ثروت البطاوي
في 13 يوليو 2017، طالبت ألمانيا رعاياها بتوخي الحذر عند السفر إلى مصر، لاحتمال وقوع عمليات إرهابية، بل وأكد بيان للخارجية الألمانية أن تلك العمليات يمكن أن تستهدف سياحاً أجانب، مطالبة بتوخي الحذر خاصة في المناطق السياحية في البحر الأحمر.
وفي اليوم التالي للتحذير الألماني، تسلل شخص إلى أحد فنادق مدينة الغردقة على ساحل البحر الأحمر وطعن ست سائحات ماتت منهن اثنتان.
كثيراً ما تحذّر السفارات الأجنبية رعاياها في دول المنطقة من احتمالات وقوع عمليات إرهابية، وكثيراً ما تقع هذه العمليات فعلاً بعيد التحذيرات. فهل تمتلك السفارات الأجنبية معلومات مسبقة عن تلك العمليات؟ وهل هذه المعلومات لا تكون بحوزة أجهزة الأمن والاستخبارات المحلية؟ ومن أين تستقي السفارات الأجنبية معلوماتها؟
أمثلة سابقة
الأمثلة عن ذلك كثيرة. في 11 مارس 2016، أصدرت السفارة الأمريكية بأنقرة تحذيراً لرعاياها من أعمال إرهابية، لتشهد العاصمة التركية بعدها بيومين فقط هجوماً إرهابياً أسفر عن سقوط عشرات القتلى والمصابين.
وبينما تساءل الأتراك عن كيفية علم السفارة الأمريكية بالأمر، وعما إذا كانت لديها معلومات أخفتها عن أجهزة الأمن التركية، أكدت السفارة أن مصدر تحذيراتها هو الحكومة التركية نفسها.
وبعد أقل من شهر من تلك الهجمات، فجّرت الشرطة التركية حقيبة تركت بميدان تقسيم بإسطنبول بعد ساعات من تحذير السفارة الأمريكية من تهديدات جدية لمناطق سياحية وميادين عامة.
وقبل يومين من الهجوم الإرهابي الذي استهدف حافلة للأقباط في صعيد مصر، في 26 مايو 2017، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والمصابين، حذّرت السفارتان الأمريكية والألمانية رعاياهما من هجوم إرهابي محتمل.
بالطبع، ليست كل التحذيرات التي تصدرها السفارات الأجنبية يعقبها وقوع عمليات إرهابية، فالغالبية العظمى منها تأتي في إطار الإجراءات الاحترازية.
وعلى سبيل المثال، حذّرت السفارة البريطانية في يناير الماضي رعاياها في الكويت من وقوع أحداث إرهابية، وفي يونيو الماضي حذّرت السفارة الأمريكية بالسعودية رعاياها من احتمال وقوع عمليات إرهابية في السعودية، وفي الحالتين لم يحدث أي شيء.
أنواع التحذيرات
ترسل السفارات الأجنبية إلى رعاياها تحذيرات يومية، بشكل شخصي، دون أن نعرف بها، تحذّرهم فيها من الإرهاب والسرقة وأخطار مختلفة. ولذلك، فإن التحذيرات التي تعمم تُعتبر "رفعاً لمستوى التحذيرات"، بحسب الخبير الأمني في مكافحة الإرهاب الدولي، والرئيس السابق لقسم التحليل والتنبؤ بفرق إدارة الأزمات بجهاز أمن الدولة في مصر العميد حسين حمودة مصطفى.
ويميّز مصطفى، في حديثه لرصيف22، بين خمسة أنواع من التحذيرات:
1ـ تحذيرات لحماية رعايا الدول الأجنبية من الإرهاب. وهذه التحذيرات حقيقية وترتبط بالوضع الأمني في الدول المضيفة وتكون مبنية على معلومات استخبارية للدولة الأجنبية أو للأجهزة المتعاونة معها.
2ـ تحذيرات احترازية في أوقات التوترات الداخلية دون الاستناد إلى معلومات محددة، وتأتي من باب الحيطة.
3ـ تحذيرات للتآمر على الدول المضيفة وابتزاز سلطاتها الأمنية، والمثال الواضح قيام السفارتين الكندية والبريطانية في مصر بإغلاق أبوابهما بزعم التهديدات الإرهابية، فيما كان الهدف الأساسي الضغط على السلطات الأمنية لتعزيز الإجراءات الأمنية لفترة معينة وتحويل الشوارع المحيطة بالسفارتين إلى ثكنات عسكرية، أسوة بالتعزيزات الأمنية المشددة حول السفارة الأمريكية بالقاهرة.
4ـ تحذيرات للحرب النفسية ضد الدول المضيفة، مثل تلك التي كانت إسرائيل تطلقها بشأن الأوضاع الأمنية في مصر قبل ثورة 25 يناير، وأسباب إطلاق تلك التحذيرات اقتصادية بحتة تستهدف ضرب السياحة الوافدة إلى مصر وتحويل جزء منها إلى إسرائيل وتخفيض عدد السياح الإسرائيليين المرتبطين عاطفياً بسيناء.
5ـ تحذيرات لإظهار التودد للدولة المضيفة وإبعاد الشكوك حول التورط في عمليات إرهابية ضدها، ومثالها الواضح دور إسرائيل في سيناء بعد ثورة 25 يناير، فإسرائيل، برأي مصطفى، تصعد الإرهاب هناك من أجل تدويل الوضع في سيناء وجعلها منطقة خطرة وفي نفس الوقت تبلغ مصر بأنها تساعدها وتضرب معها الإرهاب.
أقوال جاهزة
شاركغردما قصة إصدار السفارات أحياناً تحذيرات لمواطنيها قبل العمليات الإرهابية؟ وهل يجب أخذها على محمل الجد؟
شاركغردكيف تعرف السفارات الأجنبية بوقوع بعض العمليات الإرهابية مسبقاً؟ بين نظريتي التواطؤ و"الخيال المسموم"
مصادر معلومات السفارات
تمتلك بعض السفارات الأجنبية معلومات عن العمليات الإرهابية المتوقعة من خلال اختراق استخباراتها للتنظيمات الإرهابية أو من خلال رصد وسائل الاتصال وشبكات التواصل الاجتماعي.
وتستعين تلك السفارات، وفق مصطفى، بأجهزة استخباراتها أو استخبارات الدول الصديقة أو بالعملاء الذين يدلون بمعلوماتهم مقابل مكافآت مالية، وتوظف المعلومات سواء بالتحذيرات العلنية أو السرية أو بالصمت، وفق ما يخدم مصالحها.
وتصل أجهزة الاستخبارات الأجنبية في بعض الأحيان إلى معلومات غير متوفرة لأجهزة الأمن والاستخبارات الوطنية. ويقر بذلك وكيل الاستخبارات العامة المصرية السابق اللواء حاتم باشات. ويقول لرصيف22 إن بعض الاستخبارات الأجنبية تخترق بشكل مباشر التنظيمات الإرهابية، ما يوفر المعلومة بشكل أسرع.
ويشمل عمل أجهزة الاستخبارات الأجنبية المساند للسفارات الأبحاث والقيام بأعمال استقصائية، وأحياناً دعم أعمال عدائية وتهديد أمن الدولة، بحسب تأكيد خبير مكافحة الإرهاب الدولي الدكتور زكريا سالم لرصيف22.
وبرأيه، تسهم التقارير الاستخباراتية، إلى جانب اختراق شبكات الهواتف ومراقبة حركة رؤوس الأموال في التوصل إلى معلومات شبه مؤكدة بشأن العمليات الإرهابية.
التعاون المعلوماتي
يتوقف التعاون المعلوماتي بين الدول الأجنبية والدولة المعنية أو المستهدفة بالعمل الإرهابي، برأي مصطفى، على طبيعة العلاقات بين الدولتين.
فقد يحدث توتر في العلاقات بين دولتين لكن يستمر التعاون الأمني لأن هناك علاقة تعاون تاريخية، كما هو الحال في العلاقات المصرية السعودية التي تشوبها أحياناً توترات، وذلك بعكس العلاقات المصرية القطرية.
ومن الأمثلة أن الاستخبارات الإسرائيلية أبلغت نظيرتيها الأمريكية والبريطانية بحادث سقوط الطائرة الروسية بسيناء، ولم تبلغ المخابرات المصرية، بأن الطائرة سقطت نتيجة عمل إرهابي، في الوقت الذي كانت تنفي فيه مصر سقوطها نتيجة عملية إرهابية.
وهناك اتفاقية بين إسرائيل والولايات المتحدة تعود إلى عهد أول رئيس وزراء إسرائيلي، ديفيد بن غوريون، تقوم بموجبها الاستخبارات الأمريكية بتسليم تل أبيب نسخة من أية معلومات لديها تمس أمن إسرائيل أو مصالحها.
وعقد اتفاقيات أمنية بين دولتين لا يعني بالضرورة تبادل المعلومات بشكل شفاف، ففي الواقع يتم تجاوز تلك الاتفاقيات طبقاً للعلاقات السياسية والمصالح.
ووفقاً للخبرة العملية لمصطفى، فإن السفارات الأجنبية تبلغ في بعض الأحيان الأجهزة الوطنية المعنية بما لديها من معلومات عن عمليات إرهابية متوقعة، لكن كثيراً ما تفضّل تلك الدول الاحتفاظ بما لديها من معلومات من أجل كسب المزيد من السيطرة والنفوذ وعدم فقدان مصادر معلوماتها.
ويلفت سالم إلى أن تعاون السفارات الأجنبية مع أجهزة الأمن الوطنية كثيراً ما يتم بشكل ضعيف للغاية، كأن يتم تقديم معلومات غير دقيقة أو غير متكاملة.
وأحياناً، لا تبلغ السفارات الأجنبية، حال إطلاقها تحذيرات أمنية لرعاياها، أجهزة الأمن والاستخبارات الوطنية بتفاصيل ما لديها من معلومات، وتكتفي، وفق باشات، بما ورد في تحذيراتها. وبهذه الحالة، لا تملك الأجهزة الأمنية سوى رفع حالة الاستنفار، قبل التواصل مع السفارات لمحاولة معرفة المزيد.
تواطؤ أم خيال مسموم؟
تستطيع أجهزة استخبارات الدول الأجنبية أحياناً التنبؤ بعلميات إرهابية من خلال رصدها لحركة رؤوس الأموال بين قيادات وأعضاء التنظيمات الإرهابية، ويتم من خلال ذلك استقراء أنه ستتم عملية إرهابية، يؤكد سالم.
ولكن سالم يتحدث عن شبهات تدور حول أدوار السفارات الأجنبية، وخاصة في مصر، وعن تواطئها في العمليات الإرهابية.
وبحسب باشات، هناك "دلالات خبيثة" للتحذيرات التي تطلقها السفارات ويعقبها وقوع أحداث إرهابية، فهي تؤكد هدف السفارات بالإضرار بالاستقرار الداخلي والأوضاع الاقتصادية، فبعض الدول لديها اتصالات بالجماعات الإرهابية ومن الوارد أن يكون هناك تنسيق معها "ولمسنا ذلك في كثير من الأحداث"، كما قال.
أما نائب مدير مباحث أمن الدولة الأسبق اللواء فؤاد علام، فيعتبر أن محاولة الربط بين التحذيرات التي تصدرها السفارات الأجنبية والعمليات الإرهابية التي تحدث في بعض الأحيان بعد تلك التحذيرات، مجرد "خيال مسموم وكلام فارغ".
"لو كان لديهم علم مسبق بالعمليات الإرهابية لكانوا أبلغوا بها السلطات المختصة وقاموا بترحيل رعاياهم من الدولة المعنية"، يضيف علام، لافتاً إلى أن بيانات التحذير التي تصدرها السفارات تأتي نتيجة تكرار عدة حوادث إرهابية، فتطلب من رعاياها أخذ الحيطة أو عدم زيارة الدولة المعنية.
وهذه التحذيرات، وفق علام، لا تستند إلى معلومات تنفرد بها السفارات الأجنبية التي لا يمكن بحال من الأحوال أن تمتلك معلومات تزيد عما بحوزة الأجهزة الأمنية، لكن السفارات الأجنبية تستند إلى تحليلات من خلال استقراء الأحداث والوقائع والتنبؤ بالمستقبل.
ويبقى الأهم وهو "المعلومة غير المكتملة" التي تصل أحياناً إلى السفارات أو إلى الأجهزة الأمنية مثل معلومة عن تفخيخ سيارة بدون أن يعرف إلى أين يمكن أن تتجه أو معلومة عن عبور إرهابي إلى دولة معيّنة من دون تحديد مكانه بدقة، وهذه المعلومات تكشف نوايا التنظيمات الإرهابية حول القيام بعملية ما ولكن "عدم اكتمال المعلومة" لا يسمح بإحباط ما جرى التخطيط له مسبقاً.
رصيف 22