بقلم نيرڤانا محمود
عام مضى على "مذبحة الروضة"، حين اقتحم مسلحون "دواعش" مسجد بلال بقرية الروضة المصرية في شمال سيناء، مستهدفين المصليين وقت صلاة الجمعة، ما أسفر عن مقتل 311 شخصا، بينهم 27 طفلا.
عام مضى، وما زال المصريون يتجادلون حول ضرورة تجديد الخطاب الديني لمحاربة التطرف والإرهاب.
قبل أيام من ذكرى مذبحة الروضة، احتفل المصريون بذكرى المولد النبوي الشريف. شهد الاحتفال الرسمي سجالا على الهواء بخصوص هذا الموضوع. فبينما شكر وزير الأوقاف المصري، د. محمد مختار جمعة، الرئيس السيسي على دعوته لتجديد الخطاب الديني،
جاء خطاب د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، مختلفا تماما. تجنب الإمام الأكبر ذكر التجديد، واختار أن يركز على أهمية السنة النبوية وضرورة بقاء السنة إلى جوار القرآن جنبا، "وإلا ضاع ثلاثة أرباع الدين"، على حد قوله. وكأن شيخ الأزهر يعتبر القرآن الكريم، الذي أنزله الخالق عز وجل لا يساوي إلا ربع الدين.
أما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فقد اختتم الحفل بكلمة دعا العلماء إلى بذل مزيد من الجهد التنويري، وإعادة قراءة التراث بما يتناسب مع العصر. وأوضح، في إشارة غير مباشرة لكلمة شيخ الأزهر، أن الإشكالية الموجودة في عالمنا الإسلامي ليست في أننا نتبع السنة أو لا نتبعها، لكن في القراءة الخاطئة لأصول ديننا. وتساءل "كإنسان مسلم وليس كحاكم" أيهم أخطر على الإسلام وصورة المسلمين في العالم، إساءة من أخذوا بالقرآن فقط، أم الإساءة الناتجة عن الفهم الخاطئ للدين والتطرف؟
أثار خطاب شيخ الأزهر وتعقيب الرئيس المصري نقاشات عديدة ولغطا شديدا بين المصريين، بين مؤيد للرئيس المصري ووزير الأوقاف في دعوتهم لتجديد الخطاب الديني، وبين مدافع عن شيخ الأزهر المحافظ على "ثوابت الدين".
أما الإخوان، فقد اتهموا الرئيس المصري من قبل بشن حرب ضد الإسلام.
وبالرغم من أن شيخ الأزهر كان أول الداعمين لعزل الرئيس السابق محمد مرسي عام 2013، امتدحت مواقعهم موقفه ضد الرئيس السيسي، بل وادعوا أن آلافا من أبناء الأقصر وقنا تظاهروا دعما لشيخ الأزهر.
كما دخل في السجال أطراف أخرى غير متوقعة، مثل علاء مبارك نجل الرئيس السابق حسني مبارك، الذي غرد على حسابه في تويتر داعما شيخ الأزهر. ووصف كلمات شيخ الأزهر بالقوية، وأكد على ضرورة بقاء السنة إلى جوار القرآن.
الضجيج حول تجديد الخطاب الديني في مصر ليس بجديد، والاختلاف في المواقف له أسباب سياسية ودينية واجتماعية.
سياسيا
الهجوم على دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتجديد الخطاب الديني له دوافع سياسية أكثر من دينية.
فالقاسم المشترك الوحيد الذي يجمع معارضي الرئيس من مؤيدي ثوره كانون الثاني/يناير 2011، وأنصار الرئيس الأسبق مبارك، وأتباع الإخوان المسلمين، هو العداء السياسي للرئيس المصري، أو عدم الثقة في دوافعه وجديته في الحديث عن تجديد الخطاب الديني.
لذلك أسرعوا جميعا للوقوف خلف شيخ الأزهر وكأنه قائد ثوري ضد الحاكم.
اجتماعيا
ليس مستغربا أن يؤيد بعض من أنصار الرئيس المصري شيخ الأزهر في دفاعه عن السنة. فبالطبع الغالبية العظمى من المصريين من السنة وعشاق للنبي عليه الصلاة والسلام.
مصطلحات مثل "تجديد الخطاب الديني" قد تبدو مبهمة ومقلقة للمواطن البسيط، ولذلك تجده يفضل البعد عنها من باب "درء الشبهات".
استطاع الإسلام النمطي الأصولي الانتشار في مصر، ليس فقط بين أتباع الحركات الإسلاموية السياسية كالإخوان والسلفيين، ولكن بين شرائح الشعب العادية.
جاء هذا الانتشار بعد عقود من إجهاض لأي محاولة لتجديد الخطاب الديني.
علي عبد الرازق، طه حسين، فرج فودة، نصر أبو زيد، أسماء أثارت عواصف وغضبا لمجرد أن أصحابها كتبوا كتبا اعتبرها شيوخ الدين، وبينهم أزهريون، منافية للشريعة الإسلامية. بعضهم أجبر على التراجع أو دفع حياته ثمنا لأفكاره.
هذا ما جعل المواطن العادي يستسهل الفكر النمطي، ويخاف من كل مصطلح يبدو شائكا كمصطلح تعديل الخطاب الديني، لأنه ببساطه لا يريد "وجع الدماغ"، كما نقول بالعامية المصرية.
دينيا
استخدم شيخ الأزهر فزاعة إلغاء السنة كطريقة غير مباشرة لرفض فكرة تجديد الخطاب الديني، بالرغم من أنه لا يوجد أي دعوات حديثة لإلغاء السنة.
بل على العكس من ذلك، لو تجرأ أي إنسان على وصف القرآن بأنه لا يمثل إلا ربع الدين، كما لمح شيخ الأزهر في خطابه، لاتهم هذا الشخص بالكفر وأهدر دمه.
من المعروف أن سنة الرسول تنقسم إلى سنة فعليه، أي ما قام به الرسول من أفعال، وسنه قولية، أي أقوال الرسول.
اختار شيخ الأزهر مثالا من السنة الفعلية (الصلاة)، كمثال لأهمية السنة، وتجنب تماما الحديث عن السنة اللفظية.
السؤال الذي تفادي شيخ الأزهر مناقشته: كيف نمنع استغلال وتحريف سنة الرسول وأقواله من قبل المتطرفين؟
فمن قتل الأبرياء في مسجد الروضة، استند إلى شيوخ أفتوا ـ مستخدمين أحاديث صحيحة في بعض الأحيان ـ بجواز تكفير الأبرياء وقتلهم.
فإذا كان الإمام الأكبر يعتقد أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، وأن خطاب الأزهر الديني لا يحتاج إلى تجديد أو إصلاح، فعليه أن يتذكر شهداء مسجد الروضة، وأن له دورا فعالا، كإمام أكبر للمسلمين، لمنع هذه المجزرة من أن تتكرر.
محاربة الفكر التكفيري مسؤولية المجتمع المسلم وأئمته. فإذا كان الدفاع عن السنة من واجبات شيخ الأزهر، فمنع استغلال السنة أيضا من واجباته. فهو كالطبيب لا ينبغي عليه فقط وصف الدواء ولكن ينبغي عليه أيضا منع استغلال الدواء، وإلا فسد المجتمع بالرغم من تدينه.
الدين ليس أرباع تقسم بين كتاب الله وسنة رسوله. وأرواح المسلمين أهم من أي شعبوية قد يكسبها رجل الدين تحت مسمى حماية السنة.