"إخوان مَن أطاع الله"... قصة جماعة لعبت دوراً مهماً في تأسيس السعودية الحديثة - Articles
Latest Articles

"إخوان مَن أطاع الله"... قصة جماعة لعبت دوراً مهماً في تأسيس السعودية الحديثة

حامد فتحي

تمثل قبائل البدو في شبه الجزيرة العربية سلاحاً ذا حدين، فهي قد تكون مثيرة للفوضى وقد تكون قوة بيد من يُسخرها. وعرف مؤسس الدولة السعودية الحديثة الملك عبد العزيز آل سعود ذلك، فحوّل بدو نجد إلى مجتمع جديد قائم على أخوة الدين بدلاً من أخوة القبيلة، وشكّل جماعة عُرفت باسم "إخوان مَن أطاع الله" أو الإخوان السعوديين لاحقاً.

وقدمت تلك الجماعة فوائد للملك منها أنه أمن شر تمرد مكوّناتها، ومنها أنه حظي بعشرات الآلاف من المقاتلين. فما هي قصة هذه الجماعة؟

جيش الإخوانجيش الإخوان

آل سعود والوهابيون... شراكة السياسة والدين

تعود دعوة الوهابيين إلى الداعية الحنبلي محمد بن عبد الوهاب الذي قاد دعوة تحارب ما انتشر من ممارسات اعتبرها شركاً، ثم تحالف مع حاكم الدرعية محمد بن سعود عام 1744.

وكان ابن سعود يبحث عن سبب للقتال والغزو كعادة قبائل نجد، فسرّه الحصول على سبب محدد جاهز، ولذلك اعتنق تعاليم ابن عبد الوهاب، ثم اقتدى به أتباعه وسمّاهم خصومهم بالوهابيين.

راية الإخوانراية الإخوان

تقاسم ابن سعود وابن عبد الوهاب السلطة، فكانت للأول السلطة الدنيوية، وللثاني السلطة الدينية، وهذه الثنائية ستشكل أساساً في بنية الدولة السعودية، وهو ما يقوله ثاوساند أوكس في كتابه "إسهام الإخوان في توحيد المملكة العربية السعودية".

انتهت الدولة السعودية الأولى على يد جيش محمد علي باشا عام 1818، وتبع ذلك محاولات من آل سعود لاستعادة حكمهم لكنها سرعان ما فشلت، لترحل الأسرة إلى الكويت.

وفي عام 1901، قاد عبد العزيز آل سعود ثلة من رجاله، وزحف على نجد وسيطر على الرياض، ثم سيطر على إقاليم نجد والأحساء وحائل، ولاحقاً مملكة الحجاز التي كانت تحكمها أسرة الشريف حسين الهاشمية، وأنشأ الدولة السعودية الحديثة، المعروفة في يومنا هذا.

لكن من أين جاء ابن سعود بالجيوش اللازمة التي حقق بها انتصاراته الباهرة؟

تحويل البدو إلى جماعة دينية مسلحة

يقول الباحث السعودي في التاريخ الحديث وعضو الجمعية التاريخية السعودية سعد العريفي لرصيف22: "من أجل حكم الجزيرة العربية، كان لا بد من التنسيق مع القبائل إما بالمال أو الجاه، وهو ما تنبه له الملك عبد العزيز مبكراً، فعمل على مشروع اجتماعي ضخم سُمي توطين البادية، وهو مشروع يهدف إلى تعليم أهل البادية الزراعة وتوطينهم في مجمعات عُرفت باسم الهجر، وكانت الأرطاوية أول هجرة وأنشئت لزعيم مطير فيصل الدويش عام 1911، وتبع ذلك إنشاء هجرة الغطط لزعيم عتيبة سلطان بن مجاهد، ثم توالت عمليات إنشاء الهجر".

فيصل الدويشفيصل الدويش

ولم تكن العملية توطيناً عمرانياً فقط، بل دعوة دينية للبدو للعودة إلى الإسلام الوهابي الذي سبق وأن اعتنقه أجدادهم، تترافق مع ترك حياة الغزو والقبلية والإقامة في تجمعات جديدة، "الهجر"، حيث تقوم الرابطة بينهم على أخوة طاعة الله.

وبجانب الاستقرار السياسي، كان الهدف الأساسي عسكرياً وهو تجنيد القبائل. وهكذا، أصبح لدى عبد العزيز للمرة الأولى احتياطياً من رجال مستعدين دائماً للقتال، وأماكن تواجدهم معروفة وولاؤهم مضمون، وهو ما ذكره محمد المانع في كتابه "توحيد المملكة العربية السعودية".

ويضيف سعد العريفي أن سبب تسميتهم بالإخوان هو لأنهم استبدلوا رابطة القبيلة برابطة الأخوة، "فلا اعتزاز بالقبائل، وحين كان رجل يحاول أن يعتز بقبيلته، كان الرد يأتيه منهم: نحن إخوان مَن أطاع الله، فُعرفوا بالإخوان".

أما سبب تسمية تجمعاتهم بالهجر فيرجع إلى مفهوم الهجرة من حياة الشرك إلى حياة الإيمان، اقتداءً بالنبي محمد، وفق المانع.

أهل الإيمان... ومَن عاداهم أهل الشرك

يوضح سعد العريفي أن الجهاد كان ركناً أساسياً في فكر جماعة الإخوان، ويرجع ذلك إلى طبيعتهم البدوية. فقد كانوا مولعين بالغزو، وبعد تحوّلهم إلى "الهجر"، وجدوا في القتال باسم الجهاد متنفساً لرغباتهم.

وتولى دعاة الوهابيين، بأمر من الملك، تعليم البدو في "الهجر" الدين، وُبذرت بينهم أفكار الجهاد. ويقول ثاوساند أوكس في كتابه: "إن الروح النضالية تم إنشاؤها عن عمد في الهجر، وبُثت مبادئ الإسلام التي حثت على محاربة الكفار، وبما أنه لا يوجد غير مسلمين في نجد والحجاز، وبما أن أهل نجد وهابيون فهم مسلمون، كان على الكفار أن يكونوا غير الوهابيين من سكان الحجاز وعسير، والعراق والكويت والأردن".

واتسم فكر الإخوان بالتشدد الديني، فرفضوا كل منتجات الحداثة. ويذكر محمد المانع في مؤلفه أنهم كانوا يعتبرون ساعة اليد من عمل الشيطان إذ لم يرد ذكرها في القرآن، وكانوا يرون أنه من المستحيل أن تعمل هذه الآلة إلا بسحر، وهذا ينطبق على السيارات والتليفون وأجهزة اللاسلكي واختراعات كثيرة.

وينقل محمد المانع في مؤلفه أنهم جلدوا رئيس الديوان الملكي عام 1926 في الرياض شكاً منهم بأنه لم يؤدِّ الصلاة مع الجماعة، وعيّنوا أنفسهم شرطة دينية في الرياض.

ابن سعود في الكويتابن سعود في الكويت عام 1910

وبحلول عام 1913، نجح ابن سعود في طرد الأتراك من الأحساء، واعترف به الباب العالي حاكماً على نجد والأحساء، ولكنه كان يخطط للتوسع، ولم يكن بمقدوره أن يجند إلا عدداً محدوداً من رجال المدن والقرى، ولفترات وجيزة، فكانت فكرته بتحويل الغزو من رياضة لدى البدو إلى جهاد عن عقيدة، كما ذكر أوكس في كتابه.

دور عسكري للإخوان في خدمة الملك

يذكر سعد العريفي أن الإخوان شاركوا في معارك عديدة بجانب الملك عبد العزيز منها معارك الحجاز التي تضم مكة والمدينة المنورة والطائف.

وبدأ ابن سعود في توجيه قوات الإخوان لمهاجمة حكم ابن رشيد في حائل حتى انتصر عليه، وانتقل إلى مهاجمة الحجاز مستغلاً تمرد حاكم الخرمة المعيّن من قبل الشريف حسين عام 1918، فاشتبك الإخوان مع قوات الشريف حسين وحققوا نصراً كبيراً رغم ضعف تجهيزاتهم مقابل جيش الشريف المدرب من بريطانيا.

وتوالت انتصارات الملك بقوات الإخوان في تربة. وبحلول عام 1919، كانت قوات الإخوان تعمل بشكل شبه مستقل لدخول الحجاز عن طريق دعايتها بين القبائل، ما أكسبها ولاء العديد منهم، كما أنها حققت انتصارات متتالية على جيش الملك حسين الذي حاول طردهم أربع مرات من تربة والخرمة، وفق ما ذكر ثاوساند أوكس في كتابه.

معركة الجهراءمعركة الجهراء

وحدثت مواجهات بين الإخوان والكويت، وانتصروا على القوات الكويتية في معركة الجهراء، وهموا بغزو الكويت إلا أن التهديد البريطاني منعهم، ليتم ترسيم الحدود بين ابن سعود والكويت عام 1922.

وأدى تغير سياسية بريطانيا من دعم الشريف حسين إلى الحياد في خلافاته مع الملك عبد العزيز إلى بدء الأخير بالترتيب السياسي والعسكري لدخول الحجاز، وكانت إحدى الخطط هي رفع شكاوي بأنه يمنع الإخوان من الحج.

وتم عقد مؤتمر الرياض عام 1924، وقرر فيه الملك وحلفاؤه غزو الحجاز، وصدرت أوامر للإخوان في تربة والخرمة بقيادة خالد بن لؤي بمهاجمة الطائف، ونجحوا في دخول الطائف، وارتكبوا مذابح عديدة، ثم هاجموا مكة ودخلوها، وتمكنوا من إخضاع الحجاز لصالح الملك عبد العزيز، وكانت سمعتهم بأنهم مقاتلون متطرفون تسبقهم، وتساهم في استسلام المدن والقرى لهم، وفق ثاوساند أوكس.

وبعد ذلك، جاء الملك عبد العزيز بقواته النظامية إلى مكة، ثم استسلمت المدينة المنورة وجدة بشرط ألا تدخلها قوات الإخوان. وبفتح الحجاز، انتفى الغرض الأساسي لقوات الإخوان، وأصبح من الصعب على الملك عبد العزيز الاستمرار في تحمل غطرستهم، وتطرفهم، وعدم الولاء التام، وفق ما ذكره أوكس.

الصدام بين الملك وجماعة الإخوان

بعد ضم الحجاز، وقّع الملك عبد العزيز اتفاقية بحرة مع المفوض الإنكليزي، ومن أهم شروطها تحديد الحدود بين دولة الملك والعراق وشرق الأردن، فأدى ذلك إلى غضب بعض زعماء الإخوان ومنهم سلطان بن مجاهد وفيصل الدويش، وصرحوا للملك بأن الاتفاقية تؤدي إلى توقف حركة الجهاد والحرب والغنائم، يقول الباحث سعد العريفي لرصيف22.

وبجانب عدم التزام الإخوان بمعاهدات الملك مع دول الجوار، أدى تطرفهم، ومحاولتهم إجبار القبائل على الانضمام لهم، في ما عُرف بـ"الهداية القسرية"، وفرضهم نظرتهم للدين على الجميع، إلى الصدام مع سلطة الدولة الجديدة. ويذكر محمد المانع في كتابه أن الملك لم يعد مضطراً لتحملهم بعد أن استقر الحكم له.

وكثرت الخلافات بين الملك والجماعة، بعد رفض الأول طلباً منهم بتعيين القائدين الإخوانيين فيصل الدويش وسلطان بن مجاهد حكاماً على الطائف ومكة.

وفي العام التالي، 1925، وقعت حادثة محمل الحج المصري، وسببها أن الإخوان هاجموا موكب الحج المصري، لأن فرقة موسيقية عسكرية كانت تتقدمه عازفة، فطلبوا إيقاف الموسيقى، إلا أن المصريين رفضوا، فهاجموهم، وأدى ذلك إلى مشكلة دبلوماسية مع مصر، يقول الباحث سعد العريفي.

ويستعرض العريفي تطور الأحداث بين الإخوان والملك، فيقول: "اجتمع زعماء الإخوان في الأرطاوية، وأعلنوا المآخذ على الملك عبد العزيز، وهي تحديد الحدود، والتساهل في الأخذ بالمخترعات الحديثة مثل التليفون والبرقيات، والتساهل مع الكفار الأجانب. ورد الملك بالدعوة إلى اجتماع الرياض، وحضره أغلب المشايخ والقبائل، عدا سلطان بن مجاهد وفيصل الدويش، وأفتى العلماء فيه بأن مآخذ الإخوان لا تبيح لهم الخروج على الملك".

وبعد ذلك هاجم فيصل الدويش المخافر العراقية على أمل أن يوقع بين الملك وبريطانيا، فأعلن الملك عبد العزيز الدعوة إلى اجتماع ثانٍ عام 1928، عُرف باسم "الجمعية العمومية" وتم فيه تجديد البيعة للملك، وعزل الإخوان الثائرين، يتابع العريفي.

وحاول الملك عبد العزيز تهدئة الإخوان لكنهم هاجموا العراق والكويت، ورفضوا التفاوض، وكانوا يعتقدون أن عدم مهاجمة الملك لهم ضعف، فبدأوا في مهاجمة القبائل الموالية له.

ويكمل العريفي أن الملك حصل على تعهد بريطاني بعدم إيواء الفارين منهم، وجمع الجيش وتحرك بالقرب من الزلفي، وخيم في روضة السبلة، عام 1929، بالقرب من مخيم الإخوان، وحين فشل الحل السلمي، وقعت أهم معركة بينهما في السبلة.

موقعة السبلة: بداية نهاية الإخوان

تقدمت قوات الملك عبد العزيز، واشتبكت مع الإخوان في موقعة السبلة، ونجح الملك بفضل الأسلحة الحديثة من إحراز النصر، وجرح القائد الإخواني فيصل الدويش، وسلم نفسه للملك حين ذهب لمحاصرة الأرطاوية مقر إقامته، ثم عفا الملك عنه مراعاة لإصابته، وفق ما ذكره المانع في كتابه.

معركة السبلةمعركة السبلة

ويضيف العريفي أن قوات الملك كان عدادها من 30 إلى 40 ألف مقاتل، والإخوان كانوا حوالي 10 آلاف. وبعد هزيمة الإخوان في السبلة، وقعت ثلاث معارك، وهي معارك عوينة كنهل، وأم رضمة، ومقعد الدهينة، ثم كان مؤتمر الشعراء، وفيه تقرر عقاب مَن بقى من المتمردين.

وتمكن بعض قادة الإخوان من الهروب إلى الكويت ومنهم: فيصل الدويش، وجاسر بن لامي، ونايف بن حثيلان، واستسلموا للإنكليز، لكن الأخيرين سلموهم للملك، فتم سجنهم.

مصير الإخوان بعد الهزيمة العسكرية

يذكر ثاوساند أوكس أن الملك عبد العزيز تصرف مع أولاد ونساء الإخوان ومَن بقي منهم وفق التقاليد البدوية، فكان على مَن قتل عائل الأسرة أن يتولى الإنفاق عليها، وكان عدد من أسر ونساء قبيلة مطير يتقاضون معاشات شهرية بالرغم من أن رجالهم تمردوا مرتين.

وترك الملك الأرطاوية ليحكمها بعض رجال قبيلة مطير، وأعفى عن ماجد بن خثيلة، بل عينه وزيراً للثروة الحيوانية، وأصبح في ما بعد مستشاراً له.

وبحلول عام 1930، كانت حركة الإخوان قد انتهت كهوية منفصلة، وانضمت بعض فرقها العسكرية إلى سلاح الحرس الوطني. وظل عدد كبير من المقاتلين الإخوان يحصلون على معاشات من الدولة نظير قتالهم سابقاً تحت راية الملك.

رصيف 22

Related

Share

Rating

0 ( 0 reviews)

Post a Comment

Category
Author
More Options
  • Recent
  • Popular
  • Tag
Tags