رغم غياب أي تأكيد رسمي دامغ، ظهرت تقارير تشير إلى أن حكومة السيسي وممثلين عن جماعة "الإخوان المسلمين" بدأوا بمساعي مصالحة من نوع ما. فقد أورد موقع "بلومبرغ" في بادئ الأمر في شباط/فبراير أن الحكومة المصرية سعت إلى المصالحة من أجل مواجهة الخلافات الداخلية بين الحكومة وأفراد الجيش السابقين الساخطين من سياسات الرئيس السيسي. وفي تموز/يوليو، بدأت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية (تي أر تي) بنشر تقارير مفادها أن "الإخوان المسلمين" دخلوا في مفاوضات مع الحكومة المصرية لإعادة العلاقات إلى طبيعتها. وبعد أيام قليلة فقط، أشار السيسي إلى "الشائعات" و"الأخبار الكاذبة" باعتبارها التهديد الرئيسي للاستقرار في الشرق الأوسط - في انتقاد ضمني لأخبار المصالحة هذه.
وما خيّب الآمال بشكل أكبر حيال إحراز أي تقدّم في العلاقات بين السلطات المصرية و"الإخوان" كان الإعلان الأخير بأن "محكمة جنايات الجيزة" حكمت على مرشد الجماعة محمد بديع ونائبيه عصام العريان ومحمد البلتاجي بالسجن المؤبد بسبب الأدوار التي اضطلعوا بها في مواجهات "رابعة" الشهيرة عام 2014. وبعد صدور الأحكام، أصدرت جماعة "الإخوان المسلمين" بيانًا تدعو فيه إلى إجراء حوار وطني ومصالحة بين شرائح المجتمع المصري المتباينة.
لكن من شأن مصالحة محتملة أو تقارب بين الحكومة المصرية و"الإخوان" أن يخلّفا تداعيات كبيرة على تحالف عموم السنّة الحالي، حيث لا تزال وجهات النظر المتباينة حيال "الإخوان" تمثّل مسألةً شائكةً كبيرة.
ولا تزال عدة نقاط خلاف مهمة قائمة بين الحكومة و"الإخوان المسلمين". فالحكومة المصرية غاضبة من القنوات التلفزيونية الداعمة للجماعة والمتخذة من تركيا مقرًا لها التي تهاجم سياسات الحكومة المصرية على مدار الساعة، على غرار قناة "مكملين". في الموازاة، يجادل معارضو "الإخوان المسلمين" المتشددون أن الحكومة الإيرانية وقيادة الجماعة - وهما شكلان منفصلان من الإسلام السياسي - لديهما تشابهات إيديولوجية وسياسية مماثلة، ما يجعلهما حلفاء طبيعيين ضد الدول السنّية المعتدلة.
من جهة أخرى، يعتقد أفراد "الإخوان المسلمين" المسجونون والدول المتعاطفة في الشرق الأوسط أن المساعي الإقليمية الرامية إلى موازنة النفوذ الإيراني يجب تطبيقها بالتعاون مع جماعة "الإخوان المسلمين" السنية. وبالفعل، من شأن العمل نحو تحقيق تقارب متزايد بين الحكومة و"الإخوان المسلمين" أن يمنح تلقائيًا حكومة الرئيس السيسي شرعيةً أكبر ويساعد مصر على إقناع قطر وتركيا بتقليص دعمها للناطقين المصريين المنفيين باسم الجماعة.
كما سيساعد التقارب بين الحكومة المصرية و"الإخوان المسلمين" على التخفيف من حدة النزاع الإقليمي الأكبر الذي خلّف أضرارًا متزايدةً خلال السنة الماضية. يُذكر أن مصر تقع في صلب نزاع عربي-إسلامي أكبر يختمر في دول "مجلس التعاون الخليجي" والشرق الأوسط والبحر الأحمر بين الدولتين الداعمتين لـ"الإخوان المسلمين" (أي تركيا وقطر) والدول الأربع المعادية للجماعة (أي الإمارات ومصر والسعودية والبحرين). وفي غياب أي مصالحة بين المعسكرين، قد تلوح مشاكل أكبر في الأفق بالنسبة لحلفاء أمريكا من السنّة المعتدلين في العالم العربي.
ومن دون حصول تقارب، قد يبرز تحالف أقوى بين تركيا وقطر ودولة إيرانية "أعيد تأهيلها". وفي حين تمارس طهران حاليًا نفوذها من خلال مساعدة ميليشيات مارقة في الدول العربية بشكل رئيسي، يمكنها تعزيز دعمها للحكومات ذات التوجهات الإسلامية القابعة أصلًا تحت سيطرة طهران، وهي استراتيجية يمكن ملاحظتها أساسًا من خلال نظام الأسد وتواجد "حزب الله" المتزايد في البرلمان اللبناني. وقد سبق وتمّ دفع قطر في هذا الاتجاه من خلال الأزمة الخليجية القائمة، التي تمّ من خلالها استئناف كامل العلاقات الدبلوماسية مع إيران ودعوة وفود من "الحرس الثوري" الإيراني إلى الدوحة في مناسبات عدة.
في هذه الأثناء، يتعاون ممثلو الجيش التركي والإيراني من أجل القضاء على التهديدات العسكرية الكردية في المنطقة. وحتى وإن كانت إيران تعاني جراء إعادة فرض العقوبات من أجل خفض الدعم المقدم إلى المنظمات الإرهابية والقوى شبه العسكرية مقابل رفع العقوبات، قد تحاول هذه الدول الثلاث إبعاد لبنان والعراق كليًا عن السعودية عقب التقارب البارز بين الرياض وبغداد والمصالحة التي تحققت بشق النفس مع الفصائل السياسية اللبنانية بعد محنة موجزة مع رئيس الوزراء الحريري.
ومن شأن تعزيز الجهود الرامية إلى إيجاد حل دائم للشرخ العربي حول دور الإسلاموية في الحكومة أن يفتح الباب أيضًا أمام حوار يرمي إلى معالجة التحديات الأكبر التي يطرحها التطرف والإرهاب والعنف في الشرق الأوسط. ومنذ ثلاثينيات القرن الماضي، استقت جماعات على غرار "الإخوان المسلمين" الدعم والإلهام من رجال الدين أمثال المؤسس الروحي لجماعة "الإخوان المسلمين" حسن البنا والقائد الحالي لـ"الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" يوسف القرضاوي، اللذين بررا استعمال النزاع المسلح لإسقاط الاستبداد في الشرق الأوسط.
وما لم تعمل الحكومات على تبديد مخاوف القادة الإسلاميين، سيبقى هذا المبرر باللجوء إلى النزاع المسلح دعوةً ضد القيادة السياسية للبلاد، مع الإشارة إلى أن التاريخ أثبت بدوره ضرورة إشراك علماء الدين والجماعات القائمة على الدين في الصراعات ذات البعد الديني. فعلى سبيل المثال، تجنب القادة السياسيون والدينيون الاعتراف بأن الصراع الإيرلندي الداخلي تضمن أبعادًا دينيةً خلال السنوات الثلاثين الأولى من "الاضطرابات" التي عصفت بالبلاد. وفقط عندما أقر رجال الدين بدور الاستقطاب الديني في الصراع، بدأت حدة الصراع بالانحسار، حيث أن الطرفين المتنازعين تمكنا بشكل مناسب من معالجة مجموعة كاملة من المشاكل التي أججت النزاع. ويُعتبر إرغام رجال الدين المسلمين على الموافقة على أن الصراع والإرهاب لن يثمرا على الصعيد السياسي في العالمين العربي والإسلامي محفزًا كافيًا للولايات المتحدة للدفع باتجاه إطلاق حوار بين الدول ذات الغالبية السنّية في العالمين العربي والإسلامي.
وقد قاومت الولايات المتحدة وبريطانيا ودول غربية أخرى تصنيف جماعة "الإخوان المسلمين" منظمةً إرهابية، خشية أن يؤدي ذلك إلى المزيد من الاضطرابات وأعمال العنف في الشرق الأوسط. وعلى الولايات المتحدة استخدام ورقة المساومة هذه لممارسة الضغط على الجماعات الإسلامية التي لا تزال تربطها علاقات مع الغرب بغية التوصل إلى مصالحة فعلية مع الدول السنّية المعتدلة. وفي حال كانت الولايات المتحدة لتصنّف الجماعة على اللائحة السوداء، قد تشعر المملكة المتحدة - التي تُعتبر حاليًا معقل الجمعيات الخيرية والمنظمات التابعة لـ"الإخوان المسلمين"، أيضًا بأنها مرغمة على قمع الجماعة. وفي حين قد يقول المرء إن القضاء بالكامل على الجماعة هو الاستراتيجية الأفضل لإحلال السلام في الشرق الأوسط، قد تخلّف الخطوة نتائج عكسية وتؤدي إلى المزيد من العنف والفوضى. وقد تتعاون الولايات المتحدة مع الحلفاء السنّة المعتدلين لتعيين إسلاميين تكنوقراط تلقوا تدريبهم وتعليمهم في الغرب في مناصب في قطاع المال والهندسة المدنية والبناء وتكنولوجيا المعلومات في منطقة تعاني نواقص كبيرة على صعيد الابتكار والتطور العلميين. وستتطلب أي مصالحة من الجماعات الإسلامية التوقف عن استعمال التحريض لممارسة الضغوطات على الدول العربية العلمانية لتقبل بالانتقال "الديمقراطي".
وفي حين تمثل جماعة "الإخوان المسلمين" إحدى الكتل الأساسية التي تعيق التماسك الإقليمي، سيستفيد أي تحالف في المنطقة من دمج القادة الدينيين بشكل أوسع أيضًا. وحاليًا، تروّج إدارة ترامب لمفهوم تحالف أمني إقليمي للتصدي للنفوذ الإيراني على شكل "حلف الناتو في الشرق الأوسط" سيشمل دول "مجلس التعاون الخليجي" والأردن ومصر. وبينما يعُتبر توسيع التعاون بين الدول خطوةً مهمةً وإيجابيةً للبدء بالتصدي للنفوذ الإيراني، لا تمثل المبادرة حلًا لسياسات الدول التي تسهل بشكل مباشر أو غير مباشر هذا النفوذ.
وفي ظل غياب أي حوار أشمل يضم المنظمات والمؤسسات غير الحكومية المؤثرة على غرار "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" (المدعوم من تركيا وقطر) والأزهر (المدعوم من السعودية ومصر) لمناقشة مخاطر الإسلام السياسي العنيف بصراحة، ستبقى المنطقة تتخبط بسبب الصراعات المحلية الدائرة في ليبيا والعراق وسوريا واليمن ولبنان وغيرها من الدول.
ولعل فتوى واحدة اشترك العلماء في كتابتها وتدعو الإرهابيين إلى التخلي عن أسلحتهم قد تساعد على خفض نفوذ الشخصيات الدينية المتطرفة، وتشجيع المصالحة والقضاء على احتمال اندلاع حرب إقليمية جديدة. علاوةً على ذلك، قد يكون السعي إلى تطوير حوار أشمل الخطوة الأولى باتجاه تحفيز "التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب" الذي تم تشكيله في الرياض في كانون الأول/ديسمبر 2015. وإن كان هذا التحالف ليُثمر عمليًا ونظريًا على السواء، قد تنشر القوات المجتمعة للجيوش على غرار تركيا وباكستان والسعودية والأردن في نهاية المطاف جنودها لإرساء الاستقرار في المناطق التي تتأثر بشكل كبير بالعنف والإرهاب - لكن فقط في حال تمكنت هذه الجماعات من حلّ خلافاتها.
داني الطهراوي، يعمل كمحرر لجريدة "العراق مونيتور" منذ عام 2014.