المجتمعات الدرزية تواجه انهيارا إقليميا في النفوذ - Articles
Latest Articles

المجتمعات الدرزية تواجه انهيارا إقليميا في النفوذ

المجتمعات الدرزية تواجه انهيارا إقليميا في النفوذ

بقلم منى العلمي

ألزمت الفوضى الإقليمية الأقلية الدرزية المتحفظة إجمالا بالظهور تحت الأضواء. ففي الشهرين الأخيريْن، أقرت دولة إسرائيل "قانون الدولة القومية" الجديد الذي أدانه المجتمع الدرزي، وقد تزامن ذلك مع هجوم شنه ما يدعى بتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على الدروز السوريين. وفي الجوار اللبناني، يواجه زعماء الطائفة عداوة سياسية غير مسبوقة ساهمت في تراجع الدور السياسي لهذا المجتمع في السنوات القليلة الماضية. تبرز هذه الأحداث الهشاشة المتنامية للمجتمع الدرزي وتدهور سلطته، وهو تغيير يرتبط على حد سواء بالديناميكيات الإقليمية والانحسار الديموغرافي.

الدروز هم أعضاء عرب إثنيون لمجموعة دينية انبثقت عن حركة تؤمن بالألفية في القاهرة، ويعتبرون فرعا من الإسماعيليين المسلمين الذين انتشروا في سورية بعد مواجهة القمع في مصر. ويعتقد الخبراء أن حجم المجتمع الدرزي يبلغ حاليا حوالي مليون عضو بالإجمال ينتشرون في ثلاثة بلدان، مع أكثر من 125 ألف درزي في إسرائيل، وحوالي 250 ألف في لبنان، وحوالي 600 ألف في سورية. أما الوضع الراهن للدروز عبر بلاد الشام فيختلف بوضوح عن وضعهم في الماضي الحديث، عندما كانت المجموعات الدرزية تتمتع بنفوذ واستقلال ملحوظيْن نسبيا.

بالفعل، يبدو أن الأقلية الدرزية في بلاد الشام تواجه تحديات غير مسبوقة بسبب التغيرات الإقليمية في السنوات القليلة الماضية. ففي تموز/يوليو، أقر الكنيست الإسرائيلي قانونا مثيرا للجدل إلى حد كبير يعرف بـ"قانون الدولة القومية". ونزع هذا القانون عن اللغة العربية صفتها السابقة كلغة رسمية، وشدد على كون إسرائيل موطنا للشعب اليهودي، ورسخ في عقول كثير من المواطنين التمييز بين المواطنين اليهود وغير اليهود. وأثار هذا القانون بشكل خاص سخط الدروز الإسرائيليين، إذ اعتبروه تمييزيا، وشن كبار المسؤولين الدروز من "جيش الدفاع الإسرائيلي" حملة ضده.

تتناقض هذه الحقيقة الجديدة بشدة مع الوضع الراهن، عندما كان الدروز منخرطين إلى حد كبير في جهاز الدولة. فبحسب دراسة استقصائية أجراها "مركز بيو للأبحاث"، يخدم حوالي 60 في المئة من الرجال الدروز في إسرائيل أو سبق أن خدموا في الجيش الإسرائيلي وهم يشكلون العناصر الوحيدة من غير اليهود المجندين في "جيش الدفاع الإسرائيلي". فغالبا ما تصف الدولة الإسرائيلية والأغلبية اليهودية الدروز بأنهم "الأقلية المفضلة"، وتتساوى حاليا ميزانيات الرواتب والتعليم في البلديات الدرزية مع المجتمعات اليهودية. ومع ذلك، في حين احتج آلاف الدروز في أوائل آب/أغسطس في تل أبيب ضد القانون الجديد، فهو يبقى نافذا، ما يوحي بالتغيير المحتمل في الوضع السابق للدروز الإسرائيليين.

اختبرت المجتمعات الدرزية مصيبة خطيرة أخرى في الجوار السوري، حين شن تنظيم (داعش) هجوما إرهابيا على محافظة السويداء، أسفر عن مقتل أكثر من 250 شخصا وخطف 36 على الأقل، من بينهم عدد كبير من النساء والأطفال. وحدث هذا الهجوم على خلفية صفقة بين نظام الرئيس بشار الأسد وتنظيم "داعش"، سمحت بإخلاء مئات من مقاتليه من دمشق إلى البادية وامتدادهم إلى المعقل الدرزي السوري، فازداد عدد المقاتلين في المنطقة إلى حوالي 2500.

فيما يتمتع الدروز السوريون بتاريخ طويل من المساهمات العسكرية في سورية، تم تجريدهم الآن من قدرتهم على الدفاع عن مجتمعاتهم. فمن الميزات الباقية في الذاكرة الجماعية، ثورة القوات الدرزية في القرن العشرين بقيادة السلطان باشا الأطرش ضد السلطات الفرنسية المحلية الإلزامية في منطقة حوران السورية، التي أدت إلى انتفاضة على الصعيد الوطني ضد الحكم الفرنسي.

مع ذلك، أعلم الناشط السياسي السوري جبر الشوفي الكاتب بأنه قبل الهجوم، اتهم النظام الفصائل الدرزية المناهضة للنظام، على غرار شيخ بلحوس، بالإرهاب في محاولة واضحة لنزع شرعية زعماء المجتمع الدرزي. إلى ذلك، أعلم وفد روسي المجتمعات الدرزية بوجوب نزع سلاح قوات الدفاع المحلية الخاصة بها وبوجوب أن يتقدم أكثر من 54 ألف شاب درزي إلى الخدمة العسكرية. فتركت هذه التدابير المجتمعات مجردة من جميع وسائل الدفاع إزاء الهجوم وأيضا إزاء أي هجمات مستقبلية في المنطقة.

ينضم إلى هذا الانقلاب في وضع الدروز في سورية وإسرائيل الاقتتال المدمر بين الزعيميْن الدرزييْن في لبنان، أي بين النائب طلال أرسلان والنائب وليد جنبلاط، على حصتيْهما من المناصب في الحكومة اللبنانية الجاري تشكيلها. وقد أدت عائلتا أرسلان وجنبلاط النافذتان دورا تقليديا مهما في التاريخ السياسي اللبناني.

فمن بين الأرسلانيين الذين يتحدرون من الملوك اللخميين في القرن الثالث في جنوب العراق، الأمير توفيق أرسلان الذي كان من أهم الشخصيات خلف إنشاء دولة لبنان الكبير في سنة 1920 وابنه الأمير مجيد، وهو أحد قادة الاستقلال في البلد في سنة 1943. أما كمال جنبلاط، وهو عربي قومي ومناصر شجاع للقضية الفلسطينية، فقاد حركة يسارية قوية في لبنان تنتقد النظام الطائفي اللبناني وتعارض النظرة الغربية للطبقة السياسية المسيحية. وقد أدى ابنه وليد لأكثر من أربعة عقود دورا محوريا في الساحة السياسية اللبنانية وكان يعتبر إلى حد كبير صانع ملوك في السياسة اللبنانية.

إلا أن هذا الانشقاق بين العائلتين يسلط الضوء على وجود تدهور أعمق في النفوذ السياسي الدرزي في لبنان. ويبدو أن هذا الانشقاق امتد ليطال المجموعات السياسية الأخرى، فقد أعلمت بعض المصادر في حزب "التيار الوطني الحر" المسيحي، الذي أسسه الرئيس الراهن ميشال عون، الصحيفة اللبنانية اليومية "لوريان لو جور" بأنه سيتم تعطيل تشكيل الحكومة بقدر ما يلزم لتجريد جنبلاط من احتكاره للتمثيل السياسي الخاص بالمجتمع الدرزي.

ورغم أن كلا من هذه الأحداث الإقليمية يشكل تحديا لوجه مختلف من حياة المجتمع الدرزي، فهي كلها تظهر كيف يواجه الدروز ضغطا متزايدا في أوطانهم. والسببان اللذان أديا إلى هذا الانحدار هما: الضغوطات الإقليمية الأكبر والتحديات الداخلية. فتواجه هذه الأقلية واقع منطقة ذات قطبيْن وسط صراع طائفي وسياسي، يضع إيران ضد إسرائيل من جهة وبلدان الخليج من جهة أخرى.

في إسرائيل، اعتمد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على الهاجس الأمني الإسرائيلي ليصمم ما صنفه البعض على أنه أهم ائتلاف يميني في تاريخ الدولة، ما برر استخدام القوة غير المسبوقة ضد الإسرائيليين العرب، والزيادة الكبيرة في عدد المستوطنات، ومجموعة القرارات المثيرة للجدل التي تشمل اعتراف الولايات المتحدة بالقدس كعاصمة إسرائيل و"قانون الدولة القومية".

في سورية ولبنان، يعاني الدروز أيضا من تداعيات الخصومة الإيرانية ـ السعودية التي تنعكس حاليا على الانقسام الديني السني ـ الشيعي. ففي لبنان، أدت مواقف جنبلاط وتقلباته السياسية المستمرة، وعمليات الاغتيال التي يتهم بها "حزب الله" والتي استهدفت مجموعات مناهضة لإيران وللنظام السوري، والاشتباكات بين "الحزب التقدمي الاشتراكي" التابع لجنبلاط و"حزب الله" في سنة 2008 إلى إضعاف هذه الجماعة إلى حد كبير.

وفي سورية، لا يبدو أن المحاولات الدرزية للحفاظ على الحياد وسط النزاع الناشب تشكل خيارا موفقا في أعقاب الاعتداء الأخير الذي ارتكبه تنظيم "داعش". ففيما تحمل الاعتداءات كل علامات طريقة العمل التقليدية لتنظيم "داعش"، يظهر غياب ردة فعل النظام في خلال الاعتداء الأولي وقيامه في وقت سابق بنزع الأسلحة الدرزية كيف أن حسابات النظام ساهمت في المجزرة الدرزية. ويبدو أن هذا التصعيد في الضغط من النظام يشكل محاولة لإجبار هذا المجتمع الدرزي على التنبه، بما أن المحافظة الدرزية سبق أن توصلت إلى حيازة درجة عالية من الاستقلالية وإلى تفادي استهداف شبانها في التجنيد العسكري الإجباري. فهذه الاستقلالية هي التي سمحت لهذا المجتمع بتفادي النزاع وتفادي سماته الكامنة الدينية أكثر فأكثر.

غير أن الضرر الذي لحق بمصالح المجتمع الدرزي لا ينتج فحسب عن القوى الخارجية. بالأحرى، لن يتسبب بتفاقم فقدان النفوذ السياسي للمجتمع الدرزي سوى الوقائع الديمغرافية لهذا المجتمع. فقد عمل الدروز كمجتمع منغلق منذ القرن الحادي عشر ـ إذ لا تشارك هذه الجماعة معتقداتها الدينية مع من لا ينتمي إليها، ولا تقبل انضمام أعضاء جدد إليها. أما التقاليد الدرزية التي تلزم الأعضاء بالزواج من داخل الجماعة، والتي يتم تطبيقها أكثر في عزلة الجبال المحمية، فتفقد سيطرتها شيئا فشيئا على الأعضاء الشبان فيما يتمدن المجتمع الدرزي ـ مع بلوغ الأعداد 88 في المئة في لبنان. وأدت وقائع الأنماط المعيشية الجديدة، مقترنة بمعدلات الولادة المنخفضة، إلى انحصار السكان الدروز ليبلغوا نسبا منخفضة في بلدان سكنهم.

من خلال رفض إعادة النظر في التقاليد التي تردع استمرارية الهوية الدرزية، والسماح للانقسامات الداخلية بالحلول مكان المصالح الطويلة المدى، والفشل في تعزيز الأواصر العابرة للأقاليم، يبدو أنه مقدر للدروز بسلوك مسار الانحدار المتواصل. ومع فقدان الزعماء الدروز النفوذ الذي طالما كان يحمي مجتمعهم، على الدروز أن يأخذوا على محمل الجد خطر الزوال الجماعي.

منى العلمي هي صحفية لبنانية فرنسية تركز كتاباتها على القضايا السياسية والاقتصادية في العالم العربي. وقد أجرت بحثا موسعا حول الحركات الإسلامية المتطرفة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والحركات السلفية في لبنان والأردن وحزب الله وتنظيم القاعدة في غرب لبنان. العلمي هي أيضا زميل في المجلس الأطلنطي وكبير الباحثين في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

المصدر: منتدى فكرة

Related

Share

Rating

0 ( 0 reviews)

Post a Comment

Category
Author
More Options
  • Recent
  • Popular
  • Tag
Tags