رصيف 22
كما توقعت بسبب الفيديو الأخير.. لا أعرف ماذا أقول حقاً؟ لكنني قلق هذه المرة، لا أعرف ماذا علي أن أفعل.. حتى لو كنت أرغب في الخروج من مصر الآن مُكلَف، وسيستغرق ما لا يقل عن شهر وحتى ذلك الحين (الأمر) غير مضمون". هذا ما كتبه المدون المصري شريف جابر قبل أيام مما أثير حول القبض عليه لدى توجهه من القاهرة إلى ماليزيا.
كان شريف، 25 عاماً، يعلق على خبر عن بلاغ ضده، قدمه محام ينتمي إلى حزب النور السلفي، اتهمه فيه بـ"الاعتداء على الدين الإسلامي"، مُطالباً باتخاذ الإجراءات ضده لـ"إهانة دين الغالبية العظمى من المصريين، والتحريض وتكدير السلم العام وإثارة الفتنة بين أبناء المجتمع".
وعصر الأربعاء الماضي، تناقل مستخدمو الشبكات الاجتماعية صورة من تدوينة منسوبة لشريف جابر على خدمة "Patreon" لمنتجي المحتوى المصور (خلا حسابه من التدوينة عند مطالعته)، قالوا إنه كتبه بعد القبض عليه في مطار القاهرة.
ورفع انقطاع أخباره واختفاؤه حدة الجدل حول مصيره، وما قد يواجه بعد القبض عليه، في وقت قال شريف جابر إنه قد يواجه حكماً بالحبس 5 سنوات جراء الاتهامات الموجهة إليه.
من هو شريف جابر؟
يحظى شريف جابر، وهو من مواليد محافظة الإسماعيلية (شمال شرق البلاد) في 13 فبراير 1993، بنسبة متابعة كبيرة على شبكة الإنترنت، وكثيراً ما تثير آراؤه تجاه القضايا الدينية والاجتماعية جدلاً في مصر والمنطقة العربية.
في 19 فبراير الماضي، بث آخر فيديوهاته على قناته في يوتيوب، التي يشترك فيها قرابة 150 ألف شخص، وكان بعنوان "شيخ يدعو ملحد إلى عبادة الإله الواحد"، الذي شاهده حتى كتابة هذه السطور أكثر من 360 ألفاً.
ومع توالي 11 ألف تعليق على الفيديو، انضم إليهم شريف بتوضيح إضافي، قائلاً "مع احترامي الشديد لكل الناس باختلاف طوائفهم ومعتقداتهم... عارف إن ناس كتير هتضايق لما تشوف الفيديو ده وممكن تكون إنت منهم لكن صدقني ملكش حق.. مهما انتقدت أو سخرت أو هاجمت أفكار معينة فده لن ينقص أو يزيد منك شيء نهائي، ولن ينقص أو يزيد منها شيء".
ربما كان يعلم ما قد يطاله بعد بث الفيديو، وهو ما حدث عندما عاجله المحامي المنتمي لحزب النور ببلاغ ضده، أودعه للنائب العام في 31 مارس، قائلاً إنه "دأب على بث فيديوهات على الإنترنت يبث فيها ازدراء وسخرية واستهزاء بكل أركان الدين".
"أغادر مصر أم لا"، تدوينة مطولة كتبها شريف جابر على موقعه الشخصي قبل نحو إسبوعين، تحدث خلالها عن مخاوفه من القبض عليه وشعوره بالقلق، كتب "أشعر بالضياع منذ أن علمت (بالبلاغ)، فكرت فيما إذا كان الوقت قد حان لترك هذا المكان أم لا. أنا لا أحب الشعور بالفرار. وأنا أعلم أن هناك مئات الآلاف هنا ممن يتم إسكاتهم لأنهم يخشون من بعض المتعصبين".
ودعا متابعيه إلى مساعدته بالنصيحة والدعم المالي عبر حملة أطلقها لجمع المال عبر حسابه على منصة "Patreon"، آملاً في الحصول على 4,800 دولار حتى يمكنه "مغادرة مصر بأمان".
"لا يمكنني البقاء في هذه البلاد"، كتبها شريف في حسابه على "تويتر"، قبل أيام من تناقل الأنباء بشأن تعرضه للتوقيف، وذلك لدى وجوده في مطار القاهرة.
وفي 27 أكتوبر 2013، أوقفته السلطات المصرية بموجب اتهامه بـ"ازدراء الأديان ونشر الرذيلة والأفكار الشاذة التي تحث وتشجع على الاستفزاز وتمنع السلام العام وتهدد الأمن الوطني والقومي"، وذلك قبل تخلية سبيله في ديسمبر من العام نفسه مقابل دفع غرامة قدرها 7500 جنيه.
آنذاك، جاء القبض عليه بعد مواجهة كلامية مع أحد أساتذة علم النفس في كليته (الآداب)، لاعتبار الأخير المثلية الجنسية حالة مرضية، لكن جابر قال حينذاك، إنها "أحد التوجهات الجنسية عند البشر، تنشأ نتيجة تفاعل عوامل بيولوجية وجينية واجتماعية ونفسية".
بعد ذلك، وقع طلاب وأعضاء في هيئة التدريس على عريضة تتهمه بالإلحاد على فيسبوك، تلاها رفع رئيس جامعة قناة السويس شكوى قانونية ضده.
وفي فبراير 2015، أصدرت محكمة مصرية حكماً بالسجن سنة مع كفالة لإيقاف التنفيذ عليه بتهمة "ازدراء الإسلام بعد إعلانه إلحاده على فيسبوك"، إلا أنه استأنف على الحكم وتم إطلاق سراحه مقابل ألف جنيه.
دعوات لكشف مصيره
30 أكتوبر 2013، كانت المرة الأولى التي يظهر فيها هاشتاج #Free_Sherif_Gaber أو الحرية لشريف جابر، على وقع القبض عليه بعد الخلاف الكلامي مع أساتذته بالجامعة.
لكن الوسم عاد من جديد هذه الأيام بمشاركة مُغردين مصريين وعرب، وسط مطالب من المشاركين بكشف مصيره، لا سيما مع عدم نشر أية أخبار عنه، بينما تباينت الآراء تجاه طريقته في عرض أفكاره.
الأزهر والكنيسة في مواجهة الإلحاد
قدر تقرير منسوب لمؤسسة "بورسن مارستلير" الأمريكية عدد الملحدين في مصر بنسبة 3% من إجمالي عدد السكان في العام 2014، في وقت لا توجد إحصاءات حكومية رسمية في هذا الشأن.
وبينما حوكم عدد من الأشخاص بتهمة الإلحاد في السنوات الأخيرة، حذرت قيادات الأزهر من "انتشار" ظاهرة الإلحاد في البلاد، فيما وصفه البابا تواضروس، بطريرك الكرازة المرقسية، بأنه "تمرد على الله ويشكل خطرًا على مجتمعنا".
ودشنت الكنيسة حملات ومؤتمرات دينية لمكافحة الإلحاد، إضافة للتنسيق بينها وبين الأزهر، لتبني خطاباً موحداً ضد انتشار الفكر الإلحادي.
وفي فبراير الماضي، طرح الدكتور عمر حمروش، أمين اللجنة الدينية بمجلس النواب، مشروع قانون مواجهة الإلحاد، قائلاً إن سبب تقديمه "هو تنامي ظاهرة الإلحاد في المجتمع خلال السنوات الأخيرة، ما يمثل تهديدًا لجميع الأديان السماوية".
وفي تقرير رفضته الحكومة المصرية رغم إشادته بها في بعض الجوانب، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن مصر تراجعت في العام 2016 بالنسبة للحريات الدينية.
وأخيراً، وجهت مجموعة "جلوبال سيتزن" الأمريكية غير الربحية انتقادات إلى شركة "APCO" الأمريكية للعلاقات العامة، قائلةً إنها تعمل مع الحكومة المصرية التي تتخذ سياسات مناهضة للمثليين جنسياً.
إلا أن الشركة قالت إنها أنهت أعمالها ولم تعد تمثل الحكومة المصرية، موضحةً أن اتفاقها كان يقتصر على فترة الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة.