تسفي برئيل
العمليتان الإرهابيتان الكبيرتان في اليومين الاخيرين، الاولى في اسطنبول والثانية في القاهرة، تُذكران بشكل تراجيدي بوجود الإرهاب القديم المعروف، الذي ليس من انتاج تنظيم الدولة الإسلامية، بل هو يستند إلى الخلافات السياسية المحلية. في تركيا تم نسب العملية لـ «ممثلو تحرير كردستان» ـ وهو جناح في حزب العمال الكردستاني الـ «بي.كي.كي»، الذي يعتبر منظمة إرهابية (وقد أعلن مسؤوليته عن العملية). الحكومة المصرية تلقي بالمسؤولية عن العملية على منظمة «حسم»، التي نسبتها للإخوان المسلمين. في الحالتين الحديث يدور عن حركات لها أجندة محلية وليست دولية. وهي توجد في مجال المسؤولية الأمنية لكل دولة من الدولتين، وهي ليست جزءا من الصراع ضد ما يسمى الجهاد العالمي.
تركيا تدير منذ الثمانينيات صراعا دمويا ضد الـ «بي.كي.كي»، الذي تسبب حتى الآن بـ 45 ألف ضحية.
أما مصر فقد بدأت بحملة ابادة للإخوان المسلمين في العام 2013 مع اقالة محمد مرسي من الرئاسة والسيطرة على الحكم من قبل الجيش.
أهداف المنظمتين هي أهداف قومية. الـ «بي.كي.كي» وأذرعها لا تعتمد على أجندة دينية، بل العكس، هي حركة علمانية تطالب بمنح الأكراد حكما ذاتيا قوميا وثقافيا، ومبادؤها مستمدة من الماركسية.
منظمة «حسم» المصرية، رغم صلتها بالإخوان المسلمين، وضعت على رأس سلم اهدافها السعي إلى تطبيق مباديء ثورة كانون الثاني 2011، التي حسب رأيها، تم تحطيمها من قبل السلطة العسكرية. وحسب برنامجها، الحركة تطالب بابعاد الجيش عن السياسة والسماح بحرية التظاهر، وهي تطالب جميع التيارات والحركات بالانضمام اليها. وهكذا تميز حركة «حسم» نفسها عن الحركات الجهادية الكلاسيكية مثل الجهاد الإسلامي أو كتائب داعش التي تعمل في سيناء.
رغم أن مصر وتركيا لهما تجربة بالعمليات الكبيرة، فإن لكل واحدة من هذه العمليات لها مميزاتها الخاصة. كان هدف العملية في مصر إلحاق الضرر بالبطن الضعيفة للنظام المصري الذي يبذل الجهود من اجل الاثبات بأن أمن كل مواطني الدولة، المسلمين والمسيحيين، هام بشكل متساو. وقد سن النظام في مصر مؤخرا قانونا يهدف إلى تحسين وضع الجالية المسيحية القبطية التي تضم 9 ـ 10 ملايين شخص، والسماح بإقامة الكنائس.
لكن الجالية القبطية لا زالت خائفة، خصوصا على خلفية مماطلة السلطات المصرية في التحقيق في أحداث اعتداءات على الاقباط. عملية كثيرة المصابين في الكنيسة، اثناء الصلاة في يوم الاحد، تحطم جهد السيسي السياسي، الذي يسعى ايضا إلى ارضاء المجتمع الدولي. ومن شأنها ايضا أن تتسبب بموجة جديدة من الصراع بين المسلمين والمسيحيين في الدولة. وبهذا يتم توريط السيسي في صراع أكثر خطورة من الصراع ضد الإرهاب الذي يستخدم ضده القوات العسكرية والاستخبارية في ارجاء الدولة.
موقع العملية في اسطنبول ايضا لم يكن صدفيا. استاد فريق بشكتاش مرتبط بأردوغان شخصيا. فهو الذي قام بافتتاحه بواسطة ركل الكرة في نيسان 2016. ولكن مقابل مشجعي فريق فنرباحشه، الذين ينتمون للنخبة الاقتصادية ويؤيدون أردوغان، فإن مؤيدي فريق بشكتاش هم من أبناء الطبقة المتوسطة والطبقة الفقيرة والعمال. المؤيدون الذين يسمون «تشارشي» (سوق) كانوا بين النشطاء الذين جندوا المظاهرات ضد حكومة أردوغان خلال الاحتجاج على تدمير متنزه غازي في العام 2013. وهم ايضا عانوا ايضا من القبضة الحديدية للنظام عندما تم اعتقال الكثيرين الذين ضربوا على أيدي الشرطة.
إن تنفيذ عملية إرهابية بالقرب من ستاد يهدف إلى تأجيج من يعارضون أردوغان والجمهور العلماني الليبرالي والطبقات الفقيرة في المدينة التي تطلب المصالحة مع الأكراد.
إن العمليتين في مصر وتركيا تعتمدان على نية اثارة الرأي العام ضد النظام، ووضع الصراع الداخلي على رأس برنامج العمل اليومي. وهما ايضا تهدفان إلى تصوير صراع النظام مع الخصوم السياسيين على أنه شيء لا فائدة منه، حيث إنه رغم الصراع العنيف الذي يديره أردوغان ضد الأكراد في تركيا، الذي يشمل هدم المنازل وحظر التجول الطويل والاعتقالات وقتل المدنيين، لا تنجح في منع العمليات التي تحرج الاستخبارات والنظام وتستخف بسياسة القبضة الحديدية.
مثلما هي الحالي في تركيا، ايضا في مصر، العملية تُظهر النظام الذي يدير حرب لا هوادة فيها ضد الإخوان المسلمين على أنه غير قادر على القضاء على أعدائه، ويهدد أمن المواطنين بسبب السياسة المتصلبة ورفض المصالحة مع الإخوان المسلمين.
خلافا لعمليات داعش الإرهابية أو عمليات القاعدة، في كل ما يتعلق بالإرهاب الداخلي، يوجد للنظامين خيار بديل للصراع العنيف. الأكراد في تركيا، بما في ذلك حزب العمال، يطالبون باستئناف المفاوضات مع النظام لترتيب مطالبهم الثقافية والعرقية. وقد توقفت المفاوضات بأمر من أردوغان في العام 2015 بعد العملية في سوروس في جنوب شرق الدولة. ومثل الأكراد فإن الإخوان المسلمين في مصر ايضا يحاولون منذ ثلاث سنوات اجراء المفاوضات مع النظام الذي يرفض هذه المحاولات.
تركيا ومصر توجدان في المشكلة نفسها التي تميز ايضا إسرائيل في حربها ضد العمليات الإرهابية الفلسطينية. في هذه الدول الثلاث يوجد اعتراف وادراك بأن المحاربة الفعلية للإرهاب لن تؤدي إلى القضاء عليه. وفي نفس الوقت فإن كل محاولة للنقاش مع هذه المنظمات تعتبر خيانة وانهزامية.
هآرتس
ترجمة القدس العربى