د. ماجد عزت إسرائيل
ولد مفهوم "الثقافة" فى قارة أوروبا بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وكان يشير إلى عمليات الإصلاح التى سادت ذات المجتمع الغربي فى ذات الفترة. ومع منتصف القرن العشرين تبلورت عدة مفاهيم لمفهوم الثقافة، إذ نجد أكثر من 164 تعريفًا لها عام 1952م. وخلاصة هذه المفاهيم أن الثقافة تعني التذوق فى مجال الفنون الإنسانية، والتكامل فى مجال المعرفة البشرية والسلوك الإنساني، والذي يعتمد على القدرة على التفكير العلمى والسلوك الاجتماعي. وتشكل جميعها مجموعة من الاتجاهات المشتركة، والقيم، والأهداف، والممارسات التي تميز مؤسسة أو منظمة أو جماعة ما. وثقافة أي مجتمع محصلة الأفكار السائدة بين أعضائه، وتظهر هذه الثقافة في السلوك الجمعي للمجتمع والمظاهـر الاجتماعية المختلفة، إضافة إلى درجة التعليم في هذا المجتمع ومحصلته، ومدى اتساق هذه الثقافة مع البيئة الجغرافية والمجتمعية التي يعيشها. ولكل ثقافة مظاهر وأبعاد تختلف من جماعة إلى أخرى، حيث تؤثر فيها عوامل عديدة. ولكل ثقافة جذور ضاربة في أعماق التاريخ تختلف من شعب إلى آخر وفق الظروف والأحداث التاريخية التي يمر بها كل مجتمع. وتشكل هذه الظروف العديد من مكونات ثقافة أي مجتمع. وأما مفهوم كلمة كراهية فتعني مشاعر إنسانية انسحابية لدى بعض أفراد المجتمع، يصاحبها اشمئزاز ونفور شديدان، وعداوة وعدم تعاطف مع شخص ما أو شيء أو حتى ظاهرة معينة، تنتهى بتدمير الشيء المكروه بشتى الوسائل المتاحة. وغالبا ما يستخدم لفظ كراهية لوصف إجحاف أو حكم مسبق على طبقة أو فئة أو أقلية داخل المجتمع. ويمكن أن تتسبب هذه الكراهية في تدمير كل البشر إذا استقرت في القلوب الكارهة. وحيثما تكون هناك ثقافة كراهية وعدم تقبل الآخر، تولد فكرة الإبادة وممارسة العنف والتطهير لاستئصال الآخر المختلف جنسيًا ودينيًا وثقـافيًا. وفى رؤية لهذه الكوارث الإنسانية التي تسود بعض المجتمعات والمؤسسات الدولية والمحلية، لم تجد المؤسسات الحقوقية العالمية والمحلية مخرجًا لهذه الأزمات، ولاسيما إذا كنت هذه المؤسسات الحقوقية العالمية تساند دولة ما أوجماعة ما داخل دولة، مثلما ما يحدث الآن فى مصر، من أجل مصالحها الخاصة. ولكن يأتي هذا على حساب مصلحة الشعب المصري بصفة عامة، والأقباط فى مصر بصفة خاصة. ويتعرض أقباط مصر منذ الغزو العربي الإسلامي لمصر في سنة 641 م إلى ثقافة تسودها الكراهية والإبـادة، من جانب بعض المسلمين المتشددين، سواء أكانوا حكامًا أم من بعض أفراد المجتمع الإسلامى ونذكر بعض مظاهر ثقافة الكراهيـة وممارستها عندما قام الخليفة الأموي، عبد الملك بن مروان بن الحكم، بتعريب الدواوين وبشكل خاص فى ولاية مصر. فقام بإلغاء اللغة القبطية بهدف القضاء على ثقافة الأقباط، كما أخذت العديد من الكنائس وتم تحويلها إلى جوامع. ونحن نجد هذه الظاهرة الآن فى مصر عندما تجد كنيسة فلا بد أن تجد جامعًا. وحتى لو بنى الأقباط كنائسهم فى الصحراء، بعد موافقـة رئيس الدولة، ستجد أمامها جامعًا. ولو كانت الكنيسة قديمة، فإنهم يسعون بشتى الطرق إلى الحصول على الدور الأول من أي منزل قريب وتحويله إلى مسجد ليكون قريبًا من الكنيسةـ وأنا لست ضد بناء المساجد أو الجوامع، لكني أنصح بحسن الاختيار لتجنب المشاكل.
وفي مطلع القرن العشرين، ومع جهود "مصطفى كامل" لإجلاء الإنجليز، وفي إطار بحثه عن إطار فكري لجهوده، أخذ يؤكد الرابطة الإسلامية- العثمانية ولاسيما بعد أن فقد تأييد الخديوى" عباس حلمي الثاني"(1892-1914م) وتأييد فرنسا بعد تـوفيق مشكلاتها مع إنجلترا بمقتضى الوفاق الودي (أبريل 1904م). وعلى هذا أخذ بعض كتاب جريدة اللواء وبشكل خاص الشيخ "عبد العزيز جاويش" في طعن الأقباط في عقيدتهم فتعمقت الطائفية، رغم أن مصطفى كامل في خطاب تشكيل الحزب الوطني (ديسمبر 1907م) قال ".. وما المسلمون المصريون إلا أقباط غيروا عقيدتهم وهل تغيير العقيدة يغير الدماء.." ومن باب رد الفعل، قامت صحيفة "مصر" التي كان يصدرها " تادرس المنقبادي" بحملة عنيفة لإثارة التفرقة سنوات 1908-1911م، وكانت الصحيفة مشهورة بأنها تظاهر الاحتلال البريطاني، وكتب"قرياقص ميخائيل، مراسل صحيفة الوطن في الإسكندرية، كتابه عن مطالب الأقباط عام( 1910م) في أعقاب اغتيال بطرس غالي رئيس وزراء مصر، ناهيك عن المؤتمرين القبطي في مارس 1911م، والإسلامي في مايو 1911م في أعقاب حادثة الاغتيال.
وللحديث بقية