ميرفت عوف
في العاشر من أغسطس (آب) 2016، اختار عشرات البهائيين اليمنيين مؤسسة «يمن جود» الكائنة بصنعاء لإقامة ملتقىً خاص بهم، وفي خضم فعاليات هذا النشاط داهمت قوة من جهاز الأمن القومي التابع للحوثيين المكان.
اعتقلت القوات الحوثية النساء والفتيات والأطفال والرجال، فكان مجموع من تم اعتقالهم 67 شخصًا، وجّهت لهم تهمة «نشر الدين البهائي وتحريض المسلمين على الخروج من الإسلام واعتناق البهائية»، لم تكن هذه الحادثة، إلا واحدةً بين جملة من الانتهاكات المستمرة ضد هذه الأقلية الصغيرة للغاية التي تشكل 1% فقط من نسبة سكان اليمن، وقد وصل الأمر قبل أيام لحد التحذير من قرب صدور حكم بالإعدام ضد 24 بهائيًا في اليمن وجهت لهم تهم خطيرة، وهو اضطهاد يربطه المراقبون بما يحدث لهذه الطائفة في الدولة الرئيسة التي تدعم الحوثيين، فإيران أيضًا تمتلك سجلًّا طويلًا من الانتهاكات ضد البهائيين منذ مئات السنين.
ما بعد الثورة اليمنية.. البهائيون والاضطهاد الممنهج
في الثالث من ديسمبر (كانون الأول) 2013، اقتحم مسلحون حوثيون شركة الغاز الطبيعي المسال، واعتقلوا حامد حيدرة (52 عامًا) أحد أبرز وجوه البهائية في اليمن، وقضى الرجل في الاختفاء القسري تسعة شهور، قبل أن يحال إلى محكمة أمن الدولة اليمنية.
حامد حيدرة – المصدر: ھیومن رایتس ووتش
وبقي حيدرة في السجن دون تهمة حتى الثامن من يناير (كانون الثاني) 2015، حين صدرت لائحة اتهام ضده، جاء فيها أن النيابة الجزائية المتخصصة تتهمه بـ«الإساءة للإسلام وبالتواصل مع إسرائيل»، مرتكزة بهذه التهمة على مراسلات البهائيين مع المركز العالمي للبهائية الواقع في مدينة حيفا المحتلة، كما اتهم حيدرة بتزوير وثائق جنسيته اليمنية، على اعتبار أنه مواطن إيراني اسمه «حامد ميرزا كمالي سروستاني» حسب ذات النيابة، وذلك بالرغم من وجود وثائق قانونية تؤكد جنسيته اليمنية.
وأكدت شهادات جمعتها منظمة «ھیومن رایتس ووتش» أن حيدرة تعرض لسوء معاملة خلال احتجازه، وأُجبر علی توقیع وثائق لم يرَ فحواها، وقام الضباط بضربه وصعقوه بالكهرباء، كما أنه احتُجز بمعزل عن العالم الخارجي لمدة تسعة أشهر قبل نقله إلى سجن صنعاء المركزي، وكذلك تم منعه من الحصول على العلاج، كما تمّت المماطلة في مواعيد محاكمته، وأوقف راتبه أيضًا، وكذلك منع من حضور عدد من الجلسات الخاصة به، وفي فبراير (شباط) الماضي حكم على حيدرة بالإعدام من قبل المحكمة الجزائية بصنعاء، وخرجت معلومات تتحدث أن الحوثيين نفذوا حكم الإعدام في حيدرة بعد صدور الحكم مباشرة، إلا أن مصادر أخرى نفت تنفيذ الحكم.
بشكل عام، يعتبر البــهائيون في اليمن الضحية الأحدث للحوثيين، فبالرغم من أن الاضطهاد على هذه الطائفة في اليمن مورس منذ العام 2008؛ إذ تعرضوا للاضطهاد بسبب معتقداتهم في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح، إلا أنهم لم يتعرضوا لاضطهاد جماعي ممنهج كما يحدث حاليًا على يد الحوثيين، فما يقرب من ألفيْ شخص الآن هم مجموع البهائيين باليمن تمارس عليهم جملة الانتهاكات، بحسب المراقبين الحقوقيين.
خلال السنوات الثلاث الماضية، اعتقل الحوثيون عددًا كبيرًا من البهائيين، وأخفوهم قسريًا، واحتجزوا العديد منهم، دون تهمة، وآخرون حوكموا في محاكم الجزاء التي تتخذ من صنعاء مقرًا لها؛ الأمر الذي جعل البهائيين يعيشون في خوف دائم من أن يتم القبض عليهم في أية لحظة، بل إنهم متخوفون من احتجاز أبنائهم أيضًا، كما يتخوف البهائيون من حل مؤسساتهم قانونيًا.
تقول سيدة بهائية هاجرت مع زوجها خارج اليمن: «الأمور بدأت تسوء بالنسبة لأتباع البهائية باليمن في عام 2013، وهي مستمرة حتى اليمن، فقد اعتقلت مع 65 بهائيًا لمدة تقارب الشهر في العام 2016»، وتتابع القول: «نظّمنا ورشة حضرها شباب من مختلف محافظات اليمن، هدفها نشر ثقافة السلام، فداهمتنا قوى الأمن التي أوقفتنا بشكل انتهك كرامتنا. كل من حققوا معنا كانوا حوثيين، وكانت تهمتنا حسب ما قيل لنا هي أننا «ندعو إلى السلم والبلد في حرب»، وتضيف: «تمت مداهمة منازلنا وصُودرت بعض ممتلكاتنا الصغيرة، روّعوا أطفالنا وأخبروهم أن آباءهم سيعدمون، بل إن أحد الضباط الحوثيين هدّدني، وبقية البهائيين بالتصفية الجسدية».
وتعد أحدث الانتهاكات التي وثقتها الجهات الحقوقية بحق البهائيين هي قرب صدور أحكام بالإعدام على 24 منهم – بينهم ثماني نساء وطفل – من قبل المحكمة الجنائية المتخصّصة التي يسيطر عليها الحوثيون في صنعاء، والتي وجّهت تهمًا خطيرة لهؤلاء، تقول مديرة البحوث في برنامج الشرق الأوسط بـ«منظمة العفو الدولية» لين معلوف: «مرة أخرى، نشهد تهمًا ملفّقةً وإجراءات غير عادلة بشكل صارخ تستخدم لاضطهاد البهائيين اليمنيين بسبب ديانتهم. ومن المثير للاستنكار بشكل خاص أن بعض هؤلاء الرجال والنساء قد يواجهون عقوبة الإعدام بسبب معتقداتهم وأنشطتهم السلمية».
وتابعت القول في يوم الثامن عشر من الشهر الحالي: «لقد اتُهمت المجموعة، التي تضم فتاة صغيرة، بارتكاب جرائم خطيرة مختلفة، بما في ذلك التجسس لمصلحة دول أجنبية، وبعضها يمكن أن يحمل عقوبة الإعدام. فيجب على السلطات الحوثية إسقاط هذه التهم المزيفة، والإفراج عن هؤلاء الذين اعتقلوا بشكل تعسفي، ووضع حد لإساءة استخدامها لنظام العدالة لمعاقبة حرية الاعتقاد، وملاحقة النشطاء السياسيين والصحافيين والناشطين والبهائيين والأقليات الأخرى».
الحوثيون.. أكثر من ينتهك حقوق البهائيين
"اليوم استجد في ساحتنا اليمنية نشاط جديد يأتي ضمن الحرب، هو نشاط البهائية.. هذا القادم وهذا الوافد الشيطاني إلى بلدنا يطعن في الإسلام بكل صراحة ووضوح". كانت هذه كلمات زعيم جماعة الحوثي في اليمن عبد الملك الحوثي على منبر صلاة الجمعة في مارس (آذار) الماضي، ثم تابع الحوثي القول: «أين منشأ هذا النشاط؟ انطلاقته ومنبعه يتجه من مدينة عكا في فلسطين المحتلة، إسرائيل تحتضن هذا التحرك، ترعى هذا التحرك، تؤمن لهذا التحرك الحرية الكاملة لينطلق من هناك».
يشكل قول الزعيم الحوثي عداءً معلنًا ضد البهائيين، فالحوثيون هم أكثر من ينتهك حقوق البهائيين في اليمن؛ إذ إن حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ورغم عجزها عن حمايتهم، التزمت لحد كبير بمعاهدات دولية لحماية الأقليات، بل أنها حاولت الاستفادة من ورقة البهائيين في محاصرة الحوثيين أمام المؤسسات الحقوقية الدولية.
تقول الناشطة الحقوقية إيولينا أوشاب (Ewelina U. Ochab) في مقالها «حالة البهائيين في اليمن»: «الأعمال ضد الطائفة البهائية في اليمن تشبه الأساليب التي تستخدمها الحكومة الإيرانية ضد الطائفة البهائية في إيران، لكن يجب التأكيد أن الوضع في اليمن أكثر حدة، فهو يرتبط ارتباطًا وثيقًا بحجم الجالية البهائية في اليمن، كأقلية صغيرة جدًا في اليمن، إذ إنه بالنظر إلى أساليب الاضطهاد التي تُستخدم حاليًا ضدهم، يرجع أن الأمر سيؤدي قريبًا إلى إبادتهم كليًا أو جزئيًا».
وتضيف أوشابر: «ينبغي بذل المزيد لحماية الأقلية وضمان الحفاظ عليها، خاصة أن اليمن منضم إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في عام 1987، ومن ثم فإنه يقع حماية الحق في حرية الدين أو المعتقد، بما في ذلك الأقليات مثل البهائيين».
وبحسب الموقع الإلكتروني «البهائيون في اليمن»، فإن تواجد هذه الطائفة في اليمن ليس حديثًا، بل يرجع إلى عشرات السنوات، إذ جاء في الموقع: «مرّ البهائيون بأرض اليمن السعيد، وتتابع احتكاك أهلها الكرام بهم – خصوصًا خلال تلك الفترة التي أمرت فيها السلطات العثمانية بسجن حضرة بهاء الله في سجن عكا بفلسطين – حيث عادت شواطئ وموانئ اليمن لتشهد مرور أعداد متزايدة من المؤمنين الأوائل بالدين البهائي، والمحبين لحضرته، والمنجذبين إلى آياته وكلماته. فالمسار المائي عبر بحر العرب، وباب المندب، والبحر الأحمر، هو الطريق الذي سلكه جمّ غفير من أهل المشرق القاصدين زيارة حضرة بهاء الله في سجنه!».
وجاء في الموقع أيضًا أنه «منذ فجر التاريخ واليمن موئل الحضارات والتنوع والتعايش وقبول الآخر. وكما كانت أرض السعيد سبّاقة إلى احتضان مختلف الأديان والطوائف (كالإسلام، واليهودية، والمسيحية، والزرادشتية، وغيرها)، فقد احتضنت الدين الجديد بالروح الإيمانية نفسها التوّاقة إلى نور الحقيقة».
هل تدفع إيران الحوثيين نحو اضطهاد البهائيين؟
كنا نخشى من إبادة جماعية للبهائيين، الحوثيون يطبقون سياسات إيران في اضطهاد هذه الأقلية.
هذا ما قالته سيدة بهائية تدعي «روحية» تركت اليمن جرّاء ما تعرضت له من اضطهاد وغادرت نحو إحدى البلاد الغربية
لقد ارتبطت مضايقة الحوثيين للبهائيين في اليمن بالاضطهاد الإيراني لهذه الطائفة في طهران التي تدعم الحوثيين؛ إذ بدأت رحلة القمع الإيراني لهذه الطائفة مبكرًا، لكون البهائية خرجت من رحم الطائفة الشيعية الإيرانية في العام 1844، ففي هذا العام أعلن الايراني سيد علي بن محمد رضا الشيرازي، بأنه صاحب رسالة إلهيَّة، وأنه واحد من الرسل، وفي عام 1852 خرج أحد أتباع الرجل برؤيا للوحي وعلى إثرها لقب نفسه بهاء الله، وفي عام 1863 أسست هذه الديانة، فتعرض بهاء الله للنفي، وكتب في منفاه «الكتاب الأقدس» الذي يعتمد البهائيين باعتباره أهم الكتب المقدسة بالنسبة لهم.
وبعد ثورة عام 1979 أعدمت إيران ما يقرب من 200 من القادة البهائيين، وسجنت الآلاف منهم، وفي عام 1980 صدر قرار بمنع البهائيين من التعليم، وحلت على إثره جامعات مستقلة تابعة لهم، واعتقل أساتذة منهم لفترات طويلة، وبذلك حرمت طهران العديد من شباب البهائيين من التعليم والعمل بقرار صادر من جانب المجلس الأعلى للثورة الثقافية؛ مما دفع الكثير منهم لترك بلادهم، كما صودرت أموالهم، وحتى قتل بعضهم خارج إطار القانون، ويعتقل البهائيون الآن في إيران بحكم حرمان القانون الإيراني لهم من حرية التدين، وفي عام 1991 دعت مذكرة رسمية للقضاء على البهائيين ليس في إيران فحسب، وإنما خارج حدودها، ولذلك ارتبط التضييق على الطائفية البهائية باليمن بحالة القمع ضدهم في إيران؛ إذ تؤكد بعض المصادر اليمنية على أن اعتقال البهائيين في اليمن يتم بتوجيه من السلطات الإيرانية.
وتعتمد إيران على تخوفاتها من البهائيين بأن لهم مقر عالمي في حيفا في الأراضي المحتلة عام 1948، وهو ما يعني بالنسبة لطهران ارتباطهم بالحكومة الإسرائيلية، وتؤكد مصادر الدين البهائي أن ما بين خمسة إلى سبعة ملايين بهائي يتواجدون في أكثر من 200 دولة حول العالم، يعتمدون على مقر الهيئة الإدارية الموجود في حيفا.
المصادر
ساسة بوست