يركز كتاب وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، كوندوليزا رايس «الديمقراطية: قصص من الطريق الطويل إلى الحرية»، والذى نُشر فى مايو الماضى، على مزايا النظم الديمقراطية للحكم، وعلى ضرورة أن تظل الولايات المتحدة نشطة فى تعزيز الديمقراطية، فى جميع أنحاء العالم، وبالفعل جاء هذا الكتاب فى الوقت المناسب، فلم يكن يمكن أن يأتى فى وقت أفضل من ذلك.
ويعد هذا الكتاب هو الأكثر قراءة عن الولايات المتحدة، وقضية تعزيز الديمقراطية الغربية، منذ نشر الكاتب ناتان شارانسكى لكتابه «قضية الديمقراطية»، منذ أكثر من ١٠ سنوات.
وتقول رايس فى كتابها «إن الولايات المتحدة يجب أن تستمر فى الاستفادة من نموذجها الديمقراطى، وقوتها الدبلوماسية، وميزانيتها للمساعدات الخارجية لتعزيز الديمقراطية، ونشرها فى العالم»، وصحيح أننى لا أعرف رايس بشكل شخصى، وذلك على الرغم من أننى عملت فى إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق جورج دبليو بوش، ولكننى أؤيد بقوة تركيزها على تعزيز الديمقراطية، ولقد أيدت هذه القضية بشدة من خلال الجلوس على منصة المؤسسة الدولية للنظم الانتخابية، وهى منظمة لتعزيز الديمقراطية بتمويل العديد من الجهات المانحة.
ويأتى كتاب رايس بعد أكثر من عقد من النجاح المحدود لمشروع الديمقراطية، ويصف من يعملون فى هذا المجال هذا التقدم المحدود بـ«الركود الديمقراطى»، وفى الوقت نفسه، تذكر رايس القارئ بأنه على الرغم من أن الديمقراطية كانت فى حالة «ركود» على مدى السنوات الـ١٥ الماضية، فإنه ينبغى أن نعترف بالتقدم الكبير الذى تحقق على مدى السنوات الـ٥٠، أو الـ١٠٠ أو حتى الـ٢٠٠ الماضية، وذكرت فى الكتاب عدة مناطق فى العالم لإثبات وجهة نظرها فى هذه النقطة، كما تشير إلى أنه وفقًا لمنظمة «فريدوم هاوس» الأمريكية، فإنه هناك نحو ١٥٠ بلدًا حرا، أو حر بشكل جزئى، من أصل ٢٠٠ بلد فى العالم، وهذه علامة على حدوث تقدم كبير.
وبحث الكتاب وضع الديمقراطية فى العالم بدقة، وتتضمن دراسات حالة للبلدان تشمل لقطات من مراحل مختلفة من التطور الديمقراطى فيها، وتحدثت رايس فى كتابها عن بولندا، وكينيا، وكولومبيا، وأوكرانيا، وروسيا، ودول مختلفة فى الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، بما فى ذلك العراق، وتونس، ومصر، وفى كل دراسة حالة لهذه البلدان، قدمت رايس روايات شاهدتها شخصيًا خلال فترة عملها فى الإدارة الأمريكية، كمستشارة للأمن القومى، أو كوزيرة للخارجية، فقد استفادت دراسات حالة روسيا، وأوكرانيا، من العقود التى أمضتها رايس فى العمل مع هذا الجزء من العالم، فكونها تتحدث الروسية بطلاقة، وفر لها رؤية أوسع وأشمل للأوضاع فى موسكو.
ولعل ما يجعل الكتاب أكثر إثارة للاهتمام هو عودته المستمرة إلى التجربة الأمريكية، فهو يتضمن فصلًا كاملًا عن التطور الديمقراطى الأمريكى، وقد حرصت رايس على تذكير القراء بأن النساء لم يحصلن على حقهن فى التصويت فى الولايات المتحدة حتى عام ١٩٢٠، وأنه لم يتم منح الأمريكيين الأفارقة حق التصويت بالكامل حتى الستينيات.
والخبرة التى اكتسبتها رايس فى عملها كأمريكية أفريقية فى أجزاء مختلفة من العالم، بما فى ذلك فى ولاية ألاباما، وفرت لها بعض الأفكار، والرؤى المهمة، ومن الجدير بالملاحظة، أنها ذكرت فى الكتاب أنها لم تفوت أبدًا فرصة للتصويت، لأن عدم المشاركة يمثل إهانة لأسلافها الذين لم تتح لهم الفرصة للتصويت.
ولكن لماذا استخدمت رايس التجربة الأمريكية فى كتابها؟ إحدى الرسائل الرئيسية للكتاب هى أن الديمقراطية تستغرق وقتًا طويلًا لبنائها، وأن التقدم فيها لا يكون مستمرًا على خط مستقيم.
ويدافع الكتاب بشكل غير مباشر عن «أجندة الحرية» التى وضعتها إدارة بوش، وتحدث عنها فى خطاب تنصيبه الثانى فى عام ٢٠٠٥، فقد تحدثت رايس فيه عن توقف التقدم فى أفغانستان، والعراق، ولكنها تقول إن كلا البلدين أجريا انتخابات متعددة، ولديهما مجموعة متنوعة من المؤسسات، وإن كانت ضعيفة، ولا تزال رايس متفائلة بأن هذه البلدان ستصبح، على المدى الطويل، ديمقراطيات، كما تحدثت بشكل مطول أيضًا عن الصين، وخلصت إلى أنها ستصبح أكثر ديمقراطية مع مرور الوقت.
ترجمة- فاطمة زيـدان-المصرى اليوم
نقلًا عن مجلة «فورين بوليسى» الأمريكي