خليل عبد الكريم ومجابهة الأصولية الإسلامية - Articles
Latest Articles

خليل عبد الكريم ومجابهة الأصولية الإسلامية

خليل عبد الكريم ومجابهة الأصولية الإسلامية

طلعت رضوان:

 

وقف الراحل الجليل خليل عبدالكريم موقفًا شامخًا في مواجهة الأصوليين الإسلاميين الذين يستهدفون اعتقال عقل ووجدان شعبنا المصرى ، وذلك بتقييدنا بسلاسل عصورالظلم والظلمات. وهي (أي الجماعات الإسلامية) في سبيل تحقيق هذا الهدف ، ارتكبتْ أبشع الجرائم : فهي لم تكتف بتكفيرالمسيحيين المصريين واهداردمائهم وسلب ممتلكاتهم ، وإنما شملتْ جرائمهم تكفير المصريين المسلمين أيضًا : اغتيال فضيلة د. محمد حسين الذهبى وزيرالأوقاف الأسبق ، اغتيال د. رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب الأسبق ، اغتيال السادات ، ود. فرج فودة ومحاولة اغتيال الأديب نجيب محفوظ .. إلخ في مواجهة هذا المد الأصولى ، كان أ. خليل عبدالكريم شديد الوضوح وهو يتناول كتابات ومواقف الأصوليين ، ولم يرتكب يومًا إثم مهادنتهم أو مغازلتهم كما يفعل كثيرون ، لذلك كان أ. خليل هدفًا دائمًا لهجوم الأصوليين عليه . أحيانًا بمصادرة كتبه وأحيانًا بتكفيره توطئة لإهدار دمه .

ورغم كل المعاناة النفسية التي عاناها وهو يتلقى الهجوم عليه (كثيرًا ما كان يبوح لي برغبته في التوقف عن القراءة والكتابة والتفرغ لمكتبه في المحاماة أو مشاهدة التليفزيون) ولكنها كانت )فضفضة) النفس الجريحة ، ثم يعود إلى أصالته تجاه وطنه (مصر) لذلك ظلّ ثابتًا على آرائه ومبادئه. وكأنما الهجوم على شخصه وعلى كتاباته يمده بمزيد من الجَلَدْ والصبر والشجاعة. فإذا به يزداد صلابة وتماسكًا ، فيواصل مسيرة البحث والعطاء من أجل مصرالتى يحلم بها : مصر الدولة الليبرالية وليست الدولة الدينية التي يحلم بها الأصوليون . ورغم أنّ تخصصه في التاريخ العربي / الإسلامي إلاّ أنّ هذا الخط (ترسيخ قواعد الليبرالية) يبدو جليًا فى كل كتاباته ، سواء المقالات أو الدراسات المنشورة في الصحف والمجلات ، أو في كل كتبه التى أثارت الأصوليين ضده وعجزوا عن الرد عليه بذات الأسلوب العلمي الذى كان أ. خليل يُلزم نفسه به ويحترمه أشد الاحترام . وهو أمر يلمسه القارىء الموضوعي بكل سهولة بالاطلاع على قائمة المراجع التراثية والكتب الحديثة في نهاية كل بحث ، وهو الأمرالذى أدى إلى التفات الحركة الثقافية في مصر وخارجها إليه وانتشاركتبه وإعادة طبع بعضها عدة مرات . السمة الثانية فى كل كتاباته هي أنه لم يُخالف ضميره العلمي ، فكان يؤكد على أنّ ما حدث في 641م هو(غزوعربى) استهدف استنزاف أموال الفلاحين المصريين ، وأنّ الغزاة العرب لم يختلفوا عن سابقيهم من الغزاة .
وأعتقد أنّ أول كتاب للراحل الجليل شدّ انتباه المثقفين وأثارالإصوليين هو )الجذورالتاريخية للشريعة الإسلامية) الصادرطبعته الأولى عام 1990 لأنه أثبت فيه أنّ ما جاء به الإسلام كان موجودًا (فى معظمه) في الفترة السابقة التي أخذت وصفًا غيرعلمي (العصرالجاهلي) واستمرت ردود الأفعال ولم تتغيرعقب صدور كل كتاب (اهتمام وجدل بين المثقفين وعداء من الأصوليين) وإنْ كان عداء الأصوليين بلغ درجة التحريض على اغتياله كما حدث مع آخر كتاب مطبوع له قبل رحيله (النص المؤسس ومجتمعه) وقبل أنْ يكون في حوزة القراء .

في دراسة بعنوان (خيارالقوة المسلحة لدى الجماعات الإسلامية الأصولية المتطرفة : تاريخيته وسنده) (1) كتب أ. خليل ((فى مصر والجزائر وتونس والأردن واليمن والسعودية (الجهيمان) تسعى الحركات الأصولية الإسلامية المتطرفة إلى إقامة دولتها بقوة السلاح)) وإذا كانت الثقافة السائدة البائسة ترى ضرورة الحوار مع الجماعات الإسلامية ، فإنّ أ. خليل يرى أنّ دعوة الحوار لابد أنْ تنتهي إلى طريق مسدود ، ذلك أنه إذا كان الأصوليون يرونَ أنّ الدولة الإسلامية ((يجب أنْ تتأسس على دوى المدافع وجماجم الشهداء)) وإذا كان دعاة الحوار يرونَ أنّ الدعوة إلى سبيل الله تكون بالحسنى والكلمة الطيبة ، فإنّ المشكلة تكمن في أنّ الفريقيْن يستندان إلى مرجعية واحدة : أي إلى ((نصوص مقدسة ، قاطعة صريحة ، لا لبس فيها ، تكاد تكون مُحكمة ، إنْ لم تكن كذلك بالفعل ، بالاضافة إلى وقائع تاريخية موثقة من سيرة محمد (ص) وأصحابه (ر) دوّنتها صحاح السنة وكتب السيرة التي تلقتها الأمة بالقبول والتجلة التي تقرب من حد التقديس ، ولاسبيل إلى الطعن في حجج كل فريق إلاّ بإنكار النصوص المقدسة والوقائع الثابتـــة ، وهذا مستحيل . . إلخ ((

فإذا كان المنادون بضرورة الحوار يُخاطبون الأصوليين بالآية الكريمة ((لكم دينكم ولي دين)) وهي الآية رقم 16من سورة (الكافرون) وهي مكية. أوبالآية الكريمة ((أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)) وهي الآية رقم 125 من سورة النحل وهي مكية . أوبالآية الكريمة ))ولاتجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن)) وهي الآية رقم 46من سورة العنكبوت وهي مكية أيضًا ، فإنّ الأصوليين يردون بالآية الكريمة ((إنّ الدين عند الله الإسلام)) وهي الآية رقم 19من سورة آل عمران وهي مدنية . وكذلك يتمسكون بالآية الكريمة ((ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يُقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين)) وهي الآية رقم 85 من سورة آل عمران ، والآية الكريمة ((واقتلوهم حيث ثقفتموهم)) (أي وجدتموهم) وهي الآية رقم 191من سورة البقرة وهي مدنية . والآية الكريمة ((فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد)) وهي الآية رقم 5 من سورة التوبة وهي مدنية أيضًا وهي الآية المعروفة ب (آية السيف) وعن هذه الآية كتب أ. خليل ((يرى كثير من ثقاة مُفسري القرآن الكريم أنها جبّتْ آيات المسالمة والصفح والعفو، وأنّ القتل يتعيّن أنْ يلحق حتى بمن وقع أسيرًا في أيدي المسلمين . والشق الأخير طبّقه محمد بن عبدالوهاب إمام الحركة الوهابية في الجزيرة العربية في القرن الثامن عشر الميلادي ، فكان يأمربقتل الأسرى حتى ولو كانوا مسلمين ماداوا لم يُتابعوه على رأيه. وعمومًا فإنّ هذا التفسير لآية السيف بأكمله هو الذي تتبناه الجماعات الأصولية الإسلامية المتطرفة في مصر والجزائر على وجه الخصوص)).
أما فى مواجهة اليهود والنصارى (المسيحيين) فإنّ الأصوليين يتمسكون بتطبيق الآية الكريمة ((ولاتؤمنوا إلاّ لمن تبع دينكم)) وهي الآية رقم 73 من سورة آل عمران وهي مدنية . وبالآية الكريمة ((قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولاباليوم الآخر ولايُحرّمونَ ما حرّم الله ورسوله ولايدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون)) وهي الآية رقم 29 من سورة التوبة وهي مدنية أيضًا . وعلق أ. خليل قائلا ((إنّ الذي يقرأ إصدارات الجماعات الأصولية الإسلامية المتشددة في مصر يتأكد أنها ترى أنّ قتال أهل الكتاب الذي ورد بهذه الآية أمر إلهي ماضٍ إلى يوم القيامة. ولم يرد ما ينسخه ومن ثم يتعيّن على المسلمين إنفاذه ولايكفوا عنه إلاّ في حالتيْن : أ – أنْ يعتنق اليهود والنصارى الإسلام . ب – أويُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون . وإزاء تمسك الأصوليين بهذه الآية فإنهم ((يرفضون بشدة التأويلات التي يعمد إليها بعض (المستنيرين) من الإسلاميين للتخفيف من صرامة الآية ويعتبرون ذلك تخاذلا بل كفرًا لأنه حكم بغير ما أنزل الله)) وإذن – كما كتب أ. خليل – فإنّ خطاب (النصوص المقدسة) تغير تمامًا ، فهو في حالة الاستضعاف شىء ، وفي حالة الاستقواء شيء آخر))

وهكذا يكون طريق الحوارمع الأصوليين (النصوصيين) مسدودًا خاصة وأنهم يتمسكون أيضًا بتطبيق سيرة الرسول (ص) في اغتيال الخصوم مثلما حدث في ((مقتل كعب بن الأشرف وأبى رافع سلام بن أبى الحقيق اليهودييْن بأمرمباشر من محمد صلى الله عليه وسلم)) واختتم أ. خليل هذه الدراسة قائلا ((إنّ خيار القوة المسلحة الذى تنتهجه الجماعات الأصولية الإسلامية المتطرفة له تاريخيته وسنده من (النصوص المقدسة) وهذا في مذهبنا ما يجب التسليم به حتى يُمكن فهم هذه الجماعات الفهم الأمثل .. إلخ))

وفي دراسة أخرى بعنوان (جذورالعنف لدى الجماعات السياسية الإسلامية- مثلٌ من جماعة الإخوان المسلمين) (2) رصد أ. خليل جذورالعنف لدى الأصوليين المعاصرين من خطاب المرشد الأول للإخوان المسلمين (حسن البنا) الذى قال يُخاطب أعضاء الجماعة ((في الوقت الذى يكون فيه منكم معشر الإخوان المسلمين ثلاثمائة كتيبة قد جُهزتْ كل منها روحيًا بالإيمان والعقيدة ، وفكريًا بالعلم والثقافة ، وجسميًا بالتدريب والرياضة ، في هذا الوقت طالبونى بأنْ أخوض بكم لجج البحار وأقتحم عنان السماء وأغزو بكم كل عنيد جبار)) وفي نهاية تحليله لخطاب وبرنامج جماعة الإخوان المسلمين كتب ((لم يكن من باب المصادفة أنْ يحمل شعار الإخوان المسلمين سيفيْن حول المصحف الشريف ، فهم المصحف ومن عداهم سيفان : الذي على اليمين لمخالفيهم من المسلمين ممن لا يعتنقون أفكارهم ويؤمنون بمبادئهم ، والسيف الآخر(الذى على الشمال) لغير المسلمين . وهذه هي المهمة التي قام بها النظام الخاص المشهور إعلاميًا ب )الجهاز السري) كما تنطق بذلك صفحات حزينة من تاريخ مصر الحديث ، ثم أكملتْ المسيرة الدامية الجماعات الحديثة لأنها تعتنق الفكر ذاته وتؤمن من أعماق نفوسها ب (الاصطفائية) و(تملك الحقيقة المطلقة) والثمرة لهذه الجذورهي : العنف((

وفى تحليله لكتابات سيد قطب وتأثير هذه الكتابات على الأجيال الجديدة من الأصوليين ، كتب أ. خليل ((يُعتبر سيد قطب مرجعًا مباشرًا للجماعات الأصولية)) وعلى سبيل المثال فإنّ موقف سيد قطب من المرأة يكشف توجهات تلك الجماعات في هذه الخصوصية ، فهو (سيد قطب) في تفسيره للآية الكريمة ((وقرنَ فى بيوتكن)) في كتابه (في ظلال القرآن) كتب ((وهي إيماءة لطيفة أنْ يكون البيت هو الأصل في حياتهن . هو المقر. وما عداه استثناءً طارئًا)) وإذا كان سيد قطب يرى أنّ ((النساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كنّ يخرجنَ للصلاة غير ممنوعات شرعًا من هذا)) والسبب كما يرى سيد قطب أنّ ذلك كان في زمن ((فيه عفة وفيه تقوى)) (3) فإنّ أ. خليل الذي امتلك شجاعة الباحث الحر، اختلف مع هذا الرأي فكتب ((أما الزعم بأنّ النساء كان يُسمح لهن فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بالخروج للصلاة (لأنه كان زمان فيه عفة وفيه تقوى) فينضوي على قصور مُتعمد يبلغ حد التدليس . ولاينكرأحد وجود التقوى والعفة فيه ، ولكن بجانبها كان هناك زنا وقائعه مبثوثة في كتب السيرة النبوية ودواوين السنة الصحاح والمسانيد وموسوعات الفقه . وكان فيه تخنث ومخنثون (هيت) بل إنّ بعض الرجال كانوا يتلصّصون النظر إلى النساء داخل المسجد وهم يُصلون خلف رسول الله (ص) كما روى ابن عباس الذى قال ))كانت تُصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة حسناء من أحسن الناس ، وكان بعض الناس يستقدم في الصف الأول حتى لايراها ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر، فإذا ركع قال : هكذا ونظر من تحت إبطه وجافى يديه ، فأنزل الله تعالى ((ولقد علمنا المستأخرين)) وهذا الحديث كما ذكرأ. خليل أورده الحاكم في (المستدرك) وقال هذا حديث صحيح الإسناد . أما (البيهقى) في (السُنن الصغرى) فقد أورد حديثًا بروايتيْن عن امرأة أغصبتْ في عهد الرسول )ص) وهي في طريقها لأداء صلاة الفجر، بل إنّ صحابيًا شرع في اغتصاب زوجة أخ له في الإسلام خرج مجاهدًا في إحدى الغزوات ، وكان قد إئتمنه عليها . ويرى علماء أسباب النزول أنها علة الآية ((والذين إذا فعلوا فاحشة)).

وفي كشفه لمرجعية الأصوليين المعاصرين ، فإنّ أ.خليل يرى أنه ((إذا كان سيد قطب هو المرجع القريب للإسلاميين (كتبها الإسلامويين) الأصوليين ، فإنّ شيخ الإسلام ابن تيمية هو المصدر الأصيل والأثير لديهم)) فابن تيمية يرى أنّ ((النكاح (أى الزواج) فيه الجمع مُلكًا وحُكمًا والجمع فعلا بالحس والحبس وكلاهما موجبه وهما متلازمان)) وكان تعليق أ. خليل ((إذن ابن تيمية من رأيه أنّ موجبات عقد الزواج أنه يُعطي الزوج حق المُلك والحبس على زوجته وأنهما مجموعان في يده بمقتضاه)) بل إنّ ابن تيمية يخطو خطوة أوسع : ((فيُقارن بين الزوجة والعبد المملوك ، فيرى أنهما سواء لافرق بينهما ، فعندما يتحدث عن النفقة بالنسبة للزوجة ، يُقارن بينها وبين نفقة المملوك ) العبد) ثم ينتهي إلى أنه ((ففي الزوجة والمملوك أمره واحد))

وفي نبش الأصوليين في تراث التخلف ، فإنهم يعثرون على أصولي آخرهو ابن القيم الجوزية الذي هو كما كتب أ. خليل ((واحد من المرجعيات التي تجد قبولا بالغًا لدى الأصوليين)) وقدّم أ. خليل بعض النماذج من كتابات ابن القيم الجوزية التي تحط من مكانة المرأة والتركيزعلى أنها موضوع للفراش ، وكأنما المرأة خُلقتْ لإمتاع الرجل ، سواء في الدنيا أوالآخرة ، إذْ أنه (ابن تيمية) بعد أنْ يُقدّم وصفًا تفصيليًا لكل الأبعاد الحسية لنساء الجنة ، يكتب عن الأوصاف المعنوية لهن ((فهنّ المُتحببات إلى أزواجهنَ والمطيعات لهم والحسنات التبعل ، وفسرها أبو عبيده : حُسن مواقعتهن وملاطفتهن لأزواجهن عند الجماع مع شدة عشقهن لهم . وفي تفسير آخر: أنهن العواشق ، المتحببات ، الغنجات ، الشكلات ، المتعشقات ، المغنوجات)) (4(

وامتلك أ. خليل شجاعة الكتابة بأنّ ((خطاب الأصوليين في خصوصية مكان المرأة ووظيفتها مستمد من (النصوص) وبغض النظرعما يُقال عن تفسيرها وتأويلها)) ومن ثم فإنّ الإلمام بظروف المجتمع والبيئة التى انبثقتْ عنهما تلك (النصوص) أمرعلى درجة كبيرة من الأهمية ، بل هو مفتاح فهمها وتعليل ما ورد بها من أحكام وأوامر ونواه ومُحرّمات))

ورغم أنّ أ. خليل متخصصٌ في التراث العربي / الإسلامي إلاّ أنه عندما يكتب يكون بصره وتكون بصيرته دائمًا على مصر. وعلى سبيل المثال فإنه في كتابه )العرب والمرأة) وبعد أنْ أثبتَ الوضع المزري والمتدني للمرأة في التراث العربي ، عقد مقارنة بينها وبين المرأة في تراث الحضارة المصرية ، ولأنه عالم يحترم لغة العلم ، فقد اعتمد على مجموعة من المراجع المتخصصة فى علم المصريات ، ومنها التي تناولتْ وضع المرأة في مصرالقديمة . أما عن السبب الذي فرّق وميّز بين الوضع الإنساني للمرأة المصرية ، والوضع اللاإنساني للمرأة العربية فهو((بكل بساطة الفرق بين الحضارة ، بل أعرق حضارة عرفها التاريخ وبين البداوة)) (5(

وإذا كانت الديموقراطية (إحدى آليات الليبرالية) تعني تداول السلطة من خلال حق الشعوب في الانتخاب الحر المباشر، وإذا كان الأصوليون يُعادون هذه الآلية الليبرالية ، وبالتالي يُعادون قيم الحداثة التي انتزعتها الشعوب عبْر آلاف السنين ، وعبْر آلاف التضحيات ، فإنّ أ. خليل له موقف واضح وصريح بالنسبة لموضوع الديموقراطية ، فكتب عنه كثيرًا ، في كتابه المهم )الجذورالتاريخية للشريعة الإسلامية) وفي مقالاته العديدة في مجلتي (أدب ونقد) ، (اليسار) وفي كتابه (الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية) الذي نص فيه على ((ليس صحيحًا ما يدّعيه بعضهم أنّ الشورى هي (الطبعة العربية أو الإسلامية) للديموقراطية ، ذلك أنّ الاختلاف الجذري بين كنه وطبيعة النظاميْن يؤكد لنا أنه إدعاء فاسد . وكذلك القول أنّ الديموقراطية هي الوسيلة العصرية للشورى ، فهذا خلط للأوراق وتمييع للمفاهيم وهدم لحدود التعريفات))

وفي تفصيل غاية في الوضوح شرح أ. خليل الفرق الجوهري بين الشورى والديموقراطية . فالشورى نظام يقتصرعلى أخذ رأي (الملأ) أي النخبة. أما (القبيل) أي الجماهير فلا حساب لها عنده ولا قيمة ، في حين أنّ الديموقراطية نظام ((يرتكزعلى رأي القاعدة الشعبية العريضة ، لا على )الايليت) أو النخبة أو الصفوة أو الملأ أو مجلس الشورى ، فالديموقراطية تعني حكم الشعب بالشعب لصالح الشعب . أما نظام الشورى العربي فهو شيء مختلف ، يتأسس بالدرجة الأولى على استبعاد رأي الجماهير الشعبية ، سواء في اختيار نظام الحكم أو في اختيار من يتولون الحكم.. ((وليس مصادفة أننا لم نقرأ في كتب التاريخ الإسلامي أنّ (خليفة) أو (واليًا) تم تنصيبه عن طريق الانتخاب الحر المباشر الذي شاركتْ فيه جماهير المسلمين (السواد أو العامة أو الرعية) فهؤلاء (الضعفاء أو المستضعفون) لم نقرأ أنّ خليفة راشدًا أو غير راشد استشارهم أو حتى التفتَ إليهم أو شعر بوجودهم)) وبالتالي فإنّ (البيعة) ليستْ ((انتخابًا بأى صورة من الصور)) أما الديموقراطية فإنها تقوم على ركيزتيْن : 1 – الاعتماد على رأي الشعب ، لا النخبة أو الملأ أو مجلس الشورى أو أهل الحل والعقد 2- الزام الحاكم بما ينتهي إليه رأي الجماهير أو الشعب((

وفي قراءته للواقع المعاصر فإنه كتب عن سبب ((أخير يُدعّم دعوتنا إلى (إقالة الشورى) واحلال الديموقراطية محلها : وهوالطغيان السياسي من قِبَلْ غالبية حكام العرب والمسلمين وبطاناتهم المتعددة الأشكال)) وأنّ التمسك ب((الشورى يُساعد على تجذيرالطغيان السياسي وتكريسه واستشرائه واضفاء سند شرعي عليه)) ولذا ((فليس من باب المصادفة أنّ عددًا من الأنظمة الحاكمة حكمًا استبداديًا تُشجّع على عودة (الشورى) وشن الحملات الضارية على الديموقراطية ونعتها بأبشع الأوصاف ، وهذا ما تفعله وبذات الحماس والهمة الجماعات الفاشستية التي ترفع شعارات دينية لإخفاء أهدافها السياسية الدنيوية)) (6(

وإذا كان الأصوليون يُروّجون لمقولات تؤدي إلى المزيد من التخلف مثل الزعم بأنّ (النصوص المقدسة) سبقتْ وتنبّأتْ بكل ما جاءت به العلوم الطبيعية ، فإنّ أ. خليل كان يمتلك شجاعة الرد على هؤلاء الأصوليين فكتب ((لم يحدث- ولومرة وحيدة- أنْ خرجوا علينا ب (نظرية علمية) إنسانية أو طبيعية استقوها من (النصوص) وهذا أمر بديهي لعدة أسباب منها ، أنّ هذه النصوص ليس من وظيفتها إفراز نظريات علمية . كما أنّ البيئة التي ظهرتْ فيها لم تكن مُهيّأة لظهور نظريات علمية في زمانها ، فما بالك بعد مضى نيف وعشرة قرون ، وأخيرًا فإنّ النظريات العلمية إنما تجيىء نتجة للتجريب والملاحظة ولاتُمطرها السماء عن طريق النصوص))

وفي ذات السياق تصدى للأصوليين الذين ((ما إنْ سمعوا بمسألة حقوق الإنسان حتى بادروا إلى الزعم بأنّ (النصوص المقدسة) نادتْ بها قبل أنْ يُعلنها )الفرنجة) بأكثرمن عشرة قرون ، وعلى ذلك فقد طلعوا علينا بما أطلقوا عليه )الإعلان الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان) عام 1981ب (هيئة اليونسكو) نتيجة إلحاح وإلحاف من (المجلس الإسلامي) وارتكز هذا الإعلان المهيب على آيات من القرآن وأحاديث نبوية((

وبموضوعية العالم فإنّ أ. خليل يرى أنّ (الإعلان الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان) يفتقر إلى بُعديْن أساسييْن : الأول هو البُعد البشرى ، حيث أنّ )حقوق الإنسان) انتزعها البشر بنضالاتهم انتزاعًا وبتضحياتهم ودمائهم وأنها ليست منحة إلهية أو عطية نبوية أو هبة خليفية . وأنّ تلك الحقوق لو جاءتْ من أي سلطة فوقية ، فإنه من اليسير انتزاعها ، لأنّ من وهب شيئًا يستطيع أنْ يرجع في هبته.. إلخ والثانى هو البُعد التاريخي ، وهذا البُعد بدوره ينضوي على عنصريْن : الأول هو التراكمات التاريخية ، أي خبرة الشعوب في صراعها ضد الطواغيت الحاكمة وتراكم هذه الخبرة طوال التاريخ البشري . والثاني هوالاختلاف في المضمون من حقبة إلى أخرى . وأنّ (حقوق الإنسان) لوكانت مرجعيتها (النصوص المقدسة) فإنها بهذه الحالة ((تتسم بالاستاتيكية والثبات وعدم التغيير، لأنّ هذه المرجعية لايجوز تخطيها أو مجاوزتها لقداستها المطلقة ، في حين أنّ الطبيعة البشرية لتلك الحقوق تُعطيها ديناميكية وقدرة على الحركـة ، حيث أنّ التاريخ البشري أثبت ((أنّ حقوق الإنسان منذ قرنيْن – ولانقول من عشرة قرون أو أكثر- تختلف عن حقوقه في الوقت الحاضر، وهي بالقطع سوف تختلف عن حقوقه بعد قرون((

وفي سبيل تدعيم وجهة نظره فإنّ أ. خليل وهو يُقدّم قراءة نقدية لتوجهات الأصوليين الذين ((فى غمرة حماستهم الفجة للإسلام ومحاولة إظهاره في كل ميدان ، أذاعوا (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) وأرجعوه إلى (النصوص المقدسة) ولو أنهم أرجعوه إلى نضالات المسلمين والعرب التي خاضوها خلال الثورات التي رفعتْ لواءها الفرق المتباينة : الخوارج ، الشيعة ، المعتزلة ، القرامطة ، الزنج والثورات الشعبية في مصر ومنها الثورة العارمة التى انفجرتْ فى عهد المأمون العباسى (ثورة البشموريين) والذي حضر من بغداد عاصمة خلافته ونجح في إخمادها بوحشية دموية.. لو فعلوا ذلك لكان لإعلانهم ذاك مصداقية أكبر)) (7(

في عام 1997روّج الأصوليون لفكرة إقامة احتفال بمناسبة مرور14قرنًا على (الغزو/ الفتح) العربي لمصر. وردّدتْ الثقافة السائدة البائسة هذه الدعوة ورحّبتْ بها ، إلاّ أنّ أ. خليل كان له رأي مغاير تمامًا ، فكتب مقالا وضع له العنوان التالى (نعم للاحتفال بدخول الإسلام مصر.. ولا للاحتفال بالغزو العربي) (8) في هذا المقال فرّق بين الإسلام كديانة وبين الغزو الاستيطاني الاستنزافي الذي قام به العرب ، حيث أنّ الدعوة للدين لاتستدعي ((تجييش الجيوش وتجنيد الجنود وتعبئة الصفوف)) وأنّ الفتوحات التى تمتْ ((لم تستهدفْ نشر الإسلام أبدًا . لقد كان الهم الأكبر والأوحد لأصحابها هو قضم ثروات البلاد الموطوءة وهبشها ونقلها إلى موطنه الشّرق ، وأسر رجالها ليصيروا عبيدًا وخولا لهم وسبي نسائها الوضيئات وشاباتها الحسناوات ليُمتّعوا بهن أنفسهم ، وفرض الضرائب المتنوعة على أهلها ليعيشوا هم سادة مُنعّمين على حساب عرق العلوج . والعلوج هو الاسم الذى كانوا يُسمون به أهالي البلاد المفتوحة)) وإذا كان هناك من يتشكك فى هذه الوقائع التاريخية ، فإنّ أ. خليل يسد عليهم باب الشك قائلا إنه اعتمد على ((أمهات كتب التاريخ العربي / الإسلامي التى تلقتها أمة لا إله إلاّ الله بالتجلة والقبول وفي مقدمتها مؤلفات : الطبري ، اليعقوبي ، ابن كثير، البلاذري ، المسعودي ، الواقدي ، ابن قتيبه الدينوري ، أبو حنيفة الدينوري ، المقريزي ، الكلاعي وغيرهم وغيرهم)) وبعد أنْ وجّه النقد إلى المؤرخين المحدثين وإلى الأكاديميين من حملة الدكتوراه ، لافتقارهم للأمانة العلمية ، اختتم مقاله قائلا ((نخلص من ذلك إلى أننا نقول بملء أفواهنا : نعم للاحتفال باعتناق أهل مصر للإسلام ، ولكن كلا ومليون كلا للاحتفال بالغزو العربي الاستيطاني الاستنزافي)) إنّ ما ذكره أ. خليل عن الغزو العربى فى المقال المنوه عنه ، كتبه بتفاصيل أكثر فى كل كتبه ، فمثلا ذكر حديثًا لعمربن الخطاب قال فيه إنْ عاش لقابل (أي العام المقبل) فسوف يُرسل للراعي نصيبه في العطاء وهو قابع في باديته. وكان تعليق أ. خليل ((ف (العلج) المصري (وفق التعبيرالعربي) يشقى طوال العام وولاة (أي عمال) عمر يضعون يدهم على حصيلة كده ويُرسلونه إلى عمر الذى يُوزّعها على صحبه حسب مراتبهم وما يفيض يبعث به إلى راعي الغنم وهومستلقِ على قفاه فى باديته)) (9) وفى كتاب آخر كتب عن صعيد مصر ((الذى دهستْ أراضيه قبائل كثيرة مع الغزو العربي الاستيطاني بقيادة عمرو بن العاص الذى فعل الأفاعيل هو وجنوده في مصرالمحروسة عكس ما يزعمه حملة المباخر من المؤرخين المحدثين)) (10) وهكذا في كل كتبه لم يُخالف ضميره العلمي . وكانت الحقيقة قبلته والعقل الحر مرجعيته ، فلم يُهادن أو يُغازل الأصوليين ، الذين يستهدفون جر مصر إلى عصور الظلم والظلمات ، مثلما فعل كثيرون من مدّعي الليبرالية .

المصادر:
-1 
نُشرتْ هذه الدراسة في مجلة قضايا فكرية- عدد أكتوبر93، وأعاد نشرها في كتابه (الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية) دارسينا للنشر- عام 95- من ص 47- 57 .
-2 
كتاب الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية – مصدر سابق من ص 23- 44 .
-3
سيد قطب : في ظلال القرآن من ص2859- 2860فى تفسيره سورة الأحزاب – نقلا عن أ. خليل عبدالكريم – مصدر سابق ص 225 .
-4 
خليل عبد الكريم – مصدر سابق – ص 233.
5
-خليل عبد الكريم – العرب والمرأة – دار الانتشارالعربي وسينا للنشر- عام 98 ص 229، 230.
-6
خليل عبدالكريم – الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية- مصدر سابق من ص91- 93. 7 – خليل عبدالكريم – المصدر السابق من ص133- 146 وكذلك كتابه (الجذورالتاريخية للشريعة الإسلامية – سينا للنشر عام 1990من ص122- 129.
-8
خليل عبدالكريم – مجلة اليسار- أكتوبر97.
-9 
خليل عبدالكريم – الصحابة والصحابة- السفرالثاني – سينا للنشرعام 97ص 176.
-10
خليل عبدالكريم – فترة التكوين فى حياة الصادق الأمين – ميريت للنشر عام 2001ص47.

الحوار المتمدن

Related

Share

Rating

0 ( 0 reviews)

Post a Comment

Category
Author
More Options
  • Recent
  • Popular
  • Tag
Tags