» نيويورك تايمز»: القبضة الحديدية.. كيف أصبحت حرية التعبير في مصر معضلة مزمنة؟ - Articles
Latest Articles

» نيويورك تايمز»: القبضة الحديدية.. كيف أصبحت حرية التعبير في مصر معضلة مزمنة؟

» نيويورك تايمز»: القبضة الحديدية.. كيف أصبحت حرية التعبير في مصر معضلة مزمنة؟

قالت ياسمين الرشيدي في مقال لها في صحيفة «النيويورك تايمز» إن العمل في مجال الإعلام في مصر يعني الخضوع لرقابة دولة استبدادية التي بدأت في الخمسينات مع الرئيس جمال عبد الناصر، الذي قام بتأميم الصحافة، وامتدت حتى الوقت الحاضر. إذا لم تؤيد نظام الحكم، فإن خيارك الوحيد سيكون الإسكات.

وتشير ياسمين الرشيدي إلى أن أول صدام لها مع الرقابة كان في أوائل عام 2000، حيث عملت في صحيفة أسبوعية بالقاهرة. في أحد الأيام استدعاها مدير التحرير، وهو صحافي يحظى باحترام كبير برز بين زملائه المعينين من قبل الدولة بسبب صراحته المهنية، إلى مكتبه بعد اجتماع تحريري. كانت قد اقترحت أن تكتب عن صفقة غاز وشيكة مع إسرائيل. فاعتذر لها بوضوح: لن يكون هناك حديث عن صفقة الغاز.

كانت الدولة تخفي حقيقة علاقاتها مع إسرائيل. ولم يسمح بالتحدث عن قضايا الحدود. وانتشرت بعض العبارات الشائعة أيضًا: «القبضة الحديدية» على سبيل المثال، للتدليل على أن أي انتقاد للرئيس سيلقي بك في السجن. تجنبت الرشيدي الحديث في أي مواضيع محظورة وفرضت رقابة ذاتية على نفسها.

وفي خريف عام 2010، أي العام الذي سبق الثورة التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك، كانت جزء من فريق صغير من الكتاب والمحررين الذين أسسوا موقع «أهرام أونلاين»، الذي كان يمول جزئيًا من قبل الدولة ويندرج تحت مظلة صحيفة الأهرام اليومية الحكومية. كان مدير التحرير، هاني شكر الله ليبراليًا ويساريًا ومدافعًا شرسًا عن حرية الصحافة وحقوق الإنسان، وقد شجعهم على تجاوز الخطوط الحمراء. ولكن بعد الانتخابات البرلمانية المثيرة للجدل في ذلك العام، التي استأجر فيها الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم عصابات لتضرب المرشحين المعارضين، نشروا مقالًا بعنوان «المعركة لحظة بلحظة»، فتلقى السيد شكر الله على الفور مكالمة هاتفية من رئيس الأهرام.

طلب شكر الله تغيير العنوان على مضض، ليصبح «الانتخابات دقيقة بدقيقة». وأزيلت الفقرة الأخيرة من مقال كتبته ياسمين الرشيدي؛ لأنه ذكر الابن الأصغر للرئيس، جمال، الذي كان يسعى إلى السلطة في مواجهة مع الجيش. وقد أصبح هذا النوع من الرقابة، الذي كان طفيفًا إلى حد ما، شديدًا في حالات أخرى.

ومع ذلك، في الأيام الأولى من انتفاضة 2011 – وقبل أن يظهر أي تقسيم واضح بين المحتجين – استوقفها رجال الشرطة عدة مرات في الشارع؛ لأنهم كانوا يشكون في الملاحظات التي تدونها وقاموا باستجوابها بشأن انتماءاتها.

تقول ياسمين الرشيدي إنه في كل سنوات عملها في الكتابة، كان الفاصل بين ما هو مسموح به وما هو محظور جليًا، حتى عندما يتغير الفرق مع تغير القصة السياسية. كان ثمة مجال للطعن في الوضع القائم، وللحديث بذكاء في المحظور. وكانت الكتابة باللغة الإنجليزية تتسم بمساحة أكبر من الحرية. ولكن في بعض الأحيان سُجن الصحافيون واختفى آخرون.

أما في الوقت الحاضر فقد اختلف الحال تمامًا – تستدرك الرشيدي. ففي يوم واحد في أبريل (نيسان)، تم اعتقال ثلاثة صحافيين؛ ليصل عدد الصحافيين المعتقلين على مدار العام كله إلى 38. وقد اختفى آخرون. كما تمتد حملة القمع الآن لتطال غير الصحافيين، إلى أي شخص لديه صوت: ممثلات، كوميديون، فنانون ساخرون، مدونون، شعراء، مطربون، مصورون، وباحثون.

حكم على الصحافي والروائي أحمد ناجي بالسجن لمدة عامين بسبب مقاطع جنسية صريحة من روايته التي نشرت في مجلة. وحُكم على الشاعرة فاطمة ناعوت بالسجن لثلاث سنوات بعد أن كتبت مقالًا على «فيسبوك» لوصفها ذبح الأغنام خلال عيد الأضحى بـ«أبشع مذبحة ارتكبها البشر».

ومؤخرًا، حُكم على جلال البحيري أيضاً بالسجن لثلاث سنوات، بسبب عنوان مختاراته من القصائد، التي احتوت على عبارة تنتقد الجيش. وسُجنت المغنية المصرية شيما بسبب تصويرها لمقطع موسيقي اعتُبر أن به إيحاءات جنسية. وحُكم على مغنية أخرى بالسجن لسخريتها من تلوث مياه النيل. في هذا الأسبوع، رُفعت قضايا على الممثلة رانيا يوسف لارتدائها فستانًا يكشف عن كامل ساقيها في مهرجان القاهرة الدولي للسينما.

وتؤكد الرشيدي أن الكثير من المبدعين اتهموا بـ«التجديف»، أو «الإساءة للأخلاق العامة»، أو «التحريض على الفسق» أو «ازدراء الدين»، في قضايا رُفعت لدى المدعي العام من قبل مواطنين آخرين شككوا في أخلاقهم. إن القوانين غامضة بما فيه الكفاية. والحملة على الإبداع مبهمة وتعسفية. وما قد يفلت من رقابة الدولة ربما لا يزال يسيء إلى أحد الجيران لأن الحكومة شجعت المواطنين على الإبلاغ عن الأخبار المزيفة و«قوى الشر».

ظلت التيارات الراديكالية تحت السيطرة في ظل الرؤساء السابقين. لكن حكومة عبد الفتاح السيسي، التي حرصت على إظهار نفسها على أنها ليست أقل تدينًا من القيادة الإسلامية التي أطاحت بها، سمحت للمتشددين بالتحدث بصراحة. وباتت الرقابة أكثر سطوة.

وتكشف الرشيدي أنها أثناء كتابة مقال عن مصر لمجلة «نيويورك ريفيو أوف بوكس» قبل بضعة أشهر، قضت أيامًا عديدة في مناقشة إدراج كلمات مثل «المغايرة الجنسية» و«الانجذاب نحو الجنس الآخر». فربما تمثل إهانة لأخلاق بعض الناس، ببساطة لدعوتها لقبول الآخر. وبعد مناقشة المسألة مع أصدقائها، حذفت الجملة تمامًا. وقد مرت بعملية مماثلة في الآونة الأخيرة في تحرير نسختها العربية من روايتها، مسترشدة بناشر على دراية جيدة بمعايير القبول.

اليوم، توجد المخاطر بغض النظر عمن تكون، وما هي المنصات التي تعمل معها، وما هي اللغة التي تختار استخدامها. تمتد حدود الصواب والخطأ الآن إلى ما وراء معايير النظام السياسي، ليشمل ما يرضى عنه الأشخاص العاديون أيضًا. إن هذه لحظة أزمة، ويجب أن تظهر أشكال جديدة من التعبير والمقاومة.

تتساءل الرشيدي ختامًا: «كيف أسكت الرقيب بداخلي عندما أواجه شعورًا متزايدًا بالنبذ، حتى في أوقات الخوف؟ وكيف نخترع من هذه اللحظة وهذا الضغط  شيء جذري جديد ومحطم للقيود؟».

ساسة بوست

Related

Share

Rating

0 ( 0 reviews)

Post a Comment

Category
Author
More Options
  • Recent
  • Popular
  • Tag
Tags