رصيف 22
بينما انشغل العالم بأجواء الأزمة المشتعلة بين السعودية وكندا على خلفية انتقادات تورونتو لسجل الرياض حول حقوق الإنسان، نفّذت السلطات حكمًا بالقتل والصلب بحق أحد المتهمين في مدينة مكة المكرمة.
يحمل المُدان في القضية جنسية دولة ميانمار (بورما)، ووُجهت إليه اتهامات بالقتل والسرقة ومحاولة الاغتصاب. وقلما تنفذ السعودية الصلب، لكن عقوبة الإعدام ما زالت شائعة.
تقول منظمة العفو الدولية، في تقرير للعام 2017 صدر في أبريل الماضي، إنه باستثناء الصين، فقد تم تنفيذ 84% من مجموع عمليات الإعدام المبلغ عنها في أربعة بلدان فقط، هي إيران والسعودية والعراق وباكستان.
شرق أوسطياً: ظلت إيران والسعودية والعراق في المراتب الثلاث الأولى من حيث عدد عمليات الإعدام، لا سيما أنها نفّذت 92% من مجموع عمليات الإعدام في المنطقة، بحسب المنظمة.
واعتادت منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش توجيه انتقادات إلى الرياض بسبب تنفيذها أحكامًا بالإعدام والصلب، وطالبت بتعديل أوجه القصور في النظام القضائي وإجراء محاكمات عادلة والتوقف عن تطبيق عقوبات غير إنسانية.
لماذا نُفذ حكم الصلب الأخير بالسعودية؟
خلافًا للصلب عند الرومان في العصور القديمة، كثيرًا ما تقطع السلطات السعودية رؤوس المدانين وتعلق جثثهم دونها علانية على أعمدة في مكان عام، بموجب أحكام بإقامة حد الحرابة.
وكالة الأنباء الرسمية (واس) بثت خبر تنفيذ حكم الصلب بحق المقيم الميانماري نقلًا عن وزارة الداخلية، التي حذرت "كل من تسول له نفسه الإقدام على مثل ذلك بأن العقاب الشرعي سيكون مصيره".
وفي مطلع النشرة، وضعت الآية رقم 33 من سورة المائدة، التي تقول "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم".
وقال بيان الوزارة: "أقدم إلياس أبو الكلام جمال الدين (ميانماري الجنسية)، على قتل نبين شونا سراج الإسلام (ميانمارية الجنسية)، بطعنها عدة مرات بسكين ما أدى لوفاتها بعد انتهاك حرمة منزلها، وإطلاق النار فيه وسلب ذهبها وبيعه".
الصلب عقوبة روما القديمة
يقول الشيخ الدكتور أسامة حسن، داعية إسلامي وباحث بارز في الدراسات الإسلامية بمؤسسة كويليام في العاصمة البريطانية لندن، إن هذا الشكل من أشكال العقاب يأتي نتيجة لفهم متطرف للقرآن، وما ورد في الآية 33 من سورة المائدة.
كان حسن يتحدث إلى "بي بي سي" في 9 مايو 2014 على هامش تقريرها عن ظهور عقوبة الصلب في سوريا على يد تنظيم داعش في مدينة الرقة وقتذاك.
ويرى حسن أنه لا ينبغي أن نقرأ هذه الآية بمفردها، لأن الآية التالية تقول: "إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم"، مُشيرًا إلى أن الآيات القرآنية التي تبدو قاسية للغاية يتبعها دومًا خيار التوبة وتذكرة بأن الله غفور رحيم.
ويعتقد الداعية أن الصلب لا مكان له في العالم الحديث.
وقالت "بي بي سي": "على الرغم من ذكر الصلب في القرآن، فإنه يلعب دورًا أكبر في الكتاب المقدس، ففي حين أن الإسلام يعترف بالمسيح كنبي، إلا أنه لا يؤمن بأنه صلب، وذلك خلافًا للمسيحية".
وذكّرت هيئة الإذاعة البريطانية بتاريخ العقوبة، قائلة إنها كانت تستخدم في تنفيذ أحكام الإعدام في الإمبراطورية الرومانية قبل ميلاد المسيح بفترة طويلة، لافتةً إلى تنفيذ حكم الإعدام وفقًا لهذه الطريقة بـ 6 آلاف من أتباع سبارتاكوس.
ماري بيرد، مؤرخة بجامعة كامبردج، أوضحت: "كان الصلب هو المستخدم في الإعدام في الجمهورية الرومانية القديمة – روما في القرن الأول الميلادي. ولم يكن الصلب يطبق على المواطنين الرومانيين".
وكثيرًا ما تترجم كلمة "crux" اللاتينية إلى "صليب"، وتحمل في الأصل معنى أقل تحديدًا، يشير إلى أي شيء يستخدم في شنق الضحية أو طعنها.
وفي فترة حكم الإمبراطور الروماني قسطنطين، مُنعت عقوبة الصلب في القرن الرابع الميلادي. وبعد مرور أكثر من 1000 عام، ظهر الصلب من جديد لقتل المسيحيين في اليابان. وهو ما تكرر أيضًا، عندما صلب جنود يابانيون أشخاصًا خلال الحرب العالمية الثانية.