خالد الشايع
تُجَاهِد "الجوهرة الحمد" ذات الـ 66 عاماً لإقناع شقيقها الأصغر بـ 30 عاماً، ليذهب برفقتها للجوازات السعودية، من أجل أن يُوقّع على ورقة صفراء "صغيرة" تسمح لها بالسفر إلى لندن، في رحلة سياحية، لها ولبناتها الـ 4.
بعد أن تُوفي زوجها، ولأن لا "ذكور" في خلفتها، فـ"الجوهرة" لا تستطيع حسب الأنظمة السعودية، الخروج من البلاد إلا بموافقة من "ولي أمرها"، وشقيقها الذي يأخذ مصروفه منها، هو أقرب رجل إليها، ولذلك، يُعتبر "ولي أمرها".
تقول "الجوهرة" لرصيف22 "كبرت وما زلت أحتاج لمن يوقع لي ورقة الخروج من البلاد، النظام يُعاملني كقاصر حتى بعد تقاعدي، وزواج بناتي الأربع".
على بعد 420 كلم، عند مكتب جوازات جسر الملك فهد الذي يربط بين السعودية والبحرين، تحاول "سارة الوليد" أن تُقنع موظف الجوازات بأنها مرتبطة بطائرة ستقلها من مطار البحرين إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإكمال دراسة الدكتوراه، ولكن لأن جوازها قديمٌ، تم إلغاء إذن سفر والدها، الذي لم يتذكر تجديد جواز سفرها.
فشلت في كل محاولاتها إقناع موظف الجوازات بختم جوازها، فورقة التصريح كانت أهم بالنسبة إليه من أي مؤهل علمي تحمله طالبة الدراسات العليا في الكيمياء الحيوية.
ولكن لا أحد يمكن أن يلوم موظف الجوازات، فلو سمح لها بالعبور لربما كان مصيره السجن، لو اشتكى والدها أو أحد أشقائها عليه.
غادرت الطائرة دون سارة، بينما لا تزال الجوهرة بانتظار شقيقها كي يُوقع لها ورقة الإذن بالسفر.
كثيرة هي القصص المُشابهة، الجوهرة وسارة ليستا حالتين خاصتين. هو واقع أكثر من 11 مليون سعودية يعشن في البلاد. لا يمكن خروجهن منها إلا بموافقة ولي أمرهن، وهو وضع تأمل الدكتورة إقبال زين العابدين درندري، عضوة مجلس الشورى تغييره، بعد أن قدمت مشروع قانون للتصويت يمنح المرأة الراشدة حرية السفر دون إذن ولي الأمر، وفي حال قبوله، ستكون المرأة السعودية قطعت مشواراً مهما، أكثر من القيادة وحضور مباريات كرة القدم والحفلات الغنائية.
تُشدد الدكتورة درندري على أن تقييد سفر المرأة بإذن ولي الأمر يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية القائمة على المساواة والعدالة بين الجنسين وإعطاء الأهلية الكاملة للمرأة، وأشارت في ورقتها التي قدمتها للمجلس إلى أن تقييد سفر السيدات الراشدات بإذن ولي الأمر غير قانوني، يتعارض مع "نظام وثائق السفر" الذي تستند إليه إدارة الجوازات، وينص في الفقرة الثانية من المادة (6) على أنه "لا يجوز المنع من السفر إلا بحكم قضائي أو بقرار يصدره وزير الداخلية لأسباب محددة تتعلق بالأمن ولمدة معلومة".
خلال اليومين الماضيين، أثارت "التوصية" جدلاً واسعاً في الشارع السعودي، فنشط عبر "تويتر" هاشتاغات: #اقبال_درندري_لاتمثلني، #اقبال_درندري، و#السماح_للمرأة_الراشدة_بالسفر، ما بين مؤيد ومعارض.
خوفا من الانفلات
من المتوقع أن تحظى التوصية بالموافقة، في ظل التغييرات الكبيرة التي يعيشها المجتمع السعودي العازم على الخروج من التفسيرات المتشددة للدين.
فيؤكد مؤيدو السماح للنساء بالسفر دون موافقة ولي الأمر، عدم وجود سند شرعي للمنع، وأن ما يحدث من تعقيد نابع من "سيطرة ذكورية" لا سند لها.
تشدد الدكتورة سهيلة زين العابدين حماد، أستاذة الشريعة وعضوة الجمعية السعودية لحقوق الإنسان لـ "رصيف22" على عدم وجود مسوغ أو مُوجب شرعي لنظام المنع، مستغربة من معاملة المرأة السعودية كطفل قاصر.
تضيف "المرأة السعودية ليست دون نساء العالم عقلًا ورشدًا، ليُحدد لها سن الرشد خلاف الرجل، مع فرض وصايته عليها، ومن غير المنطقي أن تُحرم المرأة من السفر إلا بموافقة وليها، الذي قد يكون ابنها الصغير الذي لم يكمل الثانوية، فتخيل أن طبيبة أو أستاذة في الجامعة كي تحضر مؤتمراً في خارج البلاد،عليها أن تحصل على موافقة من ابنها الذي يأخذ مصروفه منها.. هذا أمر لا يستقيم مع العقل والمنطق".
بينما يقول المعارضون إن في حال السماح للسعوديات بالسفر دون موافقة أحد، فإن كثيرات منهن سيهربن للخارج، مستحضرين حالاتٍ استغلت فيها فتيات وجودهن خارج السعودية للهرب لدولة أخرى. وهذا ماحصل مع فتاتين كانتا مع ذويهما في تركيا، وهربتا لجورجيا، كما هربت شابة سعودية قبل نحو عام لأستراليا، فيما فرَّت فتاتان دون العشرين من العمر لكوريا الجنوبية.
تقول الإعلامية سكينة المشخيص "ما زلت لا أستطيع أن أذهب واستخرج جواز سفري بنفسي، لابد من موافقة ولي أمري حتى الآن كي أسافر. مفهوم الولاية توسع في السعودية لدرجة لا يمكن تصورها، وبات قيداً يضيِّق علينا". تؤكد أن الأمر لا يتوقف عند السفر، بل هي لا تستطيع أن تستخرج جميع أوراقها الثبوتية بنفسها "فلا بد من العودة لولي الأمر، حتى ولو كان هذا الولي فاسداً أو قاصراً هو بذاته".
وتشدد المشيخص التي تعمل في دبي وتحتاج في كل مرة تغادر فيها السعودية لموافقة من ولي أمرها على أن إصدار الجواز والسفر بموافقة ولي الأمر لا يتفق مع ما توصلت إليه المرأة السعودية من مكانة علمية وأدبية عالمية.
تحولات كبيرة
في 11 يونيو 2015، صدر أمر ملكي بالسماح للنساء بالسفر دون موافقة ولي الأمر في الحالات الضرورية، بموافقة قاضٍ شرعي، وأكدت حينها الإدارة العامة للجوازات أنها تمضي قدماً في وضع ضوابط جديدة لتحديد صلاحيات سفر المرأة وتسهيل إجراءاتها من دون إذن ولي الأمر، بحيث لا يحدَّد العمر وإنما تحدَّدُ أسباب السفر.
"ما حدث أنه نَقل الموافقة من ولي الأمر وهو رجل، لقاضٍ شرعي وهو رجل أيضاً، ما تريده النساء، هو حرية السفر، دون التقيُّد بالرجال" تقول الدكتورة سهيلة حماد.
خلال الأشهر العشرة الماضية، تغيرت المملكة بشكل دراماتيكي وفق خطة رؤية السعودية 2030، ومازالت في طور الخروج من التشدد الذي هيمن عليها منذ مطلع الثمانينيات.
كانت البداية بتحجيم دور الشرطة الدينية (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، والسماح بإقامة الحفلات الغنائية والمعارض الفنية، والإذن للنساء بدخول الملاعب الرياضية وافتتاح دور السينما وعددٍ من المسارح، والأهم السماح لهن بالقيادة.
بينما الخطوة الأهم التي تنتظرها السعوديات، هو إلغاء الولاية بشكل كامل وصريح، والسماح لهن بالسفر بحرية، دون شروط الموافقة المسبقة من ولي الأمر. منذ نحو 730 يوماً، بدأت دعوات لإسقاط ولاية الرجل على "تويتر"، ومازال وسم #سعوديات_نطلب_اسقاط_الولايه732 نشطاً، ويتم تحديثه بشكل يومي.
تمنح القوانين ولايةً كاملة للرجل على المرأة البالغة، فهي بحاجة إلى الحصول على تصريح من ولي أمرها عند رغبتها في السفر أو الزواج، أو العمل. تم مؤخراً تخفيف هذه القيود بعد أن أمر الملك سلمان بن عبد العزيز في منتصف العام الماضي بعدم مطالبة المرأة بالحصول على موافقة ولي الأمر في حال تقديم "الخدمات" لها. فلم تعد موافقة ولي الأمر مطلوبة عند الحصول على الرعاية الصحية، أو استئجار شقة، أو رفع دعاوى قضائية، رغم ذلك مازالت الولاية تتحكم في النساء.