دعوة سلفية وحقيقة صوفية"... كيف أثّرت الصوفية الحصافية في منهج وفكر الإخوان المسلمين؟ - Articles
Latest Articles

دعوة سلفية وحقيقة صوفية"... كيف أثّرت الصوفية الحصافية في منهج وفكر الإخوان المسلمين؟

دعوة سلفية وحقيقة صوفية"... كيف أثّرت الصوفية الحصافية في منهج وفكر الإخوان المسلمين؟

عبد الله مفتاح

كان مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا منخرطاً، وهو في الـ14 من عمره، في طريقة صوفية تُعرَف بـ"الحصافية"، وكانت منتشرة وقتها في محافظة البحيرة، وتحديداً في دمنهور وقريته المحمودية حيث كان يقطن.

أخذ البنا عن مشايخ الحصافية، وأثّرت نزعتها الصوفية في شخصيته، فارتدى العمامة والعباءة البيضاء واصطبغت رؤيته للأمور بالصبغة الصوفية، وانعكس ذلك على الجماعة التي أسسها عام 1928.

كيف انضم البنا إلى الحصافية؟

يعرّف الصوفيون مذهبهم بشكل عام بأنه طريق يسلكونه للوصول إلى الله، عبر العبادات وتهذيب النفس وتطهير القلب، وتعود جذور الطرق الصوفية في مصر إلى القرنين الثالث والرابع الهجريين، وتنتشر في جميع أرجائها.

و"الحصافية" طريقة صوفية تُنسب إلى حسنين الحصافي، شيخ الطريقة الأول و"كان عالماً أزهرياً تفقّه على مذهب الإمام الشافعي ودرس علوم الدين دراسة واسعة وامتلأ منها وتضلع فيها ثم تلقى بعد ذلك الطريق على كثير من شيوخ عصره"، بحسب ما وصفه البنا في كتابه "مذكرات الدعوة والداعية".

والآن، شيخ الحصافية هو محمد أبو الأسرار الحصافي، وهو رجل مسن ومنطوٍ على نفسه ولا يتحدث للإعلام كثيراً، ويسكن في القاهرة، أما مريدوها فصاروا قلة ويكادون ينحصرون بمجموعة ترتاد "مسجد الحصافي" في دمنهور.

تنتمي الحصافية إلى الطريقة الشاذلية، نسبةً إلى أبي الحسن الشاذلي، وهو مغربي الأصل تفقّه وتصوّف في تونس، ثم سكن في الإسكندرية، ويتهمها السلفيون، كما يتهمون معظم الجماعات الصوفية، بأنها تعظّم الأضرحة إلى درجة العبودية، وتتوسل إلى غير الله.

يتحدث مؤسس الإخوان عن انضمامه إلى الطريقة الحصافية في كتابه "مذكرات الدعوة والداعية" ويقول: "في المسجد الصغير رأيت ‘الإخوان الحصافية’ يذكرون الله تعالى عقب صلاة العشاء من كل ليلة، وكنت مواظباً على حضور درس الشيخ زهران رحمه الله بين المغرب والعشاء (مدير مدرسة الرشاد الذي التحق بها وهو في سن دون الثانية عشر)، فاجتذبتني حلقة الذكر بأصواتها المنسقة ونشيدها الجميل وروحانيتها الفياضة، وسماحة هؤلاء الذاكرين من شيوخ فضلاء وشباب صالحين، وتواضعهم لهؤلاء الصبية الصغار الذين اقتحموا عليهم مجلسهم ليشاركوهم ذكر الله تبارك وتعالى، فواظبت عليها هي الأخرى. وتوطدت الصلات بيني وبين شباب هؤلاء الإخوان الحصافية".

ويضيف: "أخذ اسم الشيخ الحصافي يتردد على الأذن فيكون له أجلّ وقع في أعماق القلب وأخذ الشوق والحنين إلى رؤية الشيخ والجلوس إليه والأخذ عنه يتجدد حيناً بعد حين، وأخذت أواظب على الوظيفة الروحية صباحاً ومساء، ولم تكن هذه الوظيفة أكثر من آيات من الكتاب الكريم، وأحاديث من أدعية الصباح والمساء التي وردت في كتب السنة تقريباً، ليس فيها شيء من الألفاظ الأعجمية أو التراكيب الفلسفية أو العبارات التي هي إلى الشطحات أقرب منها إلى الدعوات".

كيف أثّرت الحصافية على الإخوان؟

يقول أمين عام اتحاد القوى الصوفية عبد الله الناصر حلمي لرصيف22 إن البنا "استغل القيم والمثل العليا التي تقوم عليها الطريقة الصوفية ووظفها في جماعته، فكان البناء التأسيسي للإخوان على نفس النسق التنظيمي للطرق الصوفية التي اتبعها في فترة العشرينيات، فمثلاً، كان لكل طريقة شيخها ونائبة، وعلى هذا الغرار أقام البنا جماعته: مرشد عام للجماعة ونائب للمرشد، بنفس فكرة الطرق الصوفية".

ليس بناء الصوفية التنظيمي فحسب ما أثّر في النظام التربوي للجماعة، بل حصل تأثير بنزعتها الروحانية مثل "الاعتكاف والتربية والأذكار" واتباع مبدأ السمع والطاعة الذي كان سائداً بين الشيخ ومريده وقتها، إذ كان الأخير كالجثة بين يدي مغسله، حسبما يقول الباحث في شؤون الإسلام السياسي والقيادي السابق في الجماعة الإسلامية ناجح إبراهيم لرصيف22.

لكن مع مرور الوقت، بحسب حلمي، راحت هذه العادات الحسنة تنسلخ شيئاً فشيئاً عن الجماعة، منذ أن بدأت تغوص في أعماق السياسة حتى وصلت إلى تكوين تنظيم مسلح وانتهاج أسلوب اغتيال المعارضين، فابتعدت بالكامل عن أسلوب ونهج الطرق الصوفية.

علامات تأثّر البنا بالتصوف

يروي الشيخ أحمد السكري وهو من مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين، في كتابه "حوار العصر من أجل مصر": "كنا في القاهرة نزور أولياء الله الصالحين وكان عبد الرحمن البنا، شقيق حسن البنا، محباً للصوفية أيضاً واعتدنا زيارة الإمام الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة".

ويعلّق أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة إدنبرة في المملكة المتحدة محمد فريد الشيال على صوفية البنا بقوله إن الحصافية أبعد ما تكون عن البدع والخرافات، ومؤسسها كان يميل إلى الأخذ بطريقة السلف في اتباع سنة الرسول في كل الأمور، وكان منفتحاً على العالم ويدعو أتباعه إلى استعمال العقل والابتعاد عن الخلافات والجدل العقيم الذي لا طائل منه.

وكان لدراسة الصوفية أثر على شخصية حسن البنا وتكوينه واستفاد من هذه التجربة عند تأسيسه جماعة الإخوان، وعبّر عن هذه العلاقة من خلال مقولته الشهيرة: "نحن دعوة سلفية، وطريقه سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، وروابط علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية".

ماذا يعرف الإخوان عن الحصافية؟

يقول القيادي الإخواني البارز وأمين لجنة العلاقات الخارجية في حزب الحرية والعدالة محمد سودان إن منهج الجماعة يعتمد أساساً علي العقيدة الصحيحة دون أي غلو أو بدع.

وعن مدى تأثر الجماعة بأفكار ومنهج الحصافية، يوضح سودان لرصيف22: "لا يحضر أي شيء من الحصافية في مناهج الإخوان الآن، لكن هناك ما تبقى من ذلك مثل أذكار الصباح والمساء وأذكار ما قبل النوم ورد الاستغفار".

ويشير إلى أن منهج الجماعة يربي النشء على الرقائق من "قصة وموعظة ترقق القلب وتدفعه إلى التوبة" والتجمع في صلاة التهجد وقيام الليل والمحافظة على صيام يومي الاثنين والخميس والحفاظ على الورد القرآني اليومي وعيادة المريض وقضاء حوائج الناس بلا مقابل وغيرها من الأمور الكثيرة التي تعمل على رفع إيمانيات الإخوانيين.

حقيقة طرد البنا من الحصافية

يقول مهتمون بالطرق الصوفية إنه حينما شرع حسن البنا في تأسيس جماعة الإخوان، نصحه الشيخ عبد الوهاب الحصافي بعدم إنشائها، مستشهدين بما ذكره البنا نفسه في مذكراته.

كتب البنا: "استمرت صلتنا على أحسن حال بشيخنا السيد عبد الوهاب حتى أنشئت جمعيات الإخوان المسلمين وانتشرت، وكان له فيها رأي ولنا فيها رأي، وانحاز كل إلى رأيه، ولا زلنا نحفظ للسيد، جزاه الله عنا خيراً، أجل ما يحفظ مريد محب مخلص لشيخ عالم عامل تقي، نصح فأخلص النصيحة وأرشد فأحسن الإرشاد".

يؤكد حلمي وجود خلاف بين حسن البنا وشيخ الطريقة الحصافية تطوّر إلى طرد الأول، وينقل هذه الرواية عن حفيد مؤسس الطريقة الحصافية أحمد فتحي الحصافي الذي توفي قبل نحو عامين.

وأوضح حلمي لرصيف22 أن سبب ذلك هو أن البنا كانت له أغراض أخرى خارج الطريقة منذ صغره مثل اهتمامه بالأمور السياسية وسعيه لتأسيس جماعة على غير عادة الطرق التي تأسست على "قال الله ورسوله"، ونبهه شيخ الطريقة وقتها إلى ذلك أكثر من مرة لكنه لم يستمع إليه، فما كان منه إلا أن طرده.

لكن سودان رد على ذلك قائلاً: "هذا الكلام عارٍ عن الصحة. كانت انشغالات الإمام أكبر من حجم وأفكار الطريقة الحصافية الصوفية. بالنسبة للإخوان هي إحدى وسائل التغذية الروحية للنفس وهذا ما يفسر تركه للصوفية".

بما تتميز الحصافية؟

يقول شيخ الطريقة الشبراوية عبد الخالق الشبراوي لرصيف22 إن الطرق الصوفية تشبه بعضها، فكلهم يتبعون نهج رسول الله والجميع يبغي القرب من الله والتنافس بينهم شريف.

ولفت الشبراوي إلى أن البنا حينما قرر التغلل في الطرق الصوفية كان يقصد تعلم الأسلوب العلمي ونقل منهجها إلى الجماعة التي كان ينوي تأسيسها.

يعقب القيادي الإخواني البارز أشرف عبد الغفار على ذلك ويقول إن الأصل في التصوف هو الزهد في الدنيا دون اعتزالها والاجتهاد في العبادات قدر المستطاع و"لكن في مصر اختلفت الأمور كثيراً فأصبحت الطريقة هي رؤية الشيخ دون غيره والاتباع الأعمى دون النظر والتفكير في مالآت الأمور وعدم التداخل مع أمور الدنيا وهذا مخالفه صريحة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك سبب ترك الإمام البنا لطريقته الحصافية".

يعتبر عبد العفار أن الطرق الصوفية الحالية في مصر، ومنذ زمن، أضحت مناخاً لعدم العمل وتديناً على غير ما أمر به الله، بينما يشيد بالطريقة النقشبندية في تركيا وبالتحديد بما يرويه عن تكليف شيخها لنجم الدين أربكان بالدخول في معترك السياسة والاقتصاد.

ويقول لرصيف22: "حرص الإمام البنا بعبقريته على أن يأخذ من كل شيء أحسنه، فكانت التربيه الروحيه عند الإخوان مأخوذة من صحيح التصوف من أوراد وأذكار وقيام ليل وصيام نفل ومخيمات تربويه فيها التقشف وتحمّل الصعوبات وهذا ما جعل للإخوان سماتهم التربوية المحمودة".

ويتابع أن أغلب الطرق الصوفية، وبالأخص في مصر، "بعيدة كل البعد عن مقصود الإسلام من الإنسان وتحوّلت دون أن تدري عن طريق المستعمر الإنكليزي والحكام الذين أتوا بالوكالة عنه إلى كيان يُستخدم عند الحاجه واختلطت قصه أهل البيت بالصوفية بالشيعة اختلاطاً يثير الريبه إضافة إلى مواقفهم من أي شيء وهو اللاموقف، نأياً بالنفس عن أية مخالفه للحاكم وإنْ كان قاتلاً وإنْ كان فاسقاً وإنْ كان خائناً، وليس هذا هو الإسلام".

ويضيف: "العالم كله يتمنى اليوم الذي تنكمش فيه جماعة الإخوان إلى طريقة صوفية وتتخذ هذا المسار الذي يرضي العدو قبل الصديق، أي إسلام بلا لون ولا طعم ولا رائحة".

ويردّ شيخ الطريقة الشرنوبية محمد عبد المجيد الشرنوبي على كلام عبد الغفار بقوله إن "الاتباع الأعمى والارتباط بالمشايخ كان قديماً، أما الآن مع دخول وسائل الإعلام وما يشهده العالم من تطور، باتت الأمور مغايرة تماماً".

وأوضح لرصيف22 أن الحركات الصوفية لا تتعمق في السياسة لأن للسياسة أغراض دنيوية بينما الصوفية تتعالى عن ذلك بهدف ديني، غير أن البعض القليل منها يعملون في السياسة والاقتصاد.

توسعت جماعة الإخوان بينما الحصافية تكاد تختفي. الآن، يشير الخبير في شؤون الجماعات الدينية سامح عيد إلى انعزال وتقوقع الحصافية داخل دمنهور.

ويقول لرصيف22: "صارت محصورة داخل جامع الحصافي في دمنهور وأصبحت غير معروفة فلم نعد نسمع عن مولد الحصافي مثلما نسمع عن مولد سيد البدوي"، هو أحد أشهر أئمة الصوفية وتنسب إليه الطريقة البدوية الصوفية ويحيي المصريون ذكرى مولده كل عام.

رصيف 22

Related

Share

Rating

0 ( 0 reviews)

Post a Comment

Category
Author
More Options
  • Recent
  • Popular
  • Tag
Tags