يتمتع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بدعم قوي وواسع وسط القاعدة المسلمة المحافظة في منطقة الأناضول الريفية، لكن معارضيه يرون فيه خصما شرسا لا يتوانى عن التعامل معهم بفوقية وازدراء.
وهناك آلاف الدعاوى التي تنظر فيها المحاكم التركية والتي رفعها فريق من المحامين المدافعين عن أردوغان ضد سياسيين ونشطاء بسبب انتقادهم لأردوغان سواء عبر وسائل الاعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي. وفي ظل حكمه يقبع أكبر عدد من الصحفيين في العالم في سجون تركيا.
ولا يقتصر النهج الذي يتبعه أردوغان في التعامل مع خصومه على تركيا، فقد اعتدى حراسه الشخصيون على متظاهرين ضد سياسته أثناء زيارته للولايات المتحدة. كما جرى التحقيق مع مقدم برنامج ساخر ألماني بعد أن رفع أردوغان دعوى أمام القضاء الالماني ضده.
وكان أردوغان (64 سنة) قد صعد إلى السلطة عام 2002، أي بعد عام واحد فقط من تشكيل حزب العدالة والتنمية2001 إثر حظر السلطات حزب الفضيلة بزعامة نجم الدين أربكان.
وتولى رئاسة الوزراء لمدة 11 سنة، وبعدها فاز بانتخابات الرئاسة في أغسطس/ آب 2014 ليكون أول رئيس تركي منتخب بالاقتراع المباشر، وهو منصب يفترض أن يكون شرفيا وفقا للدستور التركي.
لكن أردوغان كان يتناول جميع القضايا عبر وسائل الاعلام التركية بحجة أنه مواطن وله حق إبداء الرأي في مختلف القضايا التي تهم تركيا.
وفي انتخابات عام 2015 تراجعت شعبية حزبه وتبين لاحقا أنه كان يعارض تشكيل ائتلاف حكومي مع أي من الأحزاب الأخرى، ودعا إلى انتخابات برلمانية مبكرة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، وحقق فيها نتائج افضل ضمنت له البقاء في السلطة منفرداً.
لكن أصعب وأخطر لحظة واجهت أردوغان خلال مسيرته السياسية والشخصية كانت في أواسط عام 2016 حينما قام عدد من الضباط بمحاولة انقلاب عسكري فاشل كانت فيه حياته عرضة للخطر، إذ داهم عدد من جنود الكوماندوس المتمردين الفندق الذي كان يقيم فيه بعيد لحظات من مغادرته.
عقب ذلك مباشرة فرض حالة الطوارىء في البلاد، لا تزال سارية، فطرد واعتقل أكثر من 200 ألف شخص بتهم مختلفة، بينهم آلاف الأكاديميين والقضاة واليساريين والصحفيين والضباط والمعارضين.
لم يخف أدروغان سعيه منذ سنوات عدة إلى الغاء النظام البرلماني السائد حاليا في تركيا وتأسيس نظام جمهوري مدعيا أن النظام الجمهوري هو الأكثر ملاءمة لوضع تركيا وتطورها وحل المشاكل التي تواجهها. جرى استفتاء عام 2017 على دستور جديد يؤسس للنظام الجمهوري ونال أغلبية ضئيلة، وسط معارضة شديدة من حوالي نصف الناخبين الأتراك.
تحدي الجيش
في العقود التي سبقت وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم، تدخل الجيش التركي في السياسية مرارا للحد من نفوذ الإسلاميين في البلاد.
وتمكن أردوغان في 2013 من توجيه ضربة قوية للمؤسسة العسكرية عندما تمت إدانة ضباط بارزين ضمن 17 شخصا سجنوا بعد إدانتهم بالتآمر للإطاحة بحزب العدالة والتنمية، في ما عُرف إعلاميا بقضية "إرغينيكون" لكن جرى الإفراج عنهم مؤخرا من قبل القضاء وتمت تبرئتهم من التهم الموجهة لهم.
كما مثل مئات العسكريين أمام المحاكم مع صحفيين وسياسيين علمانيين في إطار هذا التحقيق وفي تحقيق آخر عرف باسم قضية "عملية المطرقة".
واستقال قادة الجيش والقوات البحرية والجوية احتجاجا على اعتقال 200 عسكري في تحقيقات قضية "المطرقة" عام 2011.
واتهمت المعارضة أردوغان باستخدام القضاء لإسكات خصومه السياسيين. لكن مؤيديه أشادوا به وبنجاحه في مواجهة رموز في الدولة لم يجرؤ أحد من قبل على الاقتراب منهم واعتبروا أنفسهم أوصياء على الدولة التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك.
أطلق اردوغان لأجهزة الدولة العنان عام 2013 كي تخمد احتجاجات واسعة في اسطنبول وتركزت في حديقة غيزي.
وامتدت الاحتجاجات إلى مدن أخرى، وشارك فيها أتراك علمانيون تساورهم شكوك بشأن الميول الإسلامية لحزب العدالة والتنمية.
وضربت الحكومة فضيحة فساد في ديسمبر/ كانون الأول 2013، شملت القبض على عدد من المسؤولين إضافة إلى أبناء ثلاثة وزراء.
وهاجم أردوغان من وصفهم "بمتآمرين" يقيمون خارج تركيا، منتقدا أنصار الداعية الإسلامي التركي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن.
كما اتخذ إجراءات ضد وسائل التواصل الاجتماعي، متعهدا بـ"محو" موقع تويتر. وتعرضت سمعته لضربة قوية في 2014 عندما تعامل ببرود مع أزمة منجم سوما بغرب تركيا، حيث قتل 301 شخصا.
إحياء القيم الإسلامية
نفى اردوغان في العديد من المناسبات سعيه لأسلمة المجتمع، مؤكدا أنه ملتزم بالعلمانية، لكن تركيا التي عاشت 16 عاما تحت حكمه باتت أكثر إسلامية وتدينا في مختلف مناحي الحياة وصلت إلى درجة إلغاء نظرية تشارلز داروين عن التطور من المناهج التعليمية.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول عام 2013، ألغي حظر ارتداء الحجاب في مؤسسات الدولة وبتنا نرى ضابطات شرطة محجبات.
وترتدي أمينة، زوجة أردوغان، الحجاب في الزيارات والمهام الرسمية، كذلك ترتديه زوجة حليفه السابق في حزب العدالة والتنمية عبد الله غول الذي تولى رئاسة تركيا قبله مباشرة.
وأشار معارضون إلى أنه فشل في سعيه لتجريم الدعارة، ومحاولته إقامة "مناطق خالية من المشروبات الكحولية" كدليل على توجهاته الاسلامية.
طموحات
يرى معارضو أردوغان أن القصر الرئاسي الجديد رمز لنزعته السلطوية. فمقر الحكم الجديد يقع على أعلى ربوة في ضواحي أنقرة، وهو ما يطلق عليه اسم "القصر الأبيض". وتفوق مساحته البيت الأبيض أو مبنى الكرملين الروسي، وهو مكون من 1100 غرفة بلغت كلفة بنائه 615 مليون دولار.
ويرجع نجاح أردوغان سياسيا على مدار السنوات الماضية واستمراره في السلطة إلى الاستقرار الاقتصادي الذي حققه حيث كان متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 4.5 في المئة سنويا. وتحولت تركيا إلى مركز صناعي ودولة مهمة في مجال الصادرات.
ونجحت الحكومة في السيطرة على معدل التضخم الذي وصل في تسعينيات القرن الماضي إلى 100 في المئة، لكنه زاد كثيرا مؤخرا وفقدت الليرة التركية ربع قيمتها منذ بداية العام مقابل الدولار.
وعلى صعيد السياسة الخارحية، وجه أردوغان انتقادات حادة لإسرائيل، التي كانت من أقوى حلفاء تركيا، بسبب تعاملها مع الفلسطينيين. ولا تلقى انتقاداته لإسرائيل استحسان قاعدته الإسلامية فقط، بل تحقق له الشعبية في الخارج.
وكما دعم المعارضة السورية في حربها ضد الرئيس بشار الأسد. لكنه رفض مساعدة الأكراد السوريين في حربهم ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.
بائع متجول
وُلد أردوغان عام 1954 لأب يعمل جنديا بخفر السواحل التركية على ضفاف البحر الأسود. وعند بلوغة الثالثة عشرة من عمره، قرر والده الانتقال إلى اسطنبول ليضمن لأولاده الخمسة مستوى أفضل من المعيشة والتعليم.
كان الصبي رجب طيب أردوغان يبيع عصير الليمون وفطائر السمسم في شوارع أسطنبول لكسب دخل إضافي. ودرس الصبي في مدرسة إسلامية قبل حصوله على شهادة في علوم الإدارة من جامعة مرمرة في أسطنبول.
ولم يمنعه العمل أو الدراسة عن لعب كرة القدم في أحد أندية الدوري التركي.
وأثناء دراسته الجامعية، تعرف على نجم الدين أربكان، أول رئيس وزراء إسلامي في تاريخ تركيا.
تولى منصب رئيس بلدية أسطنبول عام 1994 وحقق نجاحا إداريا ملحوظا اعترف به الجميع حتى معارضوه بعد أن حول المدينة إلى مكان أكثر نظافة وتنظيما.
أمضى اردوغان أربعة أشهر خلف القضبان عام 1999 بعد اتهامه بالتحريض على أساس ديني بسبب القائه قصيدة في أحد التجمعات جاء فيها: "المسجد معسكرنا، وقبابه خوذاتنا، والمآذن رماحنا، والمؤمنون هم جنودنا".