محمد داود
تنتهي سمات دينية رجعية كالانتهازية، والتناقض والفصامية، والبؤية، والخلل والسيولة العقليين والتكوين العكسي إلى هذه السمة، والفروق دقيقة ومتداخلة بين هذه السمات والمفاهيم، التي دمجت تمامًا وتأصلت كآليات تفكير في العقل المصري وينتجها أقوالًا وأفعالًا، وفرديًا وجماعيًا.
مخادعة الرجعية الدينية تجعلها شرًا في كل شيء حتى ما يبدو خيرًا، ويمكن اعتبار المراوغة هي المستوى الواعي لسمات لا واعية أساسًا مثل التكوين العكسي، على سبيل المثال؛ مفهوم القضاء والقدر يعني أن الله هو الشرط الفاعل الأوحد في الواقع، وشروط هذا الواقع ثانوية، أو لا فعل لها، الله هو الشافي وليس الطب مثلًا، ورغم هذا هناك حديث: اعقلها وتوكل. ويقال رجعيًا: لابد من الأخذ بالأسباب. ويقال عليك بالدعاء، والجميع يدعو دائمًا و أبدًا بمناسبة وبدون، وحيث إن الله عادة _إن ليس دائمًا_ لا يستجيب، يقال إن الاستجابة ليست كما تظن، وهكذا. تقدم الرجعية كل شيء على المائدة، وإذ تتدخل في تفاصيل حياة الفرد والجماعة، حتى أصدرت دار الإفتاء فتوى بتحريم البيتكوين العملة الإلكترونية، فإنها بكل بجاحة وبهلوانية تردد الحديث المنسوب للرسول: أنتم أعلم بشئون دنياكم.
ويقال لا كهنوت في الإسلام، ثم يُقال إنه لا ينبغي لغير علماء الدين الخوض فيه، ومن هم العلماء؟! يقال الأزهريون، وقُصِرت الفتوى في الإعلام الرسمي على خمسين شيخًا، وفي مقابل أقاويل بأنه يمتنع غير المختصين عن الخوض في أمور الدين يفتي المشايخ في كل شيء حتى نقل الأعضاء، كأنهم أطباء، وكانوا في فتواهم عن البيتكوين كأنهم علماء اقتصاد.
على نحو مشابه، الحاكم الفعلي للحياة والطاغية المستبد في هذه البلاد هو الدين لا السلطة السياسية، عكس ما يبدو للوهلة الأولى من أن السلطة توظف الدين لمصلحتها، وقد يصح هذا الرأي الأخير لكن المحصلة الكلية لصالح الدين كمنظومة عقلية مستقرة بداخل الفرد، ذات قوة أعمق في الاستبداد والعصف بالنفس والعقل، عابرة للزمن والأشخاص، والكل يرى الاستبداد السياسي ويلقي عليه تبعة كل شر في الواقع؛ وهكذا تنتفي الشبهة عن الاستبداد الديني، مع أنه هو الأصل المنتج للأول.
هكذا دائمًا لدينا مراوغات شبيهة، ليست لدينا محاكم تفتيش بالشكل المباشر، لدينا محاكم تفتيش غير مباشرة وفاعلة على كل مستوى، سواء من رقابة مؤسسات كالأزهر والمجلس الأعلى للشئون الرجعية، أو الرقابة البينية على مستوى فردي ومجتمعي، وهناك مستوى رسمي مثل قانون ازدراء الأديان. محاكم التفتيش الرجعية أبشع، وأدوم، وأصعب في كشفها، ولها تجليات كثيرة كالتربص بالمختلفين، والمسارعة في تحريض الغوغاء وحصار كل من يتململ ضد الرجعية الدينية.
بالمثل ليست لدينا صكوك غفران بشكل صريح، لدينا أشياء مثل العمرة والحج مرارًا وتكرارًا للخلاص من الذنوب، وامتدادًا لهذه الذهنية يقال الحجاب حرية شخصية، لكنه فرض والحجاب قبل الحساب، هذا مثل افتراض أن الإنسان حر في الاختيار بين الكفر والإيمان لكنه إن اختار الكفر فهناك حد الردة، وسوف يدخل النار، بهذه المراوغات تأخذ الرجعية الدينية بالشمال ما تعطي باليمين إن بدا أنها أعطت، ومراوغتها تلك قادرة على مخادعة معظم الناس. والمراد هو استحواذها على كل شيء وتبرئتها من كل نقص.