يوجد تنوير مصري الهوية يتلاءم مع ثقافتنا المحلية الخاصة؟ أم أننا نقصد فى كل مرة نتكلم فيها عن التنوير أفكار التنويرالأوروبي؟
يدعو كل المثقفين المصريين ومن يصفون أنفسهم بالمستنيرين أو التنويريين الناس، ولاسيما مظلمي العقول، إلى ذات الشيء: التنوير!
و لم يقم هؤلاء المثقفون المستنيرون المعتدلون مطلقا بتعريف مفهوم "التنوير". فكيف يفهم الناس المطلوب منهم تحديدًا؟
لا يوجد جهد فكري واحد فى مصر يجرؤ على نشر دراسة مصرية فلسفية عن المعنى المصري للتنوير فى الثقافة المصرية.
هل هناك فكرة مصرية مستقلة للتنوير مختلفة عن الثقافات الأوروبية؟ لا أعتقد ذلك.
فحتى الدكتور مراد وهبة يرجع فى تعريفاته إلى المفاهيم الأوروبية التي انطلقت فى القرن الثامن عشر فى فرنسا حول سمو العقل الإنسانى واستقلاله واعتباره المصدر الوحيد للتشريع والتجريم والإباحة. وترسخت هذه الأفكار وتعمقت مع الدراسة الشهيرة التى نشرها عمانويل كانت الألماني فى مقال عنوانه "ما هو التنوير؟"، حيث بذل جهدًا فى تعريف التنوير الذي لن يقبله فى مصر لا قبطي تقليدي ولا مسلم تقليدي ولا يهودي تقليدي.
فلقد دعا كانت إلى ترك مرحلة القصور العقلي التي تعَدّ فى نظره نوعًا من "التبعية للآخرين وعدم القدرة على التفكير الشخصي المستقل أو السلوك في الحياة أو اتخاذ أي قرار من دون استشارة الشخص الوصي علينا فكريًا."
ومن هذا المنظور جاءت صرخته التنويرية لتقول: "أَعمِلوا عقولكم، أيها البشر! لتكن لكم الجرأة على استخدام عقولكم فلا تتواكلوا بعد اليوم ولا تستسلموا للكسل والمقدور والمكتوب. تحركوا وانشطوا وانخرطوا في الحياة بشكل إيجابي متبصر. فقد زودكم الله بعقول ينبغي أن تستخدموها.
كان هناك من فهم التنوير نقيضًا للإيمان أو الاعتقاد الديني، وليس هذا صحيحًأ فالعقل، كما قال بليز باسكال، ليس ضد الإيمان لكن الإيمان يسمو على العقل بالمعرفة القلبية والضمير التى لا يجوس فيها العقل بأدواته الاستدلالية المعروفة. وشدّد كانت على أن "عند حدود العقل تبتدئ حدود الإيمان". كما حذر من الطاعة العمياء للقادة أو لرجال الدين . ولعل نجد هنا - على عكس أوروبا - أن الملايين فى مصر لن تجدي معهم أية حركة تنويرية. إذ يعدّونها ثورة على العقيدة وهدمًا للدين رغم أن الأصل فى التنوير هو التوجه نحو الإيمان بحرية لا ونحن مصفّدون فى أغلال كالعبيد.
إن جاز لي أن أضيف عبارة واحدة إلى ما تعلمته من الآباء الأوائل في ما للتنوير الأوروبي، يمكنني أن أقول إن الله لم يحررنا بالمسيح حتى يستعبدنا، بل أراد تحريرنا حرية كاملة لنكون أحرارًا فعلًا وعملًا. وبمقتضى هذه الحرية، نختار باختيار كامل جريء إرادي وواعٍ وليس تحت ضغط الخنوع والسيف والرهبة، أو الخوف من بطش غولٍ جهول أو صعلوك عفِن يخيرك بين الإيمان بدين ويغريك بجنة لإشباع الغرائز المحمومة أو قطع رقبتك. فذاك هو صميم الفكر الظلامي، لأنه ضد الحرية الإنسانية.
التنوير فى نظري هو إرادة عقل أن يختار اختيار القلب والضمير بحرية كاملة يتحمل مسئوليتها الإنسان الواعي.