حوار لم تنشره ( ساسة بوست ) . لذا ننشره هنا .!

أجرت الحوار : ناهد زكى

في الآونة الأخيرة اتخذ التعصب الديني ضد المسيحيين منحى خطيرًا، قد قرأت الأبحاث الخاصة بسيادتكم، وما تناولته من موضوعاتٍ شائكة، أهمها كان العنصرية واضطهاد الأقباط المصريين عبر التاريخ، وهو موضوع التقرير الخاص الذي أعكف على كتابته، وقد أبهرني ما جاء في كتابتكم من فكرٍ منفتح ومستنير قلما نجده؛ وفي السطور التالية الأسئلة الخاصة بالتقرير:

) س 1 ( هل تعتقد أن العنصرية الدينية الحالية ضد المسيحيين والتي يشهدها المجتمع المصري لها جذورًا تاريخية تمتد إلى عهد اضطهادهم خلال سنوات حكم الخلافات الإسلامية المتعاقبة؟

إضطهاد المصريين الأقباط في العصر الأموي كان باعثه عنصريا ، فالأمويون تعصبوا للعرب ضد المصريين ( الأقباط ) وضد (الموالى ) في العراق وضد ( الأنباط ) في الشام وضد الأمازيغ ( البربر ) في شمال أفريقيا . ووصل إحتقار الأمويين لغير العرب الى حد حرمان أفضل ابناء عبد الملك بن مروان من تولي العهد ، وهو مسلمة ابن عبد الملك لأن أمه كانت جارية بيزنطية . وعوقب أحد الموالى في العراق في ولاية الحجاج بن يوسف لأنه تزوج إمرأة عربية وتم التفريق بينهما . وكان الشاعر العربي الأخطل نصرانيا ، ولم تمنعه نصرانيته من أن يكون شاعرا مفضلا عند الأمويين ، وكان يدخل على الخليفة الأموى بالصليب على صدره . فرض الأمويون الجزية على أهل البلاد المحتلة ( المفتوحة )، وإذا أسلم أحدهم كانوا يجبرونه على دفع الجزية. اسقط هذا الخليفة عمر ابن عبد العزيز فى حكمه القصير ، قتله أهله بالسُّم وعادت الأمور الى نفس التعصب ونفس الظلم .

جاء العباسيون بتعصب جديد ، ليس عرقيا بل دينيا . أي إضطهدوا غير (المسلمين ) إضطهدوا الأقباط ليس لأنهم مصريون ولكن لأنهم مسيحيون ، وضموا الى المضطهدين بقية أهل الكتاب. ولذا إتخذوا موقفا ضد بيوت العبادة لأهل الكتاب لم يكن معروفا في الدولة الأموية . وبربط الاضطهاد بالدين وصياغة أحاديث تعززه إستمرّ مرتبطا بالدين الأرضي العباسي الذي حمل إسم ( السُنّة .( 

عبد الناصر كان اشبه بالأمويين فى ثقافته القومية ( العروبية)، جاء السادات فتحالف مع السعودية والاخوان المسلمين وبعث التعصب الديني من مرقده ، وأعاد سطوة الكهنوت الديني من خلال الأزهر فدخلت مصر فى نفق التعصب الديني ضد الأقباط المصريين . ولم يكن هذا صعبا فقد إنتشر التعليم الأزهري خلال عصر السادات ووصل الى عُمق الريف المصري ، ينشر الفساد الديني والذي تأسس عليه المصريون ( المسلمون ) خلال نصف قرن ، وعاد الأقباط الى الاحتماء بالكنيسة وكهنوتها . وأصبح التلاعب بحياة الأقباط وكنائسهم لعبة سياسية تستهدف الداخل والخارج .

 (س 2 ) هل يمكنك توضيح بعض التأثيرات ذات الجذور التاريخية والتي شكلت النظرة العنصرية ضد أقباط مصر في الثقافة الشعبية؟.

أي إحتلال أجنبى لا بد أن يتبع سياسة التفرقة بين ابناء الوطن الواحد. وأي مستبد لا بد أن يفعل ذلك ، وفرعون موسى إضطهد الأقلية الاسرائيلية ( المصرية ) والتى وصفها رب العزة جل وعلا بأنهم طائفة من أهل مصر ، أي مصريون قال جل وعلا : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴿٤﴾ القصص).

قريش وصفها رب العزة جل وعلا بأنها تسير على دأب فرعون ( آل عمران 11، الأنفال  52 ، 54 ). والخلفاء (الفاسقون ) من أبى بكر وعمر وعثمان وعلي ومن بعدهم هم الذين شوّهوا الاسلام ونشروا الكفر بالاسلام بجريمة الغزو والاحتلال . ومنشور لنا فى موقع أهل القرآن مقال بهذا العنوان ، وأيضا كتاب ( المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين ) ومقالات أخرى عن الصلاة الشيطانية للخلفاء الفاسقين وهم يقومون بالغزو الباغى مستحلين ما حرم الله جل وعلا ، بل مستخدمين إسم الله ودينه فى هذا البغي والاعتداء الحربي على من لم يقم بالاعتداء عليهم.  الخلفاء الفاسقون فى غزوهم قتلوا مئات الألوف من الأبطال المدافعين عن أوطانهم وسلبوا أموالهم وسبوا وإغتصبوا بناتهم ونساءهم وإسترقوا ذراريهم ، وفرضوا على الباقين الجزية والخراج ، ونظروا بالاحتقار لأبناء الأمم المفتوحة ، كل هذا البغي والفجور باسم الاسلام دين السلام .

وبنفس النظرة الاستعلائية تعامل العرب مع المصريين ، وتعامل من أسلم مع الأقباط المصريين . وهو نفس ما فعله الأتراك العثمانيون مع المصريين وغيرهم. أورث هذا حقدا تجذّر بين المصريين المسلمين والمصريين الأقباط . أظهرت بعض الأمثال الشعبية هذا . ( المسلمون ) المصريون يقولون فى أمثالهم : (اللي فيكي فيكي يا كنيسة )، والأقباط إذا قيل لأحدهم ( تسلم إيدك ) بمعنى (سلمت يدك ) يقول : اقطعها ، بمعنى إذا اسلمت يده يقطعها .

( 3 )  ـ ذكر المقريزي ما تعرض له أقباط مصر من اضطهاد في عهد الخليفة الحاكم بأمر الله، وقد سبق وقرأت ما ذكرته في كتاباتك الخاصة من إجبارهم على ارتداء ثيابًا سوداء قاتمة، وحمل صلبانًا ثقيلة حول أعناقهم، حدثني عن بعض الأثار الباقية في الثقافة الشعبية تجاه هذا الإضطهاد، مثلًا وليس حصرًا، مناداتهم: «عضمة زرقا».

الخليفة المتوكل العباسي هو أول من سنّ إضطهاد أهل الكتاب وربطه بالدين السني وعمّمه فى الولايات ومنها مصر ، وهو ايضا الذي جعل السُّنة الدين الرسمي للدولة وبعث دعاتها الى الآفاق كما يذكر ابن الجوزي فى تاريخ المنتظم . بعده كان الاضطهاد يخفت أو يشتد في مصر وهي المشهورة بتسامحها بإعتبارها بيئة زراعية .

ولكن الخطير فى الموضوع هو ربط هذا الاضطهاد بالدين السني وبأحاديث مصنوعة تجعله فريضة دينية ، وبالتالى كانت مسوغا للمسلم العادي أن يضطهد أهل الكتاب لو أراد . وكانت تلك هي البيئة السّامة التي تولدت فيها الكراهية المتبادلة بين الجانبين .

الأقباط صبروا وتحملوا لأنهم يعجزون عن المقاومة ورفعوا شعار ( الصبر حرق الدكان ) و ( إصبر على الجار السوء حتى يموت أو تاخذه داهية ) ، ولكن يقرنون هذا السكون والسكوت بكراهية هائلة للاسلام والمسلمين ، ولا نلومهم فلم يعرفوا من الاسلام سوى الدين السُنّي وتعصبه. وحتى في الدولة الفاطمية الشيعية وتقربها الى الأقباط ــ الى حد دخول كثيرين منهم في التشيع ـ  فإن الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله أدمن إضطهاد الأقباط ضمن جرائم أخرى ، وقد نسيها المسلمون المصريون ، وأزعم أن الأقباط لم ينسوها لأن رهبانهم  هربوا من الحاكم الفاطمي الى الصحراء وأقاموا أديرة فيها اصبحت دليلا دائما على حمق الحاكم بأمر الله الفاطمي.

المتعصبون ( المسلمون ) يبررون كراهيتهم بأن ( الأقباط ) : (عضمة زرقه )، وهو تعبير عن الغل الدفين والمقترن بالمكر الهائل ، ولكن يحمل في طيّاته شعور المسلمين المصريين أن الأقباط مظلومون ومقهورون ولا يملكون سوى الحقد على من ظلمهم .

(4 ) هل تعتقد أن تصاعد أصوات الإسلام السياسي، والتيار المتشدد في مصر خاصة في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي له يد في ترسيخ بعض الأفكار العنصرية المغلوطة عن مسيحي مصر

الوهابية هي التى يدللونها بتسمية التيار المتشدد ، وبسببها يظلمون الاسلام دين الرحمة ( وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين (الأنبياء 107 ) فيسمون حركاتها بالاسلاميين ، وهم وهي ( الوهابية ) أعدى أعداء الاسلام ورب العالمين جل وعلا.

 الوهابية هى الصيغة الأكثر تطرفا من المذهب الحنبلي السني المتشدد الذي رعاه من قبل الخليفة المتوكل العباسي . وقد أدى تدخل الحنابلة بحديثهم المصنوع ( من رأى منكم منكرا فليغيره ) الى خراب العراق في العصر العباسي الثاني. وقد شرحنا هذا فى كتابنا ( الحنبلية أم الوهابية وتدمير العراق في العصر العباسي الثاني ) .

 إبن عبد الوهاب أحيا الحنبلية فظهرت ( الوهابية ) أشد تخلفا وتعصبا من الحنبلية القديمة. وفي عام 1745 تحالف مع ابن سعود وقامت الدولة السعودية الأولى التى نشرت الدمار والقتل في الجزيرة العربية والعراق والشام ، وإحتلت الحجاز وعجزت الدولة العثمانية عن مواجهتها فقام محمد علي بالمهمة وقضى على الدولة السعودية الأولى عام 1818 . ثم قامت الدولة السعودية الثانية وسقطت.

ثم أقام عبد العزيز بن عبد الرحمن الدولة السعودية الثالثة الراهنة عن طريق شباب الأعراب الذين علمهم الوهابية وأقنعهم بإستمرار حياتهم بالقتل والغارات والسلب والنهب تحت شعار ديني هو الجهاد وتكقير غيرهم،  وأطلق عليهم ( الإخوان ) . إستطاع عبد العزيز بجنوده الإخوان أن يكوّن ما يعرف الآن بالسعودية. ثم إختلف معهم وحاربهم وهزمهم وأعطى اسم دولته ( السعودية ) نسبة لعائلته عام 1932 . ولكنه مع بداية الصراع بينه وبين الاخوان عمل على خلق بديل ( إخواني ) خارجي في مصر ليحولها من دينها الصوفي المسالم الى الوهابية لتكون مصر عُمقا له ضد الشيعة داخل وخارج دولته . وهكذا فإن عبد العزيز آل سعود منشىء الدولة السعودية الثالثة الراهنة هو الذي أنشأ الاخوان المسلمين في مصر عن طريق عملائه فيها ( رشيد رضا ) و( حافظ وهبة ) و ( محب الدين الخطيب ) وشرحنا هذا في كتاب في موقعنا عن ( نشأة الوهابية وانتشارها في مصر) .

كان في مصر حركة تجديد ديني قام بها الإمام محمد عبده ، أجهضها تلميذه السوري رشيد رضا وتحالف مع ابن سعود . بتكوين الاخوان المسلمين في مصر توسعوا فيها وشاركوا في حركة العسكر ثم إختلفوا مع عبد الناصر .

جاء السادات فتحالف مع السعودية وسلّم العقل المصري للوهابية ، وإنقلبوا عليه وقتلوه . ولكن إستمرت الوهابية يتشربها المصريون المسلمون من خلال التعليم والاعلام والمساجد والأزهر معتقدين أن هذا هو الاسلام.

وقمت مذ كنت مدرسا مساعدا بالبناء على فكر الامام محمد عبده فعصف بي الأزهر ، وبسبب الإضطهاد تكون تيار أهل القرآن وتيارات أخرى تقترب منه. ولم أقتصر على الكتابة بل كنت في مصر ناشطا سياسيا. حين واجهت مصر حركة مسلحة تحترف قتل الأقباط في أوائل التسعينيات قمت مع بعض المستنيرين بتكوين الحركة الشعبية لمواجهة الارهاب ، وكنت مقررها الفكري والديني ، وآزرنا نظام مبارك مع أن معظمنا من ضحاياه. وساعدنا النظام وهو في محنته ، وبمجرد أن إسترد النظام عافيته تخلى عنا ، وعاد للتحالف مع الأزهر ناسيا أن الأزهر تخلى عنه محتفظا بمشاعر الود مع الارهابيين . ، وكنا نتوقع هذا وسميناه ( سياسة الاستدعاء والاستغناء ) .   برغم الاضطهاد واصلت طريقي دفاعا عن التنوير والديمقراطية وحقوق الانسان وحقوق الأقباط . وفي عام 1998 واثناء عملي في مركز ابن خلدون شاركت في مشروع لاصلاح التعليم المصري ليكون أكثر تسامحا مع الأقباط ، وتوليت إصلاح مادة التربية الدينية ، وكتبت ( دليل المعلم ) ومقترحات بديلة لمادة التربية الدينية ، وقمت بتأليف فيلم تسجيلي عن التسامح في الشعب المصري ، وسيناريو عن قصة تسامح لمصري قبطي عاش في عصر الخليفة المتعصب المتوكل العباسي ، وتم إنتاجهما ضمن المشروع. أعلن الأزهر الحرب علينا وآزرته أجهزة الدولة وكانت النتيجة غلق مركز ابن خلدون وسجن سعد الدين ابراهيم وسجن بعض أهل القرآن ، وهروبي الى امريكا لأواصل المسيرة . تعلمت منها أن الاصلاح في مصر ــ وغيرها ــ ممكن لو أراد الفرعون المستبد .

( 5 ) هناك فصلً كاملً تم حذفه من رسالة سيادتكم لنيل شهادة الدكتوراه وهو الفصل الخاص بالتعصب الديني، وذلك بعد صراع طويل مع شيوخ الأزهر، هل يمكنك أن تحدثني عن هذا الفصل تحديدًا، خاصةً مخالفة هذه المظاهر العنصرية للإسلام. ؟

رسالتى للدكتوراة كانت عن أثر التصوف فى مصر العصر المملوكي ، كتبتها في 1500 صفحة ، تفضح أثر التصوف المدمر سياسيا ودينيا وأخلاقيا وثقافيا وحضاريا، وإعتمدت على الوثائق وكتب التصوف والمؤرخين المعاصرين . وأوضحت تناقض التصوف مع الاسلام . فزع منها شيوخ الأزهر حين قدمتها للمناقشة عام 1977. وبعد ثلاث سنوات من التهديد والوعيد إتفقنا على حذف ثلثي الرسالة والاقتصار على الأثار السياسية والاجتماعية والثقافية والمعمارية . ونوقشت الرسالة  فى اكتوبر علم 1980 ، وحصلت على إمتياز مع مرتبة الشرف ، وترقيت من مدرس مساعد الى مدرس. ولكن لم أنس نشر المحذوف من الرسالة. فى أول كتاب لى صدر عام 1982 تحت عنوان ( السيد البدوي بين الحقيقة والخرافة ) فضحت حقيقة السيد البدوي وهو أنه كان متآمرا شيعيا تسّر بالتصوف للاسترجاع الحكم الفاطمي الشيعي. ونشرت فيه فصلا عن آثار تلك الحركة بعد فشلها في الإحراق العام للكنائس المصرية من الاسكندرية الى اسوان وفي وقت واحد . والكتاب منشور بموقعنا. وفي عام 1984 نشرت كتاب (شخصية مصر بعد الفتح الاسلامي ) وقررته على الطلبة في قسم التاريخ كلية اللغة العربية ، وأدخلت فيه فصلا عن إضطهاد الأقباط بعد الفتح فى الدولة الأموية. وضجّ الشيوخ غضبا من هذا الكتاب ، وأسفر الصراع بيننا عام 1985 عن تحويلي للتحقيق ثم الفصل من الجامعة ودخولي السجن عام 1987. أثناء النضال في التسعينيات أصدرت بحثا بعنوان ( إضطهاد الأقباط في مصر بعد الفتح الاسلامي ) وهو أيضا منشور بموقعنا ، ناقشت فيه هذا الاضطهاد من حيث تناقضه مع الاسلام وآثاره السياسية داعيا لاحلال ثقافة التسامح الديني. وكل هذه الكتب متاحة في موقعنا لمن يريد الاطلاع أو النشر .

(6 ) بصفتك باحثًا إسلاميًا ومفكرًا، هل هناك بعض الخطوات التي يجب اتخاذها لتجديد الخطاب الديني في مصر بما يضمن تصحيح بعض الأفكار المتوارثة المغلوطة عن مسيحي مصر؟

عبارة ( تجديد الخطاب الديني ) عملية تجميل فاشلة .

لا بد من إصلاح ديني فى مصر لانقاذ ما يمكن إنقاذه .

يرتكز الاصلاح الديني إسلاميا على المبادىء الآتية :

1 ـ  الاسلام فى معناه السلوكي هو السلام، وكل إنسان مسالم فهو مسلم بغض النظر عن ملته وإعتقاده ودينه المُعلن . وعلى أساس المسالمة تكون المواطنة الكاملة والمتساوية لجميع سكان مصر مهما إختلفت أديانهم وعقائدهم ، فكل مواطن مسالم فهو مسلم . على النقيض من ذلك فإن الذي يرفع السلاح يقتل الناس ويقوم بالإكراه في الدين فهو بسلوكه كافر محارب لله جل وعلا ورسوله مستحقا أقصى العقوبة إن لم يتب ، ( المائدة 33 : 34 (

 -2الاسلام بمعناه القلبي هو التسليم بأنه لا إله إلا الله جل وعلا دون تقديس لبشر حتى الأنبياء . الله جل وعلا هو الذى سيحكم على الناس يوم القيامة فيما يخص الاسلام القلبي ، وبالتالي فليست وظيفة الدولة هداية الناس وإدخالهم الجنة لأن الهداية مسؤولية شخصية ومن إهتدى فلنفسه ومن اساء فعليها ، قال جل وعلا :(مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ) ﴿١٥﴾  الاسراء  ) (فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ ﴿٩٢﴾ النمل (

 3يترتب على هذا  :

:3 / 1أن تقتصر وظيفة الدولة على ضمان العدل والأمن والحرية الدينية والسياسية والاقتصادية للمواطنين وكفالة الفقراء والمحتاجين. وألا تكون فى مصر مؤسسة رسمية تتحكم فى الدين على انهم وكلاء الله جل وعلا لهداية الناس . وبعض الأيات التي تؤكد المسئولية الشخصية في الهداية أو الضلال تؤكد أن النبي محمدا عليه السلام ليس وكيلا مفوضا من رب العزة جل وعلا ، قال جل وعلا: (فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ ) ١٠٨﴾ يونس ) (  فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَلِنَفْسِهِ ۖوَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ ) ٤١﴾ الزمر). (قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ ﴿١٠٤﴾ الانعام ) . إذا كان هذا هو حال النبى نفسه فكيف بغيره ؟.

 :3 / 2بالتالي  إرجاع الأزهر ما كان عليه من تأسيسه عام 972 وحتى 1920 تقريبا ،مجرد مسجد للعبادة تقوم عليه جمعية أهلية تتعيش من التبرعات وخاضعة للإشراف الحكومي ، وإلحاق التعليم الأزهري قبل الجامعي بوزارة التعليم وتحويل جامعات الأزهر الى جامعة مدنية كباقي الجامعات ، وإلغاء كليات اصول الدين والشريعة والدراسات الاسلامية وإلغاء كل المؤسسات الدينية التابعة للأزهر من الفتاوى ومجمع البحوث ،  وإشراف الدولة على المساجد لتتحول الخطبة فيها الى تعليم للأخلاق الحميدة ، وليس للإنشغال بالسياسة والحكم. هذا يوفر البلايين من ميزانية الدولة ويريحها من عبء حماية فكر ديني ظهر للعالم خطورته ودمويته ويهدد بإحراق مصر.

 :3 / 3أن تكون الحرية الدينية مطلقة للجميع ،  يشمل حرية الاعتقاد وحرية العبادات وإقامة الشعائر وبناء دور العبادة ، بل وحرية الدعوة لأي دين أو ملة طالما لا إكراه في الدين ولا دعوة لاستعمال العنف مثل أكذوبة حد الردة وتغيير المنكر .

4 ـ الاصلاح الديني هو الأصل لكنه مرتبط بحزمة إصلاح تبدأ بإصلاح تعليمي مرتبط باصلاح تشريعي يؤهل مصر لتحول ديمقراطي سيستغرق أجيالا . هذا الاصلاح التشريعي يلغي كل القيود على الحرية الفكرية والأبداعية والدينية ويلغي الكثير من قانون العقوبات التي تطارد الأبرياء ، واهمها الحبس الاحتياطي . الاصلاح الديني مرتبط أيضا بمحاربة الفساد والنظام القضائي والاقتصادي وتغول الجيش والشرطة إقتصاديا وإجتماعيا .

5 ـ المشكلة أن الفرعون المصري يحتاج الى كهنوت ديني يركبه ، وهذا الكهنوت يركب الناس . وهنا لا فارق بين كهنوت الأزهر وكهنوت الكنيسة فى مصر. وهما معا أدوات للمستبد الفرعوني . وهذا المستبد الفرعوني يحتاج الى إرهاب الأقباط وإتخاذهم رهينة وأن يظهر أمام الغرب بشعار الحامي لهم ، لذا لا بأس من إجترار كلمات عن تجديد الخطاب الديني مع إستمرار إضطهاد الأقباط وإستمر اضطهاد أهل القرآن والمستنيرين  . المشكلة في الاستبداد الفرعوني. لهذا فإن الله جل وعلا لم يرسل موسى الى الشعب المصري المغلوب على أمره ولكن أرسله الى فرعون الذى علا في أرض مصر ولم يلبث أن دمرها .