حامد عبد الصمد
صرت أفضل الصمت أمام الأحداث المحزنة، لأنها كثيرة جداً، ولكن الصمت في بعض الأحيان يعتبر تخاذلاً يقوي شوكة الظالمين ويكسر المظلومين. ولكني في الوقت نفسه لا أريد المشاركة في المزايدات والتعليقات العقيمة المتكررة التي تتبع كل حدث مؤسف وتساهم في تأجيج المشاعر وتسميم أجواء النقاش.
المشكلة عميقة جداً، وتزداد عمقاً كل يوم. وحتى من يدينون العنف والإرهاب يساهمون أحياناً في اتساع الفجوة بخطابهم المتعجرف الذي لا يسعى إلى حل المشكلة بل الاتجار بها. نحتاج الاعتراف بالاسباب الحقيقية للأرهاب، ونحتاج الشجاعة في اتخاذ الإجراءات التي تجفف منابع الإرهاب…
أولا، الأسباب:
١. هيمنة الدين على التربية والتعليم، حين يتعلم الطفل في بيته ومدرسته أن زميله المنتمي لدين آخر من أصحاب النار، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فكيف أن يحب أو يحترم إنسان شخصاً يكرهه الله ويعده بالعذاب؟
٢. النظر للأقباط على أنهم أهل ذمة، في حين أنهم مصريين حتى قبل أن يأتي الإسلام لمصر، ولأن هذه النظرة، وإن كانت تتضمن فكرة حمايتهم كأقلية، تنزع عنهم حقهم في المواطنة وتعطي لدين الأغلبية، لا لدولة القانون، سلطة التحكم في مصائرهم.
٣. خطبة الجمعة التي تشحن المسلمين أسبوعياً بأفكار ومشاعر عنصرية تجاه أصحاب الديانات الأخرى، وشيوع الزي الإسلامي والتحية الإسلامية والأذان الإسلامي ولغة التخاطب الإسلامية التي لا تترك مكاناً في الفضاء العام لغير المسلمين.
٤. إنتظار أن يتولى الأزهر مهمة إصلاح الخطاب الديني ونشر ثقافة التسامح، وهو بتكوينه وكتبه ومرجعيته وشيوخه ودعاته مزرعة التطرف الكبرى.
٥. الإرهاب يستشري لأن ملف الأقباط في مصر هو ملف أمن دولة وبناء كنيسة يحتاج لموافقة أمن الدولة، بينما ملف الأزهر هو ملف تعليمي ودعوي، وبناء مسجد لا يحتاج أي إجراءات، بل يحصل المسجد على مياة وكهرباء مجانا.
٦. المسلمون الوسطيون الذين لا ينتظرون حتى تجف دماء الضحايا ويسارعون بتبرأة الإسلام من أي عنف أو إرهاب. لأنهم بذلك يخنقون أي نقاش حول المشكلة وجذورها الحقيقية.
٧. الإرهاب سببه ليس الفقر أو البطالة، ولا حتى الظلم، لأن هناك الكثير من الأقباط الفقراء، وهم يتعرضون للظلم المزدوج، ومع ذلك لا يمارسون الإرهاب. السبب هو النصوص التي تحرض على العنصرية وتقديس فكرة الشهادة في سبيل الله في الخطاب الديني والسياسي. فالفقير لا يلقي بنفسه في أحضان الموت، إلا إذا كان هناك من يعده جنة عرضها السماوات والأرض كثمن لموته في سبيل الله.
ثانياً، الحلول:
١. أن تتم مراقبة الأزهر ومواده وتعاليمه من هيئة مستقلة عن الأزهر
٢. أن تتوقف الدولة عن التعامل مع الأقباط كقطيع تابع للكنيسة، وأن يرفض الأقباط دور أهل الذمة بصوت مسموع، وأن يتكتلوا في تجمعات مدنية بعيداً عن وصاية الكنيسة، كقوى مجتمعية تمثل ضغطا على الدولة وتطالب بحقوقها كمواطنين وليس كرعايا الكنيسة
٣. أن يقول الأقباط بصوت مسموع “نعم للعلمانية، وأن يتعاونوا مع القوى المدنية والملحدين واللادينيين وجمعيات حقوق المرأة، لأن الحقوق والحريات لا تتجزأ، ولأن وقوفهم خلف الكنيسة بلا نقد يساهم في تقوية دور الدين بصفة عامة في المجتمع، وهذا يصب فقط في مصلحة القيادة السياسية ومصلحة الأزهر ومن خلفه الأصوليين الإسلاميين.
٤. ألا تكون تبرأة الإسلام من الأرهاب أهم من ضحايا الإرهاب. وألا يقول المسلم الوسطي عبارة “الإسلام برئ من العنف” لنا نحن أو لضحايا الإرهاب، بل للإرهابي نفسه أو على الأقل للإمام في صلاة الجمعة حين يدعو للعنف أو حين يطلق مصطلح كافر على غير المسلم.
٥. أن نفتح حواراً مجتمعيا حول دور الدين في التعليم، وأن نسمح بنقد الإسلام والمسيحية علناً ولكن تحت مظلة الإنسانية ومن منظور حقوق الإنسان، لا من منظور أيهما هو الدين الحق، وأن يتم مراجعة فكر الجهاد والشهادة في سبيل الله بصدق وشجاعة.
٦. أن نمارس المواطنة فيما بيننا، قبل أن نطالب الدولة بتطبيقها في صورة تشريعات وقوانين.
٧. أن نجعل الفضاء العام منطقة خالية من الدين وخطابه وملابسه وشعاراته ولغته، يعني أن نكون مسلمين أو أقباطاً أو ملحدين في بيوتنا، ونكون مصريين في الشارع والمدرسة ومكان العمل…
المصدر: موقع منظمة التضامن القبطى