"غيتو الإخوان"... عندما يتحوّل التنظيم الإيديولوجي إلى تنظيم بيولوجي - Articles
Latest Articles

"غيتو الإخوان"... عندما يتحوّل التنظيم الإيديولوجي إلى تنظيم بيولوجي

منير أديب

تضع التنظيمات الدينية بحكم نشأتها وأهدافها أعضاءها في نوع من "غيتو"  ينغلق على أفكار وعلاقات اجتماعية معيّنة حتى تحافظ على كيانها البديل. وجماعة الإخوان المسلمين من أهم التنظيمات التي تضع سياجاً حول نفسها، فتحث "الإخوان" على الزواج من "أخوات"، على أساس أن الأخيرات أكثر طهراً وعفافاً وفهماً لمدركات الدعوة التي يحملها الزوج على كتفيه.

فرضت جماعة الإخوان سياجاً حول نفسها لأنها تُريد أن تحمي تنظيمها من الاختراق. وعدا علاقات المصاهرة بين أعضائها، اختارت لنفسها ألا تبيع أو تشتري إلا من نفسها، فارضةً حظراً على التعاملات الخارجية لأعضاء الجماعة مع غير الإخوانيين، في إجراء يعبّر عن "عنصرية" التنظيم، برغم تأثير ذلك سلباً على الأفراد والجماعة معاً من الناحية الاقتصادية.

أفكار "غيتو الإخوان" ليست مستحدثة وإنما هي قديمة قدم المؤسس الأول الذي رسّخ لمفهوم "صفوة" الجماعة، عندما قال: "إن دعوتكم هذه أسمى دعوة عرفتها الإنسانية، وإذا كنتم كذلك فدعوتكم أحق أن يأتيها الناس، ولا تأتي هي أحداً، وتستغني عن غيرها، إذ هي جماع كل خير، وما عداها لا يسلم من النقص".

وعبّر عن هذا المعنى أحد قيادات الإخوان حديثاً، صبحي صالح، عندما قال إن الإخواني لا يتزوج إلا إخوانية حتى ينجبوا إخواناً وأخوات "بالوراثة"، مشيراً إلى أن "الأخت" التي تنتمي إلى الجماعة مكتملة الإيمان وبالتالي هي أولى بالزواج من غيرها.

وبالفعل، ظهرت علاقات مصاهرة كثيرة داخل التنظيم بين القيادات والأعضاء، ما أدى إلى إنشاء ما يمكن اعتباره "مجتمعات بديلة".

مجتمعات مغلقة ورمال متحركة

يعتبر القيادي الإخواني السابق في لجنة الشباب والتربية بالجماعة في الفيوم، عماد علي، 34 عاماً، أنّ الجماعة تتحكم في أعضائها بالعزلة الشعورية التي تحدّث عنها ونظرّ لها سيد قطب في كتاباته التي تمثل دستوراً للتنظيم.

دخل عماد التنظيم عام 2002 وخرج منه عام 2017 على خلفية دعوته لمراجعات فكرية وفقهية من داخل سجن الفيوم عندما كان يُحاكم على خلفية انتمائة للجماعة، قبل أن يخرج من السجن.

يقول علي لرصيف22 إن مجتمع الإخوان "أشبة بالرمال المتحركة التي تسحبك رويداً رويداً حتى ترى نفسك بعد فترة وقد وقعت في حفرة عميقة تجد فيها أقراناً مختلفين في أمور كثيرة عن الذين عايشتهم قبل ذلك، ولا تسمع فيها إلا صوتاً واحداً، لتعتاد بعد فترة على ذلك العالم الجديد وتظن أنه الدنيا بأكملها".

ويلفت إلى أنّ الجماعة تصور لأعضائها أن المجتمع الذي أنشأته هو الحقيقة وما عداه زائف، "فتنسى كل عمرك الذي قضيته من قبل كأنك وُلدت من جديد بانتمائك إلى هذا العالم الجديد، وليس هذا مجازاً بل حقيقة، فقد كان الإخوان يتمازحون كثيراً بسؤال بعضهم البعض عن تاريخ ميلادهم، ليسمعوا إجابة ‘إنه يوم كذا’، وهو اليوم الذي دخل فيه المجيب إلى الإخوان".

ويشرح علي "الغيتو" الإخواني بقوله: "هو مجتمع يحيطك من جميع جوانبك، يملأ عليك حياتك، يجعلك تستغني عن الناس وعن أصدقائك القدامى وعن أهلك الأقربين، مجتمع يحبس عقلك وروحك، يقتل طموحك ويقمع أفكارك، يحبسك بداخله ثم يملأ قلبك وعقلك بقناعات تجعلك تنظر إلى المجتمع نظرة دونية، فالغالبية نسيت الإسلام في حين نعمل له نحن، والغالبية تستمد مرجعياتها من قوانين أرضية وضعية بينما نستمدها من السماء".

وبحسب، علي، تريد الجماعة أن توصل رسالة مفادها: "إننا جئنا لإنقاذ المسلمين والبشرية جميعاً مما هم فيه، هذه رسالة الإسلام ولكن المشكلة حينما نصبح ‘نحن الإسلام أيها الناس’، كما قال المؤسس الأول حسن البنا و’صلة الأرض بالسماء’، فحينها تذوب الفوارق فنصبح نحن الإسلام والإسلام نحن".

ويذكر أنّ "غيتو" الجماعة يُشعر المنتمي إليها بنوع من الفخر يتولد لديه نتيجة اعتقاده بأنه صاحب أفضل رسالة في الوجود، "فهو يعتقد بأن جماعته هي مَن يفهم الإسلام على وجهه الصحيح دون غيرها، ما يجعلها الأولى بالقيادة واتباع الأمة لها".

ومن نتائج "الغيتو"، كما يشرح عماد، أنه يتسبب في إحساس "الإخوان" بالأفضلية على المجتمع ما يؤدي إلى الغربة عنه والجنوح نحو الاندماج في مجتمع الجماعة المغلق، ليكون بديلاً عن المجتمع الأكبر.

ويندرج ذلك في خطة الإخوان التي وضعها البنا في سبع مراحل تبدأ بتربية الفرد المسلم، ثم تنشأ من الأفراد المسلمين الأسرة المسلمة، ثم وبزيادة الأسر يتكون المجتمع المسلم الذي تخرج منه الحكومة المسلمة، حتى الوصول إلى الخلافة وأستاذية العالم حسب تصوره. وكل هذا لا يتم إلا من خلال مجتمعات الإخوان البديلة.

المجتمعات البديلة للإخوان

من جانبه، يقول طارق أبو السعد، 50 عاماً، وهو أحد قيادات الإخوان المنشقين وكان مسؤولاً عن قسم نشر الدعوة في محافظة البحيرة، إنّ جماعة الإخوان المسلمين أنشأت "حياة اجتماعية بديلة عن الحياة الواقعية" مشيراً إلى أنّ هذه "الحياة البديلة" وضعها المؤسس الأول حسن البنا عندما رسم عالماً خاصاً لأتباعه يشعر فيه الفرد بالأمن والاطمئنان.

تربى أبو السعد داخل تنظيم الإخوان منذ نعومة أظافرة ضمن مجموعة "الأشبال" ولكنه التحق بالجماعة رسمياً عام 1984 وخرج منها بعد ثورة 25 يناير 2011، بسبب رأيه حول ضرورة فصل العمل الدعوي عن العمل السياسي ومطالبته بتفرغ الجماعة للعمل الدعوي فقط، ما دفعه إلى دعم الدكتور إبراهيم الزعفراني في فكرة تأسيس حزب النهضة ثم دعم ترشح عبد المنعم أبو الفتوح للانتخابات الرئاسية.

بحسب أبو السعد، وفّر البنا مجتمعاً للمغتربين (أعضاء الإخوان الذين ينتقلون إلى محافظات جديدة وخاصة القاهرة)، إذ كان يوفر لهم المال والطعام والشراب والسكن بطبيعة الحال، وهذا خلق "غيتو" للجماعة.

وقال لرصيف22 إن سيد قطب نظّر لمجتمع بديل من خلال العزلة الشعورية واعتزال المجتمع شعورياً ونفسياً، وهو ما يُفسر لماذا لا يطيق الإخوان الخروج من التنظيم، مثل الأسماك تماماً، حسب تعبيره.

والعزلة الشعورية عند قطب تعني باختصار شديد هجرة المجتمع واعتزالة بسبب الإحساس بعدم الانسجام معه.

وتحدث أبو السعد عن مستوى آخر للغيتو الإخواني ظهر في السبعينيات من القرن الماضي عندما أنشئ ما يُسمى بـ"الأسرة الاجتماعية"، وفيها وفّرت الجماعة مجتمعاً بديلاً لأعضائها "فكنت تجدهم لا يشترون إلا من أنفسهم ولا يلتحقون بمدارس تعليمية إلا إذا كان أصحابها ينتمون إلى الإخوان".

وعام 1995، أنشأت الجماعة قسماً أسمته "أبناء الإخوان" خصصته لـ"الأشبال" وطلاب المرحلة الثانوية والجامعية، كجزء من تصوّرها حول بناء أكبر وأكمل لـ"الغيتو".

والهدف من هذا القسم، بحسب أبو السعد، هو احتواء أبناء الإخوان وتربيتهم تربية بديلة حتى لا يكونوا ثغرة تنفذ من خلالها أجهزة الأمن إلى المنتمين تنظيمياً إليها، فأنشأت لهم حياة اجتماعية بديلة موازية للحياة الواقعية، حتى يتفرغ آباؤهم وأمهاتهم للانخراط في الدعوة بدون قلق.

الأساس العقائدي لـ"غيتو الإخوان"

يقول خالد الزعفراني، 66 عاماً، وهو قيادي إخواني سابق كان مسؤولاً عن حي وسط الإسكندرية والمدينة الجامعية لرصيف22 إن غيتو الإخوان لم يظهر إلا مع سيد قطب، بعد صدام الجماعة مع ثورة 23 يوليو 1952.

وبرأيه، فإن الجماعة، منذ نشأتها وحتى ظهور سيد قطب، كانت منفتحة على العالم إلى حين ظهر قطب على الساحة بمجموعة أفكار انعزالية.

ويضيف الزعفراني لرصيف22 أن غيتو الإخوان له أساس عقائدي يتمثل في حتمية الصراع بين الخير والشر، إذ يعتبر الإخوان أن غيرهم أعداء وهم مطالبون بمحاربتهم أو الابتعاد عنهم في حال لم تكن لهم القدرة على مواجهتهم.

ويذكر الإخواني السابق الذي خرج من الجماعة عام 1987 أن حالة "انعزال" الجماعة زادت بشكل كبير وتحديداً في فترة السجن في عام "الفتنة والمحنة"، كما يسمّي الإخوان عام 1965، حتى بداية السبعينيات.

ففي تلك الفترة، زادت حالات التزاوج والمصاهرة بين "الإخوان وكانت الزيارات في السجن باباً للتعارف والمصاهرة، فقد تزوج مرشد الإخوان السابق محمد مهدي عاكف شقيقة القائم بأعمال مرشد الإخوان الحالي محمود عزت.

وعن تجربته، يقول: "خرجت من جماعة الإخوان المسلمين في فترة الثمانينيات وانضممت إلى حزب العمل الاشتراكي، لأنني كنت أرفض الفكر القطبي، وهو ما دفع الجماعة إلى عزلي عن محيطي تماماً ومنعوا التعامل معي".

وذكر أن ما حدث معه حدث بعد ذلك مع أحمد أبو الفتوح، شقيق عضو مكتب الإرشاد السابق في الإخوان والمرشح السابق للرئاسة، ونفس الشيء حدث مع المهندس أبو العلا ماضي، رئيس حزب الوسط، ومجموعته التي منعت الجماعة أعضاءها من التعامل معهم تجارياً أو حتى اجتماعياً للتأثير عليهم.

تحليل نفسي لـ"غيتو الإخوان"

يقول الخبير النفسي والتربوي خالد كمال لرصيف22 إن "الشخصية الإخوانية تسيطر عليها ملامح الشخصية الاضطهادية أو البارونية وهي الشخصية المتغطرسة بآرائها والتي تقلل من آراء غيرها، وهي تلك الشخصية التي تُعاني من الريبة المفرطة وتتصور دائماً أن الآخر هو الجحيم كما يقول سارتر، ولا تتقبّل النقد".

وعن "غيتو" الإخوان، يقول إن أحد أهم معالمه هي أنهم لا يسمحون لغيرهم بالانضمام إلى التنظيم إلا بعد خمس سنوات من رغبة الشخص بذلك، ويخضع خلالها لاختبارات وتهيئة تربوية وتنظيمية، وهذا "يدلّ على شدة تمركزهم حول نفسهم ووضع سياج حول التنظيم يحميه من العالم الخارجي، وهذا خوف من الآخر ضمن السمات العامة لهذه الشخصية، والهدف قد يكون التأكد من انضباطه النفسي وملاءمته النفسية قبل الاجتماعية".

ولفت كمال إلى أنّ الجماعة لا تفضّل التعامل مع الآخرين من غير أبنائها وقد زرعت بداخل أعضائها فكرة أنهم جنس أفضل من الغير، وتوارثت هذا المفهوم أجيال من الإخوان، ومصطلح "أخ" الذي يُطلق على عضو التنظيم يعني أنه ضمن المدينة الفاضلة.

ويضرب مثالاً عن عزلة الإخوان بأنشودة "غُرباء" الإخوانية وفي كلماتها: "غُرباء وارتضيناها شِعاراً للحياة... نحن جند الله دوماً دربنا درب الأباة، غرباء... لن نبالي للقيود بل سنمضى للخلود، فلنجاهد ونناضل ونقاتل من جديد، غرباء... هكذا الأحرار في دنيا العبيد...".

رصيف 22

Related

Share

Rating

0 ( 0 reviews)

Post a Comment

Category
Author
More Options
  • Recent
  • Popular
  • Tag
Tags