من تقديم الدعم للأزواج وصولاً إلى التخطيط للعمليات الإرهابية وصنع القنابل، ما هو الدور الذي تلعبه النساء في الجماعات الإرهابية؟ وما هي الأسباب التي تجعل المرأة تقرر الدخول في هذه المنظمات؟
من الشاشة إلى الواقع
حقق مسلسل Bodyguard البريطاني شعبيةً كبيرةً في المملكة المتحدة بحيث أن تابعه أكثر من 10.9 مليون شخص، وفي حين أن القصة الرئيسية تدور حول محاربٍ سابقٍ يجد نفسه ممزقاً بين واجباته ومعتقداته خاصة بعد تعيينه لحماية وزير الداخلية، إلا أن المسلسل اتخذ بعداً آخر من خلال التركيز على دور إمرأة مسلمة اتّضح أنها العقل المدبّر للإرهاب والخبيرة في صنع القنابل: "يراني الجميع كإمرأةٍ مسلمة مضطهدة. أنا مهندسة. أنا جهادية".
وبالرغم من أن العديد من الآراء انتقدت شخصية "ناديا" واعتبرت أن المسلسل يجسد "الإسلاموفوبيا" ويعكس مخاطر اعتبار جميع المتطرفات "ضحايا" أو "عرائس جهادية" تم إجبارهنّ على الانضمام إلى الجماعات الإرهابية والعيش في حلمٍ رومانسي زائف، فإن "أنجلي موهيندرا"، صاحبة هذه الشخصية الإرهابية أكدت لصحيفة التلغراف أن الدور كان قوياً ونافذاً.
ومن خلال هذا المسلسل المليء بالتشويق وبالأحداث المتسارعة، فتح باب الجدل حول حقيقة دور النساء ودوافعهنّ في صلب الجماعات الإرهابية.
تصاعد دور المرأة في الإرهاب
يزعم تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" أن المرأة لها نفس أهمية الرجل في العمليات الجهادية، وبناءً على ذلك كان التنظيم قد وجه عدة نداءات يدعو من خلالها النساء من حول العالم إلى الانضمام للحرب في سوريا والعراق، واللافت أن هذه المناشدات نجحت إلى حدٍّ ما بحيث أنها جعلت العديد من النساء يلبين النداء وينخرطن في صفوف الجهاديين.
ففي العام 2005، انضم العديد من النساء والفتيات، بكامل إرادتهنّ، إلى الدولة الإسلامية، وفي حين أن البعض منهنّ فعل ذلك ضمن مجموعات على غرار "أميرة عباس"، فإن البعض الآخر قرر السفر والالتحاق بداعش مع أسرهنّ وأطفالهنّ.
في هذا الصدد حاول مقال على موقع "middle east institute"، دحض كل المزاعم التي تفترض أن المرأة نادراً ما تشارك في العمليات الإرهابية وفي حال فعلت ذلك فإن دورها يكون هامشياً ضمن الجماعات المتطرفة، مستنداً إلى ما قالته الكاتبة "ميا بلوم" بأن النساء لسن "ضحايا بائسات" أو مجرد "متفرجات" بل لاعبات فاعلات في الحركات الإرهابية.
واعتبرت "بلوم" أن مشاركة المرأة في الجماعات المتطرفة العنيفة ليست ظاهرة غير عادية، إذ بين عامي 1985 و2010 شاركت النساء في أكثر من 257 هجمةٍ انتحاريةٍ أي حوالي ربع العمليات الإرهابية في جميع أنحاء العالم، مشيرةً إلى أن "الأدبيات المتعلقة بالمرأة في الجماعات الإرهابية المتطرفة هي قليلة نسبياً، إذ لا يمكن فهم تفاصيل المنظمات التي تشجع العضوية النسائية"، أما سبب هذه الفجوة المعرفية فيعود جزئياً إلى الصعوبات التي يواجهها الباحثون في الحصول على معلوماتٍ من المقاتلات الإناث، لأنه من أجل مقابلتهنّ ينبغي الحصول على موافقةٍ من الأوصياء عليهنّ (أزواجهنّ أو الأقارب الذكور.(
مهمات النساء
تلعب المرأة دوراً فاعلاً ضمن الجماعات الإرهابية في الحروب وفي مناطق النزاع، وذلك على المستويين: الإستراتيجي والتكتيكي، إذ عند انخراط النساء في الجماعات المتطرفة فإن مهامهنّ تشمل التالي: مسؤولات عن توظيف أفرادٍ جدد، تسهيل العنف من خلال تقديم الدعم لأزواجهنّ، القتال عند الضرورة... أما الأهم فهو لعب دور أمهات الجيل القادم من المتطرفين.
ففي تنظيم داعش على سبيل المثال لا يقتصر دور النساء فقط على الاقتران بالرجال، بل الحفاظ أيضاً على سرية التحركات، بالإضافة إلى توفير الغذاء واللوازم اللوجيستية للمقاتلين، وتخضع الإناث للتدريب البدني بشكلٍ روتيني من أجل أن يصبحن مستعدات للدفاع عن قضيتهنّ في حال تطلب الأمر.
وتجدر الإشارة إلى أن الشق الإيديولوجي للدولة الإسلامية بشأن دور المرأة في الجهاد يختلف عن موقف القاعدة، ففي حين أن تنظيم داعش يسمح للنساء بالمشاركة في العمليات القتالية وفي الأنشطة الدفاعية، فإن تنظيم القاعدة يرفض ذلك، إذ سبق أن أكد القائد الروحي للقاعدة "أيمن الظواهري" أنه من غير المسموح على النساء أن يصبحن جزءاً من الفريق التكتيكي أو أن يشاركن في ساحة المعركة، إلا في حال كانت مشاركتهنّ تقتصر على الدفاع عن حقوقهنّ وأرضهنّ.
الدوافع وتأثير الدعاية
كشفت الأبحاث التي أجراها المعهد الملكي لخدمات المتحدة لدراسة الدفاع والأمن (RUSI) أن النساء ينجذبن إلى "تنظيم الدولة الإسلامية" نتيجة بعض العوامل المتداخلة، بما في ذلك رفض الحركة النسائية الغربية، والتواصل مع المجندين، والإيديولوجية الجهادية وفرصة المشاركة بشيءٍ جديدٍ ومثير وغير محظور.
ورداً على السؤال التالي: لماذا تنضم النساء إلى داعش؟ أكد موقع " eastwest أن الأسباب التي تدفع النساء إلى الانضمام إلى المنظمات الإرهابية هي نفسها التي تدفع الرجال إلى التمرد والرغبة في التصرف وحب المغامرة والالتزام بقضيةٍ معيّنةٍ، هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل شعور النساء بغياب المساواة بين الجنسين والتمييز والعنف بحق المرأة وغياب الفرص التعليمية والاقتصادية.
ماذا عن البروبغندا؟
عند محاولة فهم "عوامل الجذب" ركزت وسائل الإعلام في وقتٍ سابقٍ على مسألة "العروس الجهادية"، إذ كان يُنظر إلى النساء على أنهنّ خنوعات ويتم التلاعب بهنّ، غير أن الواقع قد يكون أحياناً بعيدا كل البعد عن هذه التصورات، لأن العديد منهنّ سبق أن تواصلن مع الدولة الإسلامية عن سابق تصورٍ وتصميم، قرأن التعليمات على الإنترنت وحتى أن البعض قد ترك رسائل لعائلتهنّ بهدف تبرير قرارهنّ.
وتعليقاً على هذا الموضوع، قالت الكاتبة "إميلي وينتربوثام" إن استخدام مصطلح "العروس الجهادية" لوصف جميع المنتسبات إلى داعش كان مختزلاً: "معظم الناس الذين قابلناهم يعتقدون أن النساء إنجذبن إلى داعش بسبب الرجال، ووسائل الإعلام الإجتماعية والزواج"، مؤكدةً أن عملية صنع القرار لهؤلاء الأفراد لا تتعلق فقط بالتلاعب وبغسل الدماغ، "فهناك مبرر واضح"، على حدّ قول "إميلي".
وفي هذا الصدد، كشف موقع "فوربس" أن تنظيم الدولة الإسلامية كان أول منظمةٍ إرهابيةٍ تقود حملةً منظمةً للوصول إلى النساء من خلال استخدام دعايةٍ خاصةٍ مبنية على أساس الجندر.
ويوضح الموقع أن مفتاح الدعاية المستخدمة لمناشدة النساء هو التشديد على مسألة الإرادة الإلهية، من خلال إقناع النساء بأن الصعوبات التي سيتحملنها جراء الانضمام إلى منظمة إرهابية هي التي ستخلصهنّ في الآخرة، هذا بالإضافة إلى تركيز الدعاية على مسألة دعم "الخلافة الإسلامية"، وأهمية دور النساء في إنشاء وتعليم الجيل القادم من المقاتلين، وكذلك دعم أزواجهنّ الجنود.
رصيف 22