تمهيد: كتبت «شيرين يونس» افتتاحية جريدة «ذا هارفارد كريمسون»، جريدة تصدرها الجامعة يوميًا عدا العطلات الأسبوعية. تبلغ «شيرين» من العمر 20 عامًا، وتعمل محررةً بالجريدة. تقول:
عندما كنت في الرابعة، علمتني أمي كيف أقرأ القرآن، بدأنا بالأبجدية العربية، أتذكر تعلم نطق حرف «الألف» أول حروف كلمة «الله»، وحرف «الشين» أول حرف في اسمي. وبينما أكبر، علمتني أمي كيف أرفع يدي في الصلاة، وأخبرني أبي عن بسالة وإخلاص المسلمين الأوائل، اصطحباني معهما إلى المسجد الصغير الذي صار بمثابة بيتي الثاني.
أعلم أن تجاربي الشخصية مختلفة. فأنا أغطي شعري بالحجاب، وكتابي المقدس يُقرأ من اليمين إلى اليسار، وأذهب إلى المسجد وليس إلى الكنيسة. لكنني أعلم أيضًا أن أيًّا من تلك الأشياء لا تمت للتطرف بصلةٍ. فقد علمني إيماني أيضًا نفس المبادئ الأخلاقية الأساسية، أن أكون لطيفة وصادقة وجديرة بالاحترام.
لم أدرك حتى كبرت أن طفولتي وهويتي بالنسبة للبعض ليست مجرد شيء مختلف، بل خطير أيضًا. ففي عالم ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، صارت اللغة التي أتعلَّمها بجانب اللغة الإنجليزية هي لغة الإرهاب، كما صار حجابي مجرد رمزٍ آخر لاختلافي، وأمسى المسجد حيث كوَّنت صداقات ولعبت على الأرجوحة علامات على انتهاك المسلمين غير المرغوب فيه للمجتمع الأمريكي. حينها أيضًا أدركت أن كوني مجرد مسلمة ليس بكافٍ، إنما كان عليّ أن أصنف نفسي بأنني «مسلمة معتدلة».
بدأت أضحك على النكات المتهكمة على الإرهاب التي أصادفها، وألتزم الرزانة في مواجهة الاتهامات المهينة. صرت مفرطة في الاعتذار، وفي قلقي من أن تؤدي أخطائي إلى إضفاء تعميم سلبي على الصورة النمطية للمسلمين. حينها، بدا ذلك منطقيًا، فقد سمعت أمريكا تناشد أصوات «المسلمين المعتدلين» في كل مكان. بدا ذلك وكأنه الطريق الأمثل لتمييز معتقداتي المسالمة عن تلك الأيديولوجيات المتطرفة التي أراها في التلفزيون.
حتى معرفتي بالإسلام تأثرت بمحاولاتي أن أكون معتدلة، وبدلًا من تَبَنّي فضولي الطبيعي للتعرف على ديني، تعلمت كيف أتخذ موقفًا دفاعيًا. أستطيع اليوم أن ألقي خطابات عن حقوق المرأة في التاريخ الإسلامي، وفي معنى كلمة الجهاد. أستطيع أن أشرح كيف يقدر الإسلام الاعتدال في العبادات الدينية. أستطيع أن أخبركم أن القرآن لم ينص إطلاقًا على حد الرجم، وأن أول جامعة في العالم أسستها امرأة مسلمة، وأن كلمة «كافر» لا يوجد لها أصل في الأثر الإسلامي.
إلا أنه أثناء محاولاتي البائسة كي أكون معتدلة، تعلمت أن المسلم المعتدل أكثر من مجرد «مسلم ليس إرهابيًّا»؛ فالمسلم المعتدل هو أكثر «علمانية»، أي أقل إظهارًا للدين، يجب على المسلم المعتدل أن يبدي وطنية عمياء وامتنانًا للولايات المتحدة الأمريكية، برغم السياسات الداخلية والخارجية لكلا الحزبين التي تضر المسلمين في جميع أنحاء العالم كل يوم. يجب على المسلم المعتدل أن يؤقلم نفسه باستمرار كي يتسق مع الصورة النمطية «للمسلم الليبرالي العلماني»، والتي تفتقر إلى أدنى مقومات الاختلاف عن الصورة النمطية «للمسلم الإرهابي الخطير». تعلمت أن المسلم المعتدل لا تسمح له أمريكا أو وسائل الإعلام سوى بمساحة محدودة، أن المسلم المعتدل ضئيل.
أنا لست مسلمة معتدلة. وليس لدي أي رغبة أن أكون كذلك.
يوحي وصف كلمة «معتدل» بأن هناك شيئًا عنيفًا بالفطرة مرتبطًا تلقائيًا بالإسلام، وهو ما يؤدي إلى نتيجة خاطئة بأن فئة صغيرة من «المعتدلين» تواجه جموعًا عريضة من المتطرفين العنيفين المؤيدين لداعش. وذلك ببساطة عارٍ من الصحة، لأن الحقيقة هي على النقيض تمامًا. عندما تتحدث وسائل الإعلام عن «المسلمين المعتدلين»، فإنهم يكرسون لسرد خطير عن الإسلام بأنه دين عنيف على خلاف مع المجتمع الأمريكي.
إن مصطلح «المسلم المعتدل» يفترض أن كونك مسلمًا ليس كافيًا. وأن كونك مسلمًا في حد ذاته يعد تهديدًا. فهو يعلم المسلمين التخاذل عن الكفاح من أجل حقوق الإنسان ومبادئ الاحترام الأساسي. يعلمنا أن نربط إيماننا وذواتنا بالعنف، على الرغم من معرفتنا بمدى زيف هذه الخرافة. هذا المصطلح يجبرنا على الإدانة المستمرة للإرهاب، ويضع على عاتقنا عبء إثبات أننا مسالمون وليبراليون وصالحون مرارًا وتكرارًا.
إنه أمر مرهق ومثبط، وقد اكتفيت منه؛ لا أعتقد أن مسؤوليتي الفردية هي أن أؤكد باستمرار على إنسانيتي، لا أعتقد أنه يقع على عاتقي مسؤولية التأكيد باستمرار على إنسانية مليارات المسلمين في جميع أنحاء العالم.
هويتي، مثلها مثل هوية كل مسلم، متنوعة. نعم، أصلي خمس مرات يوميًا، وشهر رمضان هو أفضل أيام السنة بالنسبة لي، لكن أيضًا في قلبي حبًّا لـ«بيونسيه» لا ينضب، وأميل لمشاهدة نيتفليكس بنهم. لا يتحتم عليّ المساومة بأي جزء من نفسي لكي أستحق احترامك.