أرمينيا المسيحية تنهض: قوس قزح ’عجائبي‘... والأرض تضجّ بالقيامة - Articles
Latest Articles

أرمينيا المسيحية تنهض: قوس قزح ’عجائبي‘... والأرض تضجّ بالقيامة

أرمينيا المسيحية تنهض: قوس قزح ’عجائبي‘... والأرض تضجّ بالقيامة

هالة حمصي – النهار

قرع أجراس، كأنه عيد. كلّ يوم، تنبعث الحياة هناك باكرًا. "الكرسي الأم"، القلب الروحي لأرمينيا. الدعوة إلى الصلاة تبلغ المسامع، الى البعيد. وينهض الأرمن المؤمنون إلى يوم جديد برفع التسابيح إلى الله، مع أمل في مستقبل أفضل لبلادهم. كاتدرائيات وكنائس دهرية باهرة، تفتح لهم أبوابها، من اتشميادزين، حيث مقرّ الكنيسة الارمينية، الى الاقاصي. يحجّون اليها عند قمم الجبال وفي غورها، وفي أيديهم شموع. "يا إله الرحمة...".

العهد مع الله لم ينقطع، حتى في أصعب العهود وأكثرها ظلمة. قيامة أرمينيا المسيحية تُزهِر، بعد نير شيوعية سوفياتية "سحقت لدينا كل شيء، من تقليد وتعليم وممارسة دينية" طوال 69 عاما (1922-1991)، على ما يُخبِر أحد الاساقفة الارمن وفدا من مجلس رؤساء الكنائس الشرقية الرسولية في أوستراليا ونيوزيلاندا وممثلين لها. قبل أعوام قليلة فقط من بداية الحكم الشيوعي (1922)، كانت الإبادة الأرمينية على يد الاتراك. 1,5 ملايين أرميني على الاقل قضوا (1915-1917)، و"تيتم آلاف الأولاد"، و"استُعبِدَت عشرات مئات الفتيات وضُعْنَ".

الذاكرة الأرمينية تحفل بأسماء ووجوه وأحداث تاريخيّة كبيرة، غيّرت مرارا المصير. أرض شهداء وشهيدات من البداية، وأيضًا أرض إيمان وبشارة تضجّ اليوم بالحياة. 7 أيام في ربوعها مشى خلالها وفد المجلس الّذي ضمّ أساقفة، على طرقات دهرية تقود الى أديرة وكنائس عمرها أكثر من 1400 عام. وحكت لهم صلبان محفورة في الصخر عن العزم الأرميني وصلب الإيمان.

"أرمينيا الجديدة"

رحلة "تضامنيّة" مع الشعب الأرميني أرادوها. إلى لقاءات شملت كاثوليكوس عموم الأرمن الرئيس الأعلى للكنيسة الرسولية الأرمينية الارثوذكسية كاريكين الثاني، ورئيس الوزراء الجديد نيكول باشينيان وغيرهم، "كان من المهم ان يرى" الاساقفة من مختلف الكنائس الشرقية "ما لدى الارمن، فيتعرف الينا إخوتنا بالمسيح أكثر، ويشعروا بما نشعر به، ويفهموا اكثر عندما نتكلم على الإبادة، وكيف صمد الأرمن في مواجهة الشيوعيّة"، على قول عضو المجلس المتروبوليت هيغازون ناجاريان راعي الكنيسة الرسولية الأرمينية الأرثوذكسية في أوستراليا ونيوزيلاندا.

ما رآه الاساقفة "أرمينيا جديدة" تعمل فيها الكنيسة الأرمينية على "ابقاء نور يسوع المسيح يلمع كلّ الوقت". الكاتدرائية الأم التي بناها القديس غرغوريوس المنوّر وكرّسها في اتشميادزين تنفض الغبار عنها، على ان ينتهي ترميمها السنة المقبلة. ابتسامة مشعّة لسركيس عند كل إلقاء تحية، والشماس إدغار سيمونيان عازم وأمين... هكذا كلّ يوم. وكلّ يوم، انفتحت دروب، وتقاطعت أخرى، في محاولة لقراءة تاريخ أوّل دولة في العالم تعتمد المسيحية ديناً لها (301.(

حكاية اهتدائها تبدأ بالقديس غريغوريوس الذي سجنه الملك ترتيداتس الثالث لرفضه عبادة آلهته. وهناك ايضا القديسة غاياني "الجميلة جدا" التي أمر الملك نفسه بتعذيبها ورفيقاتها وقتلهن جميعا، بعدما رفضت الزواج به حبًّا بالمسيح. كان ذلك عام 301. واثر اصابة الملك بمرض غريب، أُحضر الى القديس غريغوريوس السجين منذ 13 عاماً، وشفاه في شكل عجائبي، مما دفع الملك الى اعلان اعتماد المسيحية دين البلاد. وعيّن غريغوريوس "كاثوليكوس" الكنيسة الارمينية الرسولية.

روايات اخرى سمعها الأساقفة باهتمام لدى زيارتهم كنيسة القديسة غاياني في اتشميادزين. هناك ضريح القديسة الشهيدة، وأمامه صلّوا بخشوع. الصرح اثري "يعود الى القرن السابع"، وفقا للمسؤول عن الخدمات الاجتماعية في الكرسي الأم الأب ماركوس. "بناه الكاثوليكوس ازرا الاول عام 630... وقد تم ترميم قببه وبعض سقوفه جزئيا عام 1652".

غاياني تؤجج الأحاسيس المسيحية. على مقربة منها، انتظرهم اولاد يتامى انشأت لهم الكنيسة "مركز كوركجيان للرعاية". وانفرجت الاسارير عند اللقاء. هذا يريد ان يصبح جنديا، وهذه "سبايدر وومن"، وآخر شرطيا... أحلام طفولة اخبرها اولاد للاساقفة الذين سألوهم عن أحوالهم وحاجاتهم، وأيضا عن المنتخبات لكرة القدم التي يفضلونها. وتعالت الضحكات، بينما تكرّر اسم "ريـال" مراراً. وابتسم الاولاد للـ"كوالا"، الدمى الصغيرة التي وزعها عليهم وفد المجلس هدايا.

الى جانب الخدمات الروحيّة، تنشط ايضا الكنيسة الارمينية في تأمين التعليم "لنحو 10 آلاف طالب تراوح اعمارهم من 5 اعوام الى 18 عاما"، وفقا لما يفيد الاب ماركوس. مركز للشبيبة، وهناك ايضا "مطاعم المحبة" في عدد من المناطق، والتي "يصل عدد المستفيدين في كل منها الى نحو 200 شخص".

في غور الجبال

أرمينيا تداوي جراحها، والكنيسة تلملم الابناء، خصوصا المحتاجين. الجذور تناديهم شوقا. هناك، في غور الجبال، حفرها الاجداد قبل 1700 عام. دير غيغارد في مقاطعة كوتايك يشهد لعمقها. ذهول أمام صرح نُحِتَ جزئيا في الجبل، وتحيط به منحدرات وتلال خضراء. "اول كنائسه بناها القديس غريغوريوس في القرن الرابع، وعاش فيه رهبان حياة زهد"، على ما يخبر الاب اريس تونويان الضيوف الاساقفة. وفقا للروايات، "عاش القديس في احد الكهوف المعلقة المحفورة في الصخر قرب الدير".

يقودهم الى كهف أول، فثان، ثم الى ثالث، وسط عتمة. المكان مدهش لما يخبئه من مفاجآت. الاساقفة يتعرفون الى صرح كان "مدرسة مهمة لكتابة المخطوطات، واكاديمية لتعليم الموسيقى، ومركزا للحج"، قبل ان يتعرض للتدمير خلال الاحتلال العربي، على يد (ابو الفتح) نصر عام 920. "ثم استعاد مجده ابتداء من القرن الثالث عشر، مع تحرير الملك اوربيليان الجزء الاكبر من ارمينيا من السلاجقة...".

صلبان محفورة في الصخر عند كل زاوية. هناك شرب الاساقفة من نبع تفجّر من صخرة في احد الكهوف، و"يُعتَقد ان مياهه شافية". هناك ايضا سمعوا بقصة الشمس التي "بقيت أشعّتها تدخل من القبة اعلى المكان، لتضيئه طوال 13 عاما، "في شكل لا يمكن تفسيره"، بما سهّل انجاز اعمال الحفر والبناء. هناك ايضا يرقد رهبان تحت بلاطات مستطيلة يمرّ فوقها مئات كل يوم، من دون ان يدروا انهم هناك. "طلبوا ان يُدفَنوا تحتها ليدوسهم الناس تواضعا".

وهناك ايضا اهتزت الكهوف لدوي صوت الأب فاتشي مكرتشيان ساعة رتّل "رب الرحمة". لقمة محبة الى طاولة كاهِنَي الدير، مع قليل من العسل. ترحيب بوفد الأساقفة المسكوني، و"المهم اننا نلتقي جميعا على تمجيد الآب والابن والروح القدس"، على ما قيل لهم.

تلاميذ يسوع

ومهمّ أيضا ما أراد الاساقفة تقديمه من شهادة الى تلك الارض، شهادة في المكسونيّة، في محبة تجمع اشقاء من مختلف الكنائس. تلاميذ المسيح ساروا معا، وأكلوا معا، وتسامروا، وسافروا معا... وصولا الى الحدود مع تركيا، الى سهل آرارات، تحت نظر جبل آرارات المكلل أبدا بالثلوج، والذي يبقى الحنين اليه لهيبا.

أمام هيكل كنيسة دير خور فيراب في منطقة بوكر فيدي، وقفوا جنبا الى جنب، ورفعوا صلاتهم من اجل رؤساء كنائسهم، وايضا من اجل السلام والمحبة في العالم، من اجل كل الشعوب، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا. لم ينسوا احداً. وكانت العصافير تطير فوق رؤوسهم، مزقزقة، بعدما جعلت الكنيسة ملعبا لها.

هذه الصلاة المشتركة- وقد تكررت مرارا لاحقا في كنائس واديرة اخرى-جعلت قلب المطران ناجاريان "يدمع تأثرا كل مرّة"، على قوله. "هذه الكنائس التي رتلنا فيها معا بُنِيت من الف عام. وفجأة تتردد فيها صلاة أخوة من اراض مختلفة. يرتلون ويصلون معا امام الاجيال الصاعدة. وهذا يمنحنا شعورا بان الارمن ليسوا متروكين".

واذا أراد الاساقفة ان تكون صلاتهم المسكونية الاولى في هذا المكان تحديدا، فذلك بسبب رمزيته العميقة. هناك سُجِن القديس غريغوريوس 13 عاما في زنزانة تحت الارض. والى هناك ايضا، جاء البابا فرنسيس عام 2016، واطلق مع الكاثوليكوس كاريكين حمامة سلام في اتجاه الجبل. مكان عزيز يحج اليه الارمن بكثافة. وفي الانتظار الاب دارون الذي تولى شرح تاريخ الصرح. "الكنيسة ترجع الى عام 642، وتمت اعادة بنائها مرارا على مر العصور. وحول انقاضها، بنيت كنيسة اكبر تحمل اسم والدة الاله عام 1662...". ويبقى آرارات قبلة العين.

فيض الربيع

أرمينيا تُقرأ في ايمانها المنقوش في الصخر، وايضا بطبيعتها الخلابة. الى الريف البعيد جدا. سهول حلفت بالخصب. الربيع يسكنها، ويفيض. أرض عذراء تغوي بجمالها الجبال السارحة نحو السماء، وريح باردة تداعب شعرها الاخضر الطويل. الوان تجنّ بالاحمر والاصفر والبنفسجي والاخضر، وزهور برية ثائرة، عطشانة الى الحياة، وعصافير تغط ثم تطير، وتقفز، تقفز.

جبال وراءها جبال، ولا تكلّ. قرى صغيرة اختبأت هناك، عند سفوحها، وتكافح. بيوت صغيرة بسيطة... كأن الزمن توقف هنا. آثار الحقبة السوفياتية لا تزال تُقرأ على جدران هنا وهناك، بينما يترك الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد قبل 20 عاما (1988) بصمات واضحة في قرى ومنازل. ايا يكن، هناك تسرح قطعان البقر، قرب بحيرات. وتخبر الارض حكايات عشق للحياة.

حكايات تخطّها الطريق الى بلدة حريش في محافظة شيراك شمال غرب ارمينيا. دير حريشافانك يرتفع قويا منذ القرن السابع. مجمّع يضم كنيستين، اضافة الى حجرتين وملحقات. يشرح الاب أشوت التطورات التي شهدها الصرح على مر القرون. جدران عابقة بالتاريخ. "في القرن السابع، بنيت كنيسة القديس غريغوريوس. وفي القرن الثالث عشر، تم بناء كنيسة اخرى على اسم القديسة مريم والدة الاله...".

في الكنيستين، صلّى الاساقفة معاً. ومرتين، تعالى ترتيلهم في هدأة المكان، وصلّت معهم العذراء مريم حاملة الطفل الالهي وسط الهيكل. جرن معمودية فريد محفور في الجدران يسترعي الانتباه، كما درجات تقود الى طبقة عليا "خُصِّصت لنبلاء ذلك الزمن". إلى جانب الصرح، تواصل "اكليركية توربانجيان" التقليد. هنا يبدأ تنشئة طلاب الكهنوت في أعمار صغيرة، في ظل هدوء لذيذ.

غيومري... والربيع الشهي

ويتواصل الربيع شهيًّا إلى غيومري في أقصى الشمال الغربي لارمينيا، وثاني أكبر مدينة بعد العاصمة يريفان، وكرسي ابرشية شيراك، وايضا "الاكثر مسكونية بين سائر المدن"، بتعبير متروبوليت شيراك المطران ميخائيل، وذلك "لكونها تضم ارمن كاثوليك وبروتستانت ورعايا من الكنيسة الروسية الارثوذكسية، الى جانب غالبية من الارمن الارثوذكس"، مع الاشارة الى "انها المدينة الارمينية الوحيدة التي لديها مطرانان"، ارمن ارثوذكس، وارمن كاثوليك.

بحفاوة، يستقبل اترابه الاساقفة، ويقودهم في جولة في كاتدرائية والدة الاله، او كما تُسمَّى ايضا "سيدة الجروح السبعة"، وقد بُنِيت في القرن التاسع عشر، بين 1873 و1884. يشرح عن القبة وهندسة الكاتدرائية، ومذبحها الفريد المتعدد الايقونات. في غرفة صغيرة الى يمينه، "تحفظ ايقونة عذراء الجروح السبعة التي ترجع الى الف عام، وقد زارها البابا فرنسيس عندما توقف في غيومري"، على قوله.

حديث عن أرمينيا "صمود المسيحية في المنطقة". ولقاء آخر يجمع الاساقفة برئيس اساقفة اوروبا الشرقية (سابقا) للارمن الكاثوليك المطران روفائيل ميناسيان في كاتدرائية الشهداء، حيث رفعوا مجددا الصلاة معا وتعالى الترتيل جميلا: "حبك يا مريم". "الكاتدرائية بنيت عام 2015"، على ما يفيد ميناسيان. ويعرض للضيوف وضع الأرمن الكاثوليك في ارمينيا: "لدينا 20 الف مؤمن، و27 كاهنا...".

استراحة وسط المدينة. ويُسمَع من ابناء المنطقة كلام على المعاناة بسبب أوضاع اقتصادية متردية وفقر وغياب فرص عمل... أمل يلوح في الافق مع وصول باشينيان الى رئاسة الحكومة، يقولها بعضهم صراحة. "نحتاج الى اجراءات تغير الوضع السائد وتريح الناس". "أرمينيا يجب ان تتغير".

التاريخ يذكّر: التغيير ممكن، والأمل سبق ان لمع، بفضل رجالات كبار. في طريق العودة، كان الموعد مع ميسروب ماشدوتس، أشهر الأعلام الأرمن الذي "كان له الفضل في تغيير مصير الشعب الارميني برمته". قنديل أضاء غرفة صغيرة تحت الارض، والزهور حملت كل الحب للقديس (361-440). كلما وقف أرمن عند ضريحه، شكروا واضع أبجديتهم الفريدة من نوعها، المؤلفة من "36 حرفا". هذا الانجاز الكبير "حفظ للامة الارمينية ارثها وهويتها وتقاليدها، في مواجهة خطر الاندثار أمام شعوب مجاورة قوية".

خلق جديد

ماشدوتس يدغدغ المخيّلة الارمينية، ويعطي الحلم بالتغيير دفعاً. حان الوقت. "روح التجدد" لمسها المونسنيور باسيل سوسانيان ممثل الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية في أوستراليا، خلال لقاءات وفد الاساقفة مع المسؤولين الارمن، "وشعرت بان الحكومة الجديدة، برئاسة باشينيان، ستتمكن من القيام بواجبها على اكمل وجه، من اجل خير الشعب الارميني الذي عانى كثيرا، خصوصا في القرن العشرين. واشعر بامتنان وفخر بالثورة السلمية التي تم تحقيقها اخيرا". في رأيه، ما تحتاج اليه ارمينيا هو "التغيير الذي تكلّم عليه باشينيان، ودعم الاقتصاد، وخلق فرص عمل جديدة".

في الانتظار، بدأ خلق جديد يتكوّن على مهل، على علو 1925 متر فوق سطح البحر، وعلى بعد 65 كيلومترا شمال شرق العاصمة يريفان. في سيفان التي تحبس الانفاس من فرط جمال طبيعتها وبحيرتها، يتم تنشئة رجال جدد للكنيسة في اكليريكية تابعة للكرسي الأم. "اكليركية سيفان أُنشِئَت عام 1919، وخرّجت حتى اليوم 200 طالب. حاليا، تضم 56 تلميذا، اضافة الى 33 استاذا، نصفهم من رجال الدين"، على ما يفيد الأب ميناس، نائب عميد الاكليريكية.

يجول بالاساقفة في مختلف اجنحتها، وصولا الى مكتبتها التي تجمع في رفوفها نحو 20 الف كتاب. وقفة في كنيسة القديس يعقوب، ويجيش صوت البروتو-ارشمندريت شاهي انانيان رخيماً، مغامرا، متدفقا من عمق الجذور. "قدوس الله"، رتّل. خشوع أمام الهيكل. ثم صلّى مجددا الأساقفة معا، موقعين محبتهم الاخوية.

على خطى عشرات آلاف الارمن قبلهم، مشوا معا إلى كتف الجبل. مجمع "دير سيفانأفانك" يعبق بالتاريخ، ويشهد للقيامة المسيحية في الارجاء. "نعم، نعيش قيامة مرئية في ارمينيا"، على قول البروتو-ارشمندريت انانيان. وتشمل "بناء كنائس وانشاء رعايا جديدة"، كما تعني "استعادة الارمن ارثهم وتقاليدهم التي أجبروا على خسارتهم في ظل الحكم السوفياتي. وهذه الاستعادة قد تتطلب بعض الوقت".

في رأيه، ما يحتاج اليه الارمن حاليا هو "الدعم المعنوي، وايضا في مجالات التربية وتعلّم اللاهوت...". ويشير الى ان "الكنيسة الارمينية تمكنت على هذا الصعيد من ارساء علاقات متينة ووثيقة بالكنائس الشقيقة، في وقت نقدم اليها الدعم بدورنا في مجالات اخرى. وستكون لهذه العلاقة المتبادلة نتائج مهمة". بالنسبة اليه، "المسكونية هي جواب المحبة بين الكنائس. ويتوجب علينا ان نضاعف جهودنا، ليس من اجل الوصول الى وحدة مرئية فحسب، انما ايضا الى محبة مرئية".

قوس قزح "عجائبي"

محبة. والايمان يكبر في البقاع الارمينية البعيدة. دير غارق في غابات خضراء. المطران باغراد، متروبوليت تافوش، سعيد بلقاء ضيوفه، ويبشرهم بخبر سعيد. "هذا اليوم مميز". يدل على فتاة صغيرة الى جانبه بفستان زهري طويل، "وقد عمدناها اليوم، وسمينها على اسم الدير. "هاغاردزين". الفرحة كبيرة، ورتلت "هاغاردزين" بصوت رقراق في كنيسة القديس غريغوريوس الدهرية، قبل ان يرتل بدوره باغراد، يتبعه سائر الاساقفة بصلاتهم المسكونية.

5 امور يجب معرفتها عن هذا المجمع الاثري. هنا كُتب اول جزء من الليتورجيا الارمينية. وهنا ايضا وُضعت العلامات الموسيقية الخاصة بالموسيقى الكنسية الارمينية. كذلك فيه مدفن الملكين سامباك وغاجيك من سلالة باغراتوني، و3 امراء من سلالة كيوريكيان. عام 2011، تم ترميم المجمع بفضل مساهمة مالية من حاكم امارة الشارقة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي. "قال للمطران انه سمع صوت الله هنا". وهنا ايضا يظهر قوس قزح اسفل الدرجات المؤدية الى هيكل كنيسة القديس غريغوريوس، "من دون ان نجد تفسيرا لذلك، ونعتبره امرا عجائبيا".
أخبار عن أرمن بقوا مؤمنين سرا في العهد السوفياتي تشعل الحديث. ويخبر المطران باغراد عن سعادته برعاية ابرشية كبيرة فيها 18 كنيسة و4 اديرة ومركزان اجتماعيان تربويان للعائلات المهمشة، اضافة الى 43 مدرسة أحد للتعليم الديني تجمع 2200 تلميذ و80 معلماً... "ابرشيتنا تعطي الامل بقية ارمينيا"، على قوله.

نتائج

الأمل يلمع مجددا، في وقت يتوقع وفد الاساقفة "نتائج ايجابية، منتظرة وغير منتظرة"، لرحلته الى ارمينيا. ويقول الاب ايلي نخول المرسل اللبناني الماروني، المسؤول الإعلامي وسكريتير المجلس، ان "الرحلة حقّقت اهدافها، "اولها الوقوف الى جانب الكنيستين الارمينية الارثوذكسية والكاثوليكية، من خلال زيارات قمنا بها ومساعدات قدمناها الى المؤسسات الانسانية المختلفة التابعة للكنيستين".

جولة افق حول لقاءات سياسية عقدها الوفد، وعرض خلالها مع الرئيس باشينيان الاوضاع في البلاد، و"وجوب مكافحة الفقر فيها عبر مشاريع انمائية وفتح الباب امام استثمارات خارجية. وهذا ما وعدنا به الرئيس، كما وعدنا بتذليل كل الصعوبات امام عمل الحكومة الجديدة في هذا الاتجاه"، على ما يفيد. وبناء على ذلك، المطلوب اليوم اكثر من العمل. "مطلوب التجاوب، بحيث يتم ايجاد ارضية خصبة لتحقيق المشاريع والاقتراحات البناءة".

من النتائج "غير المتوقعة" لزيارة الوفد، "اكتشاف الغنى الكبير للارث الارميني، والايمان المسيحي في هذه الارض التي تسعى الى الحفاظ على تراثها واخلاقها. وهذا الامر يعد بمستقبل كبير"، على قوله. ما عاينه ايضا الوفد هو "مقدار وحدة الامة الارمينية ومحبتها لارضها، وتضامن ابنائها على مر التاريخ. ولا يزال هذا التضامن قويا حتى اليوم. ونأمل في الا يُفسَد بسبب تدخلات خارجية وبعناوين الاستثمارات والمال، فيفقد الارمن براءتهم ووحدتهم".

امر آخر أثلج القلب، "نمو الكنيسة باطراد"، لا سيما في أعداد اكليريكييها، "وهذا دليل عافية. والدعوات الكهنوتية علامة لرضى الله"، وفقا له. في الكلام على المسكونية، "كان واضحا الحب والعاطفة والحرارة التي استُقبِل بها الوفد. وهذا ايضا ليل على محبة عميقة بين مختلف الكنائس". المهمّة أداها الوفد، و"دعا الى تثبيت روابط المحبة بين مختلف الكنائس".

11 كنيسة في مجلس

*يجمع مجلس رؤساء الكنائس الشرقية الرسولية في أوستراليا ونيوزيلاندا وممثلين لها 11 كنيسة. بدأ لقاءاته عام 2005. ومن نشاطاته، لقاء دوري كل شهرين تستضيفه احدى الكنائس العضوات فيه، وتنظيم لقاء سنوي من اجل السلام في العالم ووحدة المسيحيين. منذ عام 2017، اكتسب صفة الشرعية بعد تسجيله في الدوائر الرسمية الاوسترالية.

له ثلاثة اهداف: كشف شهادة المسيح في المجتمع الاوسترالي والتعاون بين الكنائس من اجل خير المؤمنين فيها، توثيق الروح المسكونية بين الكنائس الرسولية في اوستراليا، وتمتين علاقتها بالكنائس الام والسعي الى مساعدتها ودعمها ماليا وروحيا ومعنويا، خصوصا في الظروف الصعبة.

وضمّ وفد المجلس الى أرمينيا، الى جانب المتروبوليت ناجاريان والمونسينيور سوسانيان والأب نخول، المطران روبير رباط راعي أبرشية الملكيين الكاثوليك في أوستراليا ونيوزيلاندا ورئيس المجلس، المطران أنطوان–شربل طربيه راعي الأبرشية المارونية في أوستراليا، الأنبا دانيال أسقف أبرشية الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في سيدني وتوابعها، المطران جوليان بورتيوس رئيس أساقفة ابرشية هوبارت– تازمانيا للكنيسة اللاتينية الكاثوليكية.

موقع ابونا

Related

Share

Rating

0 ( 0 reviews)

Post a Comment

Category
Author
More Options
  • Recent
  • Popular
  • Tag
Tags