ولن تستطيعوا سجن الأفكار - Articles
Latest Articles

ولن تستطيعوا سجن الأفكار

ولن تستطيعوا سجن الأفكار

محمد الشحات الشحات

في الثمانينات من القرن العشرين كتب سلمان رشدي  رواية آيات شيطانية الرواية احدثت ضجة في العالم الاسلامي وخرجت المظاهرات الغاضبة في مصر والباكستان واندونسيا وايران تطالب برأس  الكاتب المرتد علي حد وصفهم ، الرواية كانت تدور محورها حول قصة وردت عند الطبري والبزار وغيرهم في كتب التفاسير والاحاديث عن ان النبي كان يقرأ سورة النجم في المسجد الحرام حتي بلغ  أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ)

لكن بدل من ان يقرأ النبي أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَىٰ (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ  جاء الشيطان وتسلل الي عقل النبي واستطاع ان يخترق الوحي فقرأ تلك الغرانيق العلي وان شفاعتهن لترتجي سرت قريش لمدح النبي الهتهم وسجدوا معه عندما سجد  حتي الوليد بن المغيرة الذي لم يستطيع السجود لكبر سنه اخذ حفنة من التراب ووضعها علي جبتهه وقالوا والله مانعبدهم الا ليقربونا زلفي الي الله نرجي بهن الشفاعة عنده جاءت قريش تهنئ النبي عن رجوعه عن صبوته ومدحه لالهتهم واخبرته بماقال في مديح   اللات والعزة ومناة حزن النبي لتسلل الشيطان للوحي فنزل الوحي يعزيه بتلك الاياتوَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)

القصة اعتبرها المسلمون طعن في ركن هام من اركان الاسلام لايكون اسلام المسلم الا بالايمان به وهو القرآن وانه وحي من عند الله تكفل الله بحفظه من التحريف ومن الشياطين وفيها اتهام للنبي لخضوع عقله للشيطان والله قد حمي المؤمنون من الشيطان وانه لاسلطان له عليهم ِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (  فكيف بالنبي الذي هو خير خلق الله وحبيبه  وخاتم  الانبياء هذا الذي حدا بهم ان يثوروا ويرفعوا عقيرتهم   ويكتبوا قصائد تطالب برأس المرتد الزنديق مثلما كتب شاعر الرومانسية والعشق فاروق جويدة الذي كتب قصيدة يرثي فيها حال المسلمين وما وصلوا اليه من ضعف وهوان  في زمن الردة والبتهان مكن لسلمان رشدي ان يكتب قصة تتعرض للنبي والقرآن واستشرف فيها عودة مجد الاسلام ومجئ خيل ابابكر الذي يصيح في خالد قم  واقطع راس الشيطان

لكن الرغبة  في قطع راس سلمان رشدي لم تكن مجرد خواطر ادبية لشعراء متدينين عبروا عن غضبهم ضد التشكيك في عقائدهم ومقدساتهم او فورة حماسة ثائرين غاضبين لكنها كانت فتاوي اطلقها مرجعيات دينية لها ملايين الاتباع  يقدسونها ورهن اشاراتها وعلي راس دول غنية بالنفط وتمتلك جيوش ومليشيات قوية مثل ملالي ايران والخوميني الزعيم الروحي للثورة الايرانية الذي اصدر فتوي باهدار دم سلمان رشدي وان من الممكن لاي احد من عوام المسلمين ان يقتل ذلك الزنديق  قربه لله الفتوي لم تروق للمفتي الراحل عبد العزيز بن باز مفتي السعودية الدولة السنية الغنية بالنفط والمناوئة لملالي ايران  لمافيها من غلوا فلايجوز قتل سلمان رشدي مباشرةً  انما يخير بين ان يتوب ويتراجع عما كتب او يقتل  لكن لايقتل هكذا مباشرةً دون استتابة وتخيير بين التراجع او القتل فهذا غلوا وتشدد

افزعت فتاوي القتل دوائر الغرب وتضامن المثقفين والمنظمات الحقوقية ورجال السياسة مع سلمان رشدي  وشعروا بالخوف  علي مبدء ناضلوا من اجله قرون ودفعوا ثمن الحصول عليه مذابح وحروب واضطهاد وهو حرية الراي والتعبير فالاول مرة يرونها مهددة بعد جاليلي جاليلو ومحاكم التفتيش علي يد المهاجرين المسلمين الذين شاهدوهم وهم يخرجون في مسيرات تحرق فيها نسخا من الرواية وعلموا برسائل التهديد بالقتل لدور النشر  والمطابع والمترجمين ان اقدموا بنشر وترجمة الرواية وتعرض سلمان رشدي لعدة محاولات للاغتيال ابرزها محاولة قتل عن طريق كتاب مفخخ في طرد بريد علي يد شخص يدعي مصطفي فالح عضو في جماعة حزب الله وهي جماعة موالية لايران افزعت ردود الافعال الغاضبة الغرب وجعلتهم يشعرون بالخطر علي مدنيتهم وحرية التعبير  هذه الردود جعلت اصوات تطالب باعادة النظر في قبول المهاجرين المسلمين في اوروبا لانهم لاينتمون  للقيم الانسانية حيث انهم علي الاستعداد لقتل كل من  يعبر عن اراء لا تروق لهم

لكن مهما كانت ردود الافعال الغاضبة من المتدينين ضد الاهانة التي كالها سلمان رشدي للمقدسات لم يكن ليجدي الارهاب وفتاوي القتل من قبل المتشددين لم تكن لتمنع افكار سلمان رشدي من الانتشار حتي وان قتلوه خاصة مع عصر ثورة الاتصالات الذي ساهم في احداث سيولة في تدفق المعلومات والافكار وتبادلها  في العالم كله لكن سلمان لم يختلق قصته التي بني عليها روايته ولم يأخذها من اعداء المسلمين انما مأخوذة من  نفس الكتب التي يستمد منها المسلمين فقههم وسنة نبيهم وتفسير القرآن الكريم انها من ذات التراث  الذي يرشد المسلمين للطريقة المثلي لفهم الدين كما اوحي للرسول قدر الامكان هذا الذي جعل  الجهود تتضافر لغربلة التراث خاصة الاحاديث النبوية والتفاسير وتنقيته من الاحاديث والقصص الضعيفة  والموضوعة وتصدي لتحقيق القصة التي بنيت عليها رواية سلمان رشدي الكثيرين ابرزهم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني الذي الف كتاب نصب المجانيق في بطلان قصة الغرانيق الذي حقق فيه اسانيد القصة وبين ضعفها 

لقد دفعت رواية سلمان رشدي النخبة الدينية السنية  في اعادة النظر في  تراث السنة وتنقيته من القصص الواهية لم تكن جهود مؤسسية تبنتها  مثل المؤسسات الدينية الكبري كالازهر والجامعة الاسلامية وجامعة الزيتونة  وكانت جهود فردية قام بها افراد بارزين من التيار السلفي كالشيخ الالباني او مدارس وتيارات سلفية كجمعية انصار السنة في مصر  بادوات وطرق المحقيقين القديمة وهو الجرح والتعديل والنظر  في الاسانيد لمعرفة مدي اتصالها  وعدالة رواتها  اي ان القصة التي دفعتك لتفكير في قتل سلمان رشدي كانت هي الدافع لتنقية التراث الديني

الدرس المستفاد من قصة سلمان رشدي هو اهمية  حرية الراي والتعبير في تصحيح معتقداتنا واراءنا فمهما كان ضيقنا  وامتعاضنا للاراء المخالفة الا انها تدفعنا لاعادة النظر في معتقداتنا وارائنا  لربما تكشف مواضع الخطأ والخلل كما بينت قصة سلمان رشدي  ان التراث يحتوي علي قصص تطعن في ركن هام من اركان الايمان وهو الايمان بعصمة الوحي والقرأن والنبي مثل قصة الغرانيق او ربما يبين لك انك تتبني مفاهيم خاطئة او تصور خاطئ عن الدين  يجعلك تعيد النظر في تصوراتك عن الدين فنحن لانملك وحيا انما عقول تفهم وتستوعب الوحي بحسب سياقها الزمني والمكاني ومخزونها الثقافي والياتها الاجتماعية او تثبت فهمك وتصوراتك في العقيدة ان تبين  ضعف حجة الراي الاخر في نقده لمعتقداتك  فتكون اكثر ثقة وفي ايمانك،ومعتقداتك

ان الذين يخشون  من النقد  هم قوم يسلمون بضعف معتقداتهم وتهافتها وعدم وثوقهم في صمودها اما اي نقد او قوما لايثقون في ايمانهم وانه مجرد ايمان هش ضعيف شئ محمي بالقمع والارهاب وسجن اصحاب الراي الذين يخشون حرية الراي ويقمعون كل صاحب راي حر هم من يزدرون معتقداتهم  ويبينون للاخر ان معتقداتهم بدون جلاد هشة ضعيفة لاتصمد امام اي نقد وفي عصر ثورة المعلومات لم يستطيع قمعهم وقوانينهم ان تحجب الافكار  لكن ستحجبهم هم عن العالم  والمحيط الانساني الحر المتقدم  وتسجنهم في جمودهم وعنتهم حتي يهلكهم  يستطيعون ترهيب شريف جابر او غيره بالسجن  لكن  الافكار لا يقدر علي قمعها السجن  والارهاب  خاصة في عصر بات نشرها في غاية اليسر والسهولة بفضل تكنولوجيا الاتصالات.

مصر المدنية

Related

Share

Rating

0 ( 0 reviews)

Post a Comment

Category
Author
More Options
  • Recent
  • Popular
  • Tag
Tags