أحمد أميري
على السطح في هذا الجزء من العالم، لا أثر لـ«الإخوان» اليوم، فمع انحسار موجة «الربيع العربي» التي ركبوها أملاً في بلوغ السُلطة، عاد الكثير منهم إلى مخابئهم في الأعماق المظلمة، وذهب العديد من كوادرهم خلف القضبان بعد إدانتهم في هذه الدول أو تلك عن جرائم ارتكبوها في لحظات السُكر باقتراب نجاح المخطط.
وأدى صعودهم على المنصة أيام «الربيع» إلى تسليط الضوء من الزوايا كافة على تاريخهم ونهجهم وأساليبهم وألاعيبهم، والذي كان من شأنه تنبّه الكثير من أصحاب النوايا الطيبة إلى خطورة هذه الجماعة، وتراجع الكثير من المتأثرين فكرياً بالجماعة عن الدعاية لها، خصوصاً بعد تصنيفها كتنظيم إرهابي في أكثر من دولة.
كما أن الحرب التي لم تتوقف ضد «الإرهاب»، سواء ضد الفاعلين الأصليين، أو الشركاء الداعمين لوجستياً ومالياً وإعلامياً، وصلت نيرانها إلى ثياب «الإخوان»، فالنار تعرف طريقها من دون توجيه من أحد. هذا إضافة إلى النقلة النوعية في الأفكار التي باتت تطرح في الفضاء العام العربي، والتي يعضّ «الإخوان» على أناملهم من الغيظ وهم يشهدون انتشارها وتأثيرها.
ويضاف إلى هذا وذاك، انشغال عرّابهم التركي بمشكلاته الداخلية والخارجية، وانزواء شريكهم القطري داخل جزيرته، وقطع يد حليفهم الإيراني في أكثر من موضع ومكان، كما يمكن القول إن مشروع تسليم الدول العربية لـ«الإخوان»، والذي عمل عليه بعض صناع القرار في بعض الدول الغربية، أعيد إلى الأدراج بعد أن تبيّنت صعوبة تنفيذه في الوقت الحالي.
ربما كانت هذه مجمل أسباب اختفاء «الإخوان» وخفوت صوتهم، لكن الاطمئنان إلى زوال خطر هذه الجماعة أمر سابق لأوانه، فصحيح أن الخطر «الإخواني» غير محدق الآن، لكنه كامن لم يزل، فأولاً دواعي الغضب الذي يتحوّل إلى وقود يحرك الجماهير نحو الشارع ما تزال موجودة في أكثر الدول التي انفجرت فيها أحداث «الربيع»، وإذا حدث ما حدث آنذاك، فقد يعود «الإخوان» إلى الواجهة من جديد.
كما أن تعويض الكوادر التي أودعت السجون بآخرين ليس بالأمر العسير على أي جماعة تستغل الدين، خصوصاً أن القضايا التي استغلها «الإخوان» على مدى عقود طويلة، ما تزال قابلة للاستغلال، ولم تصل المجتمعات العربية إلى درجة الوعي التي تحول من دون التلاعب بها دينياً.
وبرغم تصنيف «الإخوان» كتنظيم إرهابي في بعض الدول المهمة، فإنهم ما زالوا يمارسون لعبتهم القديمة في الكثير من البلاد العربية وغير العربية، سواء تحت لافتة تحمل اسم «الإخوان»، أو تحت لافتات أخرى. كما لا يمكن التنبؤ بمآلات العلاقة «الإخوانية» بالدول الراعية والشريكة والحليفة.
ويبقى الفكر هو العامل الحاسم في تحديد مصير «الإخوان» في البلاد العربية، فلا شيء يمكنه أن يطوي صفحة هذه الجماعة نهائياً مثل رفض أفكارها على نطاق واسع، وهو تقريباً العامل الوحيد الذي يمكن الإمساك بخيوطه من قبل النخب السياسية والثقافية والتعليمية والإعلامية، فليست هناك قوى في العالم، ولا مخططات، ولا مؤامرات، يمكنها أن ترغم مجتمعات على تقبّل جماعة تعتنق أفكاراً بالية ومخادعة ومدمرة.