صفحات من تاريخ الخليج... قصة الحرب العسكرية بين جيش آل سعود والكويت قبل مئة عام - Articles
Latest Articles

صفحات من تاريخ الخليج... قصة الحرب العسكرية بين جيش آل سعود والكويت قبل مئة عام

صفحات من تاريخ الخليج... قصة الحرب العسكرية بين جيش آل سعود والكويت قبل مئة عام

إيهاب عمر

تُصنَّف الحرب النجدية الكويتية عام 1920 في أغلب كتب التاريخ الخليجية باعتبارها نزاعاً حدودياً بين سلطنة نجد التي تحوّلت إلى المملكة العربية السعودية لاحقاً، ومشيخة الكويت التي تحوّلت بدورها إلى دولة الكويت.

ولكن الأسباب الحقيقية للخلاف بين سلطان نجد عبد العزيز آل سعود وشيخ الكويت سالم المبارك الصباح مختلفة عن الرواية الخليجية الرسمية.

عام 1915، توفي حليف بريطانيا العتيد، شيخ الكويت مبارك (الكبير) الصباح، فخلفه ابنه جابر الثاني آل صباح حتى عام 1917، ثم تولى سُدَّةَ الحكم سالمُ بن مبارك آل صباح (سالم الصباح).

في مذكراته التي نشرها بعنوان "الكويت وجاراتها"، يشير مندوب بريطانيا في الكويت هارولد ديكسون إلى أن سالم الصباح، بعكس والده وأخيه، كان لا يميل إلى بريطانيا ومؤيداً للحركات التحررية القبائلية في شبه الجزيرة العربية، كما كان مُعارضاً للتقارب السعودي-البريطاني.

سالم الصباح يرفض الانتداب البريطاني

عام 1920، نزح إلى الكويت عدد كبير من قبائل العجمان التي تعادي آل سعود، فاستقبلهم سالم الصباح، ما أثار حفيظة السلطان عبد العزيز الذي اشتكى لبريطانيا من إيواء الشيخ سالم لعناصر قبائلية معادية له من قبيلتي العجمان وشمر.

وازداد الأمر تعقيداً عندما طلب سالم الصباح مساعدة أمير حائل (جبل شمر) عبد الله الثاني بن متعب الثاني آل رشيد، والذي استجاب له بإرسال مجموعة من الفرسان بقيادة الشيخ ضاري بن طوالة. وكانت تلك الإشارات تدل على مخاطر تفهمها بريطانيا جيداً، لذا كان لا بد من تحرك سريع وفوري.

في كتابه "تاريخ الكويت"، يشير المؤرخ مايكل كيسي Michael S. Casey إلى تخوّف بريطانيا من تحالف بين الكويت وحائل، رغم أن الدولة العثمانية كانت قد تصدعت بالفعل وقتذاك. ولكن هذا التحالف كان، بحسب تقدرات البريطانيين، يهدد بتقويض مصالحهم في شبه الجزيرة العربية.

في ظل تلك الظروف، ورغم أن سلطنة نجد كانت جارة للكويت منذ سيطرة آل سعود على الإحساء عام 1913 وطردهم الحامية العثمانية من هناك، أثار السلطان عبد العزيز آل سعود، عام 1920، مشكلة خلافات حدودية.

وبحسب بعض المؤرخين، كان ابتكار مشكلة حدودية مع الكويت، بعد سبع سنوات من التعايش السلمي، كان الغرض منه إيجاد ذريعة لتبرير هجوم سعودي على الكويت.

افتعال مشاكل حدودية للجم التمرد الكويتي

لم يسأل كثيرون ما الذي يجعل عبد العزيز، حليف البريطانيين، يهاجم دولة بينها وبين بريطانيا توافق، ويوجد فيها مكتب تمثيل ضخم لبريطانيا يمكن التباحث معه.

ويعتقد كثيرون أنه ما ليقوم بذلك لو لم تكن لديه ضمانات بريطانية كافية بأن الأمر سيمرّ، خاصةً أنه كان يمكن ترسيم الحدود بين نجد والكويت بوساطة بريطانية، دون عمل عسكري، وهو ما تم بالفعل بعد انتهاء الغرض من العمل العسكري.

في ذلك الوقت، كان القوة الضاربة في جيش آل سعود هي قوات الإخوان بقيادة فيصل الدويش. أرسلهم السلطان عبد العزيز للتحرش بالقبائل القاطنة على الحدود الكويتية، فواجههم سالم الصباح في موقعة حمض في الأول من يونيو 1920 لكن الكويتيين هُزموا وقُتل منهم المئات.

واشتكى سالم الصباح من عبد العزيز آل سعود عند المعتمد البريطاني في الكويت جي. سي. مور، فجاءَ رده مائعاً يطلب فيه مسايرة سالم الصباح لعبد العزيز آل سعود.

في تلك الأثناء، زحفت قوات فيصل الدويش على الكويت وبدأت بقرية الجهراء التي سُمّيت على اسمها معركة وقعت في العاشر من أكتوبر 1920. قتل الإخوان كل مَن لقوه بحجة أنه كافر، فخرج الشيخ سالم الصباح من مدينة الكويت بقوة لم تصمد أمام الدويش، ما اضطره إلى الهرب واللجوء إلى القصر الأحمر، معقل حكمه، حيث حوصر.

الغزو السعودي للكويت

أثناء حصار قصر الحمراء من قبل الإخوان، طالبت هذه القوات السعودية بخمسة مطالب وهابية خالصة هي: طرد جميع الشيعة؛ تبني عقيدة الإخوان؛ تسمية الأتراك بـ"الزنادقة"؛ إلغاء التدخين وإلغاء ما أسموه المنكر والبغاء؛ وتدمير المستشفى التبشيري الأمريكي في الكويت، وفقاً لما ذكره المؤرخ الأسترالي فرانك برويز Frank Broeze في كتابه "الكويت قبل النفط" Kuwait before Oil.

ولولا استبسال القوة الكويتية الصغيرة التي تحمي القصر، إضافة إلى القوة الشمرية بقيادة الشيخ ضاري بن طوالة، لكانت الكويت قد أصبحت جزءاً من المملكة العربية السعودية لاحقاً.

بعد تقديم المطالب الإخوانية الوهابية، طلب سالم الصباح من الإنكليز حماية الكويت من عبد العزيز آل سعود. وهكذا عاد شيخ الكويت إلى بيت الطاعة البريطاني.

والملاحظ أن المطالب السعودية لم تتطرّق إلى أيّ من المصالح البريطانية في الكويت، بل كان المطلب الأخير منها بريطانياً خالصاً يهدف إلى تقليم أظافر النفوذ الأمريكي الطارئ على شبه الجزيرة العربية، وكانت بعض الدوائر البريطانية تأمل أن تسود الفوضى في الكويت بما يكفل تدمير المستشفى الأمريكي.

فخ سعودي لجماعة الإخوان؟

تدخّل البريطانيين أنهى الأزمة بين نجد والكويت، ولكن الاتفاق الذي عقدوه مع آل سعود لم يقتصر فقط على أمور تتعلّق بالكويت بل طال بعض حلفاء آل سعود وتحديداً حركة الإخوان.

كانت الخلافات بين الطرفين قد تزايدت، ورأى عبد العزيز، بالتنسيق مع البريطانيين، أن ترك الإخوان يتمادون في غزو الكويت سيعطيه الحجة للقضاء عليهم لاحقاً، بذريعة أنهم يتجاهلون أوامره. وبالمثل، رأت لندن أن الإخوان أصبحوا قوة أكبر من أن يسيطر عليها آل سعود.

وبالفعل، في 19 أكتوبر 1920، قام الطيران البريطاني بإسقاط منشورات على تجمع الإخوان في الكويت، قبيل انسحابهم منها، وحملت رسالة من الميجر جي. سي. مور إلى فيصل الدويش، وجاء فيها: أفهمكم أن معاهدة الحماية المعقودة بين الحكومة البريطانية وبين ابن سعود في العقير عام 1915 تنص على تعهد ابن السعود بعدم التجاوز على الكويت لأنها تحت الحماية البريطانية. لهذا فإن الحكومة البريطانية تعتقد أن مهاجمتكم الكويت لم تكن برغبة من ابن السعود، وعلى هذا فإنّي أنذركم بوجوب عدم التعدي على الكويت بعد الآن، وإلا ستعرّضون أنفسكم لقصف الطائرات.

وفي 21 أكتوبر 1920، ألقت طائرة حربية بريطانية منشوراً على معسكر الإخوان، جاء فيه: لا يمكن بعد للحكومة البريطانية أن تقف متفرّجة بدون تدخلها في المسألة. وبناء على التعهدات التي قدّمها منذ مدة قصيرة سعادة الشيخ عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل السعود إلى فخامة السير بيرسي كوكس، المندوب السامي في العراق، تشك الحكومة البريطانية بأن أفعالكم هي بعكس إرادة وأوامر المشار إليه، الشيخ عبد العزيز آل سعود. ولا شك في أن سعادته سيفهمكم ذلك عندما يعلم بأفعالكم، وبناءً عليه، ننبهكم بأنكم إذا جربتم أن تهجموا على مدينة الكويت فحينئذ ستصبحون مجرمي حرب ليس عند سعادة شيخ الكويت بل عند الحكومة البريطانية أيضاً.

انسحب فيصل الدويش ورجاله، وبدأت الشكوك لدى قادة الإخوان تكبر حيال ابن سعود إلى أن تفجر الخلاف الأخير بينهم، عقب الغزو النجدي للحجاز.

ومما يوضح أن المسألة لم تكن خلافاً سعودياً كويتياً، بقدر ما كان الشيخ سالم الصباح هو المقصود، أن حاكم المحمرة الشيخ خزعل قام بمبادرة للصلح بين الطرفين، وذهب وفد إلى الرياض يضم أحمد الجابر الصباح ولي عهد الكويت والشيخ كاسب ابن الشيخ خزعل وقابلوا عبد العزيز في فبراير 1921.

وقبل مغادرة الوفد للرياض، بلغهم نبأ وفاة سالم الصباح. ووفقاً لكتاب "تاريخ الكويت" للمؤرخ عبد العزيز الرشيد، ابتهج السلطان عبد العزيز لذلك وقال للشيخ أحمد الجابر الصباح: "أما الآن فحيث صار الأمر لك فلا أرى من حاجة إلى شروط أو تحفظات، فأنا لك سيف مسلول، اضرب بي مَن شئت، وأنت أولى بالقبائل التي تحت أمري ولك أن تؤدب مَن تشاء إذا ما بدر منها اعتداء على أحد رعاياك. أما حدود الكويت فإنها ستمتد إلى أسوار الرياض ولا أقبل أن تكون هي ما قطعنا بها آنفاً ولك على هذا عهد الله وميثاقه".

بريطانيا تعطي ابن سعود ثلثي الكويت

أما الفصل الأخير من تأديب الكويت، فكان فارقاً ويوضح كيف كانت بريطانيا تدير الخليج العربي، وهو ما أبانته جلسة مفاوضات عُقدت عام 1922 في العقير لرسم الحدود بين السعودية والكويت والعراق.

نقرأ في كتاب "الكويت وجاراتها" لهارولد ديكسون أن المعتمد البريطاني بيرسي كوكس "أخذ قلماً أحمر ورسم بعناية فائقة على خارطة للجزيرة العربية خطاً للحدود من الخليج إلى جبل عنيزات في الأردن، بالقرب من حدود شرق الأردن، وبذلك يكون قد أعطى العراق مساحة كبيرة من الأراضي التي تدَّعي نجدُ ملكيتها. وإرضاءً لابن سعود، حرم الكويت بدون شفقة، من ثلثي أراضيها تقريباً وأعطاها لنجد"، إضافة إلى المنطقة المحايدة بين الكويت والسعودية ومنطقة أخري بين العراق والسعودية.

وفي العقير، لم يسمح للكويت بأن تشكل وفداً، بعكس سلطنة نجد التي مثلها عبد العزيز، كما حضر أهم رجالات بريطانيا في الخليج لحسم الخرائط التي لا تزال تشكل حدود الدول الثلاث حتى اليوم، وفقاً لجون ولينكسون في كتابه "حدود الجزيرة العربية... قصة الدور البريطاني في رسم الحدود عبر الصحراء".

رصيف 22

Related

Share

Rating

0 ( 0 reviews)

Post a Comment

Category
Author
More Options
  • Recent
  • Popular
  • Tag
Tags