منصور الحاج:
اهتمت وسائل الإعلام العالمية بقصة سيدتين إحداهما أميركية من أصول يمنية تدعى هدى مثنى، والأخرى بريطانية من أصول بنغلاديشية تدعى شميمة بيغوم، التحقتا بتنظيم "داعش" قبل سنوات وكلاهما ترغبان في العودة إلى بلديهما. وفيما أبدت الأولى الندم على ما قامت به وطالب بمنحها فرصة أخرى للتكفير عن ذنبها، أعربت الثانية بأنها غير نادمة على ما أقدمت عليه وبررت ذلك بأنها لم تقم بأي عمل خطر.
أثارت قصة السيدتان جدلا واسعا في الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي وانقسم المراقبون والمحللون والمعلقون بين فريق مؤيد لعودتهما بحجة صغر سنهما حين انتمتا للتنظيم الإرهابي ولم تكونا حينها تدركان مغبة ما قررتا القيام به، وفريق معارض يرى فيهما خطرا على المجتمع وبمثابة قنبلة موقوتة لا يمكن إبطال مفعولها لترسخ الفكر الجهادي التكفيري وعقيدة الولاء والبراء وكراهية الكفار والرغبة في الاستشهاد في عقليهما.
في الحقيقة، إن لكلا الطرفين وجهة نظر منطقية ولكن الأسئلة تطرح نفسها هي: هل هناك معيار يحدد الجرائم التي يمكن التسامح مع مرتكبيها بمنحهم فرصة للتوبة وإبداء الندم والعمل على تغيير واقعهم إلى الأفضل؟ وكيف يمكن للسلطات التوفيق بين واجبها في توفير الحماية للشعب ومقدرات البلاد وبين الرغبة في إصلاح وتأهيل مرتكبي الجرائم ومنحهم الفرصة ليصبحوا أعضاء فاعلين في المجتمع؟
لقد وضعت المجتمعات على مر التاريخ حدودا للجرائم التي لا يمكن التسامح مع مرتكبيها، فجريمتا الخيانة العظمى والتحرش بالأطفال على سبيل المثال تعتبران من "الكبائر" في العديد من الدول ولا يمكن التساهل مع مرتكبي هاتين الجريمتين. والهدف من ذلك هو التأكيد على فداحة الجرم وحتى يدرك كل من تسوف نفسه ارتكاب هذا النوع من الجرائم بأنه يتخذ قرارا مصيريا وأن حياته سوف تتغير إلى الأبد إن تمت إدانته.
وبالعودة إلى قضية من ارتضيتا الانضمام إلى تنظيم "داعش" والاقتران بإرهابيين يستخدمون أبشع الأساليب لقتل مخالفيهم ويؤمنون بعقيدة تكفيرية متطرفة تبيح سبي النساء واغتصابهن وقتل الأبرياء وتعادي غالبية سكان الكرة الأرضية، فإن من الضروري توضيح فداحة ما أقدمتا عليه وهول ما اقترفه التنظيم من جرائم بحق الأبرياء من السكان المحليين الذين قتلوا وهجروا وتشردوا وذاقوا أقسى ألوان العذاب بسبب "داعش".
إن من الخطأ الجسيم التساهل مع كل من ارتضى العيش مع الدواعش وساهم بأي شكل من الأشكال في الترويج لعقيدتهم كما فعل كثيرون ممن هاجروا من دول الغرب الذين ساهموا، عبر مواقع التواصل الاجتماعي وإصدارات التنظيم الموجهة إلى الصادرة بلغات كالإنكليزية والفرنسية، في نشر الفكر الجهادي وتحريض أبناء جلدتهم على القيام بعمليات إرهابية بمختلف الأدوات والوسائل.
وقد حذرت منظمة الأمم المتحدة في تقرير أصدرته إحدى لجانها المختصة بمكافحة الإرهاب من مغبة التقليل من خطورة زوجات الدواعش. فبحسب التقرير الذي نقلت عنه صحيفة "إندبندنت" البريطانية، تلعب "النساء دورا مهما في عمليات التجنيد والدعاية". وأشار التقرير إلى أن النساء، وإن كن لا يشاركن في العمليات القتالية، إلا أن بإمكانهن نشر الأفكار المتطرفة وتشجيع الآخرين على تنفيذ هجمات".
كما أعرب كثير من الكتاب والمراقبين عن استيائهم بسبب اهتمام وسائل الإعلام بزوجات الدواعش ومدى إمكانية عودتهم إلى بلدانهم بدلا التركيز على الجرائم التي ارتكبها الدواعش القادمين من الغرب في سوريا. إحدى أولئك الساخطات على أجهزة الإعلام الغربية هي مولي كرابابل مؤلفة كتاب "أخوة السلاح" الذي يحكي تجارب شخصية عن الحرب السورية والتي أكدت بأن نساء "داعش" لعبن دورا أساسيا في عمليات القمع واستعباد النساء في المجتمعات التي سيطرت عليها "داعش". وطالبت الكاتبة بحسب صحيفة "جيروزاليم بوست" الحكومات الغربية بتعويض ضحايا الجرائم التي ارتكبها مواطنوها وذكرت قصة مواطن بلجيكي ينتمي إلى تنظيم داعش قام بالاستيلاء على منزل مواطن سوري كما استعبد واغتصب نساء عراقيات.
لقد فشلت العديد من مساعي إعادة تأهيل الإرهابين، فقد عاد غير قليل ممن كانوا في معتقل غوانتناموا إلى العمل في التنظيمات الجهادية بعد الإفراج عنهم أذكر منهم، على سبيل المثال، القياديين السابقين في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب السعوديان سعيد الشهري وإبراهيم الربيش بالإضافة إلى السوداني إبراهيم القوصي والعشرات غيرهم الذين لم تغيرهم سنوات السجن ولم يستفيدوا من الفرص التي أتيحت لهم للتبرؤ من الإرهاب والإرهابيين والمساهمة في تحصين المجتمع من الفكر الإرهابي.
إن على الدواعش والداعشيات إن أردن حقا التوبة والتكفير عن جريمة الانتماء إلى التنظيم الإرهابي مساعدة قوات التحالف الدولي والقوات المحلية في تصفية قيادات التنظيم والتعاون معهم في كل ما يعجل في عملية القضاء على "داعش" بدلا من تقديم أنفسهم كضحايا للتنظيم بعد فقدانه آخر مناطقه.
لقد اخترن الانضمام إلى الإرهابين وعليهن إثبات صدق رغبتهن في تخليص العالم من خطر الدواعش وهذا أقل ما يجب عليهن القيام به للتكفير عن الجرم العظيم الذين ارتكبنه في حق أنفسهن ومجتمعاتهن.