زهراء مجدي
على بعد 40 ميلًا شمال الرقة، في زاوية من مخيم للاجئين، يجلس مجموعة صغيرة من النسوة والأطفال وحدهم، يطحنون الحبوب، لون شعورهم بين الأشقر والبني الفاتح، مميزين بالبطانيات الزرقاء الموضوعة على خيامهم كأبواب بين الغرف الصغيرة، ويسمون بـ«عائلات داعش»، عائلات الدولة الإسلامية، أو العائلات التي لا يريد أحد معرفتها.
هم بضعة بين النازحين حديثًا من سوريا والعراق، الملايين من ضحايا الحرب ممن يعيشون في الخيام بأنحاء الشرق الأوسط، وصلوا مع جحافل فرت من الرقة من أوائل مايو (أيار)، وجوه أولادهم مميزة عن السكان المحليين الذين وضع المسؤولون الأكراد في أيديهم إدارة المخيم، وفُصلت عائلات الجهاديين المهزومين أمام تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والذين يُعتقد أنهم ذوو قيمة استخباراتية، واختاروا مكانهم، لتأتي «أسر داعش» في ذيل المخيم.
أطفال من أرحام عربية وصلب داعشي
تذكر إيثن دودز، وهي محاضرة في القانون الجنائي الدولي، جامعة الملكة بلفاست، أنه ومع انهيار «الخلافة» في العراق وسوريا، حان الوقت للتفكير في من عانوا منها. وعلى وجه الخصوص، الأطفال الذين ولدوا نتيجة للعنف الجنسي الذي ارتكبه مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية؛ لكنها أشارت إلى أنه من الصعب تحديد العدد الدقيق للأطفال المولودين داخل الدولة الإسلامية نتيجة لهذا الاعتداء الجنسي.
في آذار (مارس) 2016 قُدر أن هناك 31 ألف امرأة حامل تعيش داخل الخلافة، وفي وقت كانت الظروف المحيطة بحالات الحمل هذه غير واضحة، ظهر تقرير عن استخدام الرق الجنسي داخل «تنظيم الدولة الإسلامية»، والذي اتخذ بُعدًا اقتصاديًا، حيث كانت «داعش» تدفع مبلغ 35 دولار أمريكي لكل امرأة تلد طفلًا، مقابلًا عنه.
التلقيح القسري والحمل القسري وخطف النساء والأطفال، كل ذلك كان وسيلة لتأمين الجيل القادم من الجهاديين، وعليه قد أصبح استخدام العنف الجنسي من جانب تلك المنظمات أمرًا واسع النطاق ومنهجيًا واستراتيجيًا. وكما تشير نتائج البحوث التي نشرتها جمعية «هنري جاكسون»، فإن جماعات مثل الدولة الإسلامية وبوكو حرام، وحركة طالبان تستهدف ضحايا العنف الجنسي على أسس إثنية ودينية وسياسية.
وفي الوقت نفسه، يشير ارتفاع حالات الاختطاف إلى تزايد التداخل بين استخدام الجماعات الجهادية للعنف الجنسي والاتجار من أجل الربح؛ ويفسر ذلك كيف شكل الأطفال من 10 إلى 30 مليون دولار من إيرادات الدولة الإسلامية في عام 2016 وحده.
هؤلاء الأطفال الذين تربوا وسط أيديولوجيا متطرفة منذ ولادتهم، يعانون اليوم من تحديات معقدة، أبسطها استخراج شهادة ميلاد، فـ«داعش» كانت جهة فاعلة ولكنها غير حكومية، وعديمة الجنسية من جهة أخرى، ما يشكل تحديًا كبيرًا أيضًا أمام الأطفال الذين هربوا من «داعش»، لافتقارهم لجنسية معترف بها، ما يثير الأزمات أمامهم مثل التمييز وانعدام فرص الحصول على التعليم والرعاية الصحية فيما بعد.
كما يُنظر لهم على كونهم تهديدًا للأمن، فبدلًا من الاعتراف بهم باعتبارهم ضحايا يحتاجون الدعم، يُنبذون مثل ما حدث عند دخولهم مخيم اللاجئين شمال الرقة في مايو (أيار) 2017 هم وأمهاتهم، فقد رُفض دخولهم إلى المخيم، وطُردوا من شمال سوريا حيث دخلت القوات الكردية في عمق الرقة، وقد تكرر ذلك في العراق أيضًا حيث قامت قوات الدولة المدعومة بالميليشيات الشيعية، بطرد «ذوي داعش» من كل مركز حضري، حيث النساء والأطفال ليس لديهم مكان للجوء.
المدرسة الداعشية الابتدائية غير المشتركة
في استراتيجية «داعش»، كانت هناك عملية تأسيس منهجي للجيل القادم من المجاهدين المقاتلين، فالنساء الحاملات لا يظهرن بأي شكل من الأشكال، هن خاضعات لعملية إعداد طويلة الأمد، وفي تقرير بعنوان «أطفال الدولة الإسلامية»، أصدره مركز أبحاث لندن لمكافحة التطرف، وأقرته الأمم المتحدة، عن نتائج التحقيق في كيفية تجنيد «داعش» للأطفال وتدريبهم على الجهاد في المنزل والمدرسة، اعتُبر الأطفال المقاتلون أشد وأكثر فتكًا من البالغين.
وقد ذكرت بعض المصادر أن أساليب تطبيع التوحش والعنف شملت تشجيع الأطفال للعب كرة القدم مع رؤوس القتلى، وإطلاق النار وتعلم فنون الدفاع عن النفس ورفع الأسلحة. ومع ذلك، فإن الفتيات يُعرفن باسم «لؤلؤ الخلافة»، ويجب أن يبقين محجبات، مخفيات في المنزل، لرعاية الأزواج وإمتاعهن في المستقبل.
نما هؤلاء الأطفال مع قتل لكل إمكانية تطوير لقدراتهم المعرفية، حتى لا تتكون لهم قدرة على صنع القرار الذي هو من مهام الكبار بحسب بعض المصادر والشهادات، وتلعب العائلات هنا دورًا رئيسيًا، فتقرأ الأمهات للأطفال ليلًا قصص قتل محاربي «داعش»، وتدرس لهم الصواب والخطأ في منهج «داعش»، وكانت تلقي دروسًا في تفسير الشريعة والنصوص الإسلامية من وجهة نظر «داعش» تقتل فيهم الحساسية ضد العنف، وتعلمهم مهارة رفع راية «الجهاد»، وذلك بحسب تقرير الإندبندنت.
ويضيف تقرير «أطفال الدولة الإسلامية» أنه منذ أغسطس (آب) 2015 إلى فبراير (شباط2016(، سجل الأطفال 254 حالة قاموا خلالها بالدعوة للخلافة الإسلامية، وفي الأشهر الستة الأخيرة قبل كتابة التقرير نفذ الأطفال 12 عملية عنف. وقد وثقت بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة تقارير حول معاملة «داعش» للمرأة، ففي يناير(كانون الثاني) 2016، قال التقرير إن المحتجزين بسجون الدولة الإسلامية معظمهم نساء وأطفال أزيديون، وفي تقرير آخر للأمم المتحدة أفاد أنه في 21 يونيو (حزيران) 2015 جُمع 900 طفل للتدريب العسكري، ومن رفض تسليم نفسه تم جلده وتعذيبه واغتصابه، حتى انصياعه للأمر.
وصمة عار في وجه من؟
ما يبعث على القلق أن الوصمة المرتبطة بالعنف الجنسي يمكن أن تؤدي في كثير من الأحيان إلى الانتقام المميت، حيث يتعرض الضحايا لأهوال إضافية في شكل «العنف القائم على الشرف»، والأمراض غير المعالجة، والإجهاض غير الآمن، والاستبعاد الاقتصادي. والنتيجة هي سلسلة من الظلم، بدأها المسلحون، وتفاقمت مع الأنظمة والمجتمعات.
ولتفادي وصمة العار فإن بعض النساء المغتصبات تناشدن بلدان آباء أطفالهن الأحياء أو القتلى، ولكن حتى الآن تتجاهل أصواتهن دول مثل بريطانيا وفرنسا وأستراليا والعديد من دول أوروبا بداعي أنها حتى الآن لم تتخذ قرارًا بشأن ما يجب القيام به مع أطفال «داعش»، بالرغم من أن النساء البريطانيات اللواتي غادرن المملكة بغرض الانضمام لـ«داعش»، وانضموا لها ومارسوا الجنس ووضعوا أطفالًا يضمن قانون دولتهن لأطفالهن الرحمة بعيدًا عما اختارته أمهاتهم.
علاوة على ذلك فإن الأطفال المولودين من العنف الجنسي في حالات الحروب والصراعات – والذي يشمل وضع أطفال الدولة الإسلامية – يضمهم بند وصفه الأمين العام بالأمم المتحدة في حالات النزاع باسم «فجوة المساءلة»، وفيه يُعترف بهؤلاء الأطفال بوصفهم ضحايا مؤهلين للحصول على تعويضات بعد العرض على لجان حقوقية أو إدراجهم بالفعل في التشريعات الوطنية كما حدث في بلتيمور وتشيلي وسيراليون، وكثيرًا ما تكون هناك تشريعات صارمة لدمج أطفال الأمة الواحدة دون تمييز، وهو ما لم يحدث بعد مع أطفال «الدولة الإسلامية».
المصادر