سعيد شعيب يكتب : هل نريد شيخا للأزهر مطيعا وينفذ الأوامر؟ - Articles
Latest Articles

سعيد شعيب يكتب : هل نريد شيخا للأزهر مطيعا وينفذ الأوامر؟

سعيد شعيب يكتب :  هل نريد شيخا للأزهر  مطيعا وينفذ الأوامر؟

بالقطع لا، ولا أظن أن من يحكمون مصر يريدون ذلك. فالأصل في مؤسسات الدولة أن تكون مستقلة عن السلطة التنفيذية، حتى تحظى بحريتها لتقوم بدورها في خدمة المجتمع، وليس الحكومة. مثلاً السلطة القضائية الأصل فيها أن تكون مستقلة وليست تابعة للسلطلة التنفيذية، لأنها لو كانت تابعة أو تتأثر بهذه الحكومة أو تلك، فهذا يعني تدميرا كاملا ل"جوهر العدالة" وانهيار فكرة حل الصراعات بين أفراد المجتمع ومؤسساته بشكل سلمي. وسيكون الحل في هذه الحالة هو أن يلجأ الأفراد أو المؤسسات لأن "تاخد حقها بذراعها" بالمال أو بالقوة، إنها الفوضى وأخلاق الغابة. بالمثل الأصل هو أن تكون المؤسسات التعليمية العلمية مستقلة (الجامعات على سبيل المثال) ليس فقط عن السلطة التنفيذية، ولكن أيضاً عن باقي مؤسسات الدولة، حتى يمكنها أن تمارس أبحاثها العلمية بحرية كاملة دون وصاية.

 جربت مصر أن يكون الأزهر تحت ولاية الحاكم. على سبيل المثال  بعد الإنقلاب العسكري عام 1952 واستيلاء بعض ضباط الجيش على السلطة. خاض جمال عبد الناصر حرباً علنية لإقصاء الإخوان من منافسته على الحكم، فقد كانوا يطمعون فيه. لكنه ترك إيديولوجية الإخوان كما هي في الأزهر والمؤسسات التعليمية.

 سأعطيك مثالاً: هناك  فيديو شهير للرئيس  ناصر موجود على اليوتويب يسخر فيه من مرشد الإخوان وقتها الذي طلب منه أن يأمر ب"طرحة" يقصد الحجاب لكل المصريات، وقال للمرشد ساخراً : حجب بنتك الأول.

 هنا الرئيس ناصر لا يرغب في فرض الحجاب، وهذا أمر جيد. لكن موقفه لم يتحول إلى نشر اجتهادات إنسانية للإسلام ترفض فرض الحجاب، بل وكثيراً منها يرى الحجاب غير "إسلامي". كما أنه لم يهتم  بأن تتضمن مناهج تدريس الإسلام في المدارس اجتهادات ترى أصلاً  أن الإسلام دين فقط وليس دولة، ومنها الإجتهاد الشهير للشيخ علي عبد الرازق في كتابه "الإسلام وأصول الحكم"، والذي يطرح فيه أيضاً أن الخلافة التي يسمونها "إسلامية" لا علاقة لها بالإسلام.

 ربما الرئيس ناصر نفسه لم يكن يعرف أن هناك اجتهادات أخرى، لكنه في الحقيقة كان مشغولاً فقط بإزاحة الإخوان من التنافس على السلطة وقد نجح في ذلك. لكن إيديولوجيتهم ظلت موجودة في المساجد والمدارس وفي الأزهر طبعاً. بل ويمكن القول أن الرئيس ناصر دخل صراعاً مع الإخوان حول من له الأحقية بأن يتحدث باسم الإسلام. ربما لذلك ساعد الرئيس الأسبق للأسف بقصد أو دون قصد على نشر هذه الإيديولوجيا، فزادت في عهده ميزانية الأزهر أضعاف ما كانت عليه، وأصبح جامعة تدرس علوماً لا علاقة لها بالدين مثل الطب والهندسة وغيرها. وزاد على ذلك أن يتم استقبال مبعوثين من كل مكان في العالم على نفقة المصريين لكي يدرسوا إيديولوجيا الإخوان في الأزهر. كما تم إرسال مبعوثين من الأزهر إلى كل مكان فيه مسلمين في العالم لكي يعلموا المسلمين إيديولوجية الأزهر الدينية.

  اعتقد الرئيس عبد الناصر أنه بذلك جعل "الإسلام ومؤسساته" تحت السيطرة وفي خدمة مشروعه السياسي، ومنح نفسه "مشروعية دينية" . لكن  كل ذلك فشل، وبقيت نسخة الإسلام الإخوانية تحت جلد المجتمع، وكانت هي النسخة التي  يدرسها الأزهر للمسلمين في مصر وفي كل مكان كما قلت لك لا تتناقض مع إيديولوجيا الإخوان، وسأقول لك كيف:

* الإخوان يريدون دولة ديكتاتورية دينية يقولون إنها " إسلامية" وكذلك الأزهر.

 فأي دولة دينية، أي دستورها وقوانيها دينية، لابد أن تكون ديكتاتورية ( عندنا أمثلة كثيرة في باكستان والسعودية وإيران والسودان وغيرهم)  لأنها تفرض على الناس نوع الإسلام الذي تؤمن به بالقهر والقمع. كما أنها تمنع أي مذهب غير مذهبها وتتعامل مع أصحاب المذاهب الأخرى  ومع غير المسلمين باعتبارهم مواطنين درجة عاشرة. وهذه هي طبيعة أي دولة لها إيديولوجيا أو دين أو عقيدة .    

*الإخوان يريدون تطبيق الشريعة وكذلك الأزهر.

*الإخوان يريدون أن يكون حاكم مصر مسلما وكذلك الأزهر.

*الإخوان يحلمون بعودة ما يسمونه "أستاذية العالم" وكذلك الأزهر يحلم بعودة ما يسميه "الخلافة الإسلامية".

*الإخوان يريدون فرض الحجاب والإسدال وغيره وكذلك الأزهر.

*الإخوان يريدون أن تكون مصر بلداً إسلامياً من الألف للياء وكذلك الأزهر.

 دعني أذكرك بالتصريح الشهير لشيخ الأزهر عندما قابل محمد بديع مرشد الإخوان وقال "نصف الإخوان أزهريين"، لتتأكد أكثر مما أقوله. فكلاهما لا يريدان دولة مواطنة يتساوى فيها كل المصريين في الحقوق والواجبات. ودعني أذكرك أن ملايين من المصريين خرجوا إلى الشوارع في 30-6-2014 رفضاً للدولة الإسلامية" التي بدأ الإخوان في تجهيز مصر لها، وربما تكون أنت واحداً من هذه الملايين التي انتفضت ضدهم.

 دعني أذكرك ايضاً بالإنزعاج الشديد من أفعال حدثت وقت حكم الإخوان، مثل ظهور فرق "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" والتي قتلت شابا في الإسماعيلية. لقد انزعج ملايين من المصريين من التدخل في شؤونهم الدينية، ومن التدخل في شكل تدينهم. أي أن الملايين كان رفضها  واضحاً للدولة الدينية الإسلامية. 

 الشيء الوحيد الذي يختلف شيخ الأزهر ( أي شيخ أزهر وليس الدكتور الطيب وحده)  مع الإخوان هو أنه لا يريد أن يحكم مصر، ولا يشكل تنظيماً سياسياً سرياً أو علنياً ليصل إلى الحكم. بل ويمكن أن يقدم شيوخ الأزهر  للحاكم من الفقه الإسلامي  ما يرفض تماماً الخروج عليه مهما  كان ظالماً.

  أي أن شيخ الأزهر، وله كل الإحترام، لا يبحث عن سلطة سياسية بالتأكيد، ولكنه يريد أن يصبح قائدا وزعيما ورئيس المسلمين السنة في مصر والعالم. يريد السلطة الدينية، وهي أقوى، سوف أترك لكم السياسة وتتركون لي المسلمين.. وهذا ما حدث.

 ذات الأمر تكرر في بلاد أخرى. على سبيل المثال مصطفى كمال أتاتورك الذي يصفونه بأنه مؤسس تركيا الحديثة. أعلن نهاية "الخلافة العثمانية" التي ينسبونها ل"الإسلام"، وأزاح رجال الدين وكل من يؤمنون بهذه الخلافة. أي أزاح الإسلاميين تماماً من التنافس معه على السلطة والحكم. وأزال أي مظهر ديني "إسلامي" تقليدي من المجتمع. على سبيل المثال منع ارتداء الحجاب وألغى الكتابة بالحروف العربية ... الخ.

  لكنه أبقى على إيديولوجيا الإسلاميين كما هي في المساجد والمدارس الإسلامية. لقد منع  ارتداء الحجاب بالقوة، وهذا خطأ بالتأكيد، والخطأ الثاني أنه لم يتح أمام المسلمات اجتهادات اسلامية تقول بأن الحجاب ليس من الإسلام. كما لم يتح أي اجتهادات إنسانية للإسلام، لكي يختار من بينها الأتراك ولكي يعرفوا أن "إسلام الإسلاميين" مزيف.

 مهم أن تعرف أن رجب طيب أردوغان درس الإسلام (نسخة طبق الأصل من إسلام الإخوان ) في المدارس الإسلامية التي يرعاها وتنفق عليها دولة أتاتورك. هناك واقعة تدلل على ذلك، فقد حصل أردوغان الطفل على جائزة من المدرس لأنه رفض الصلاة على جريدة فيها صور لأن الصور حرام وخاصة صور النساء. أي أن اردوغان ورفاقه من الإسلاميين تربوا وتعلموا في المدارس التي تركها وربما أسسها أتاتورك. أي أنه مثل عبد الناصر كان يطارد الإرهابيين الذين ينافسونه على السلطة ولكنه لم يغلق المصنع الذي ينتجهم. 

 نعود الى فكرة استقلال مؤسسات الدولة، من المستحيل أن يكون لدينا مجتمع ديمقراطي حر ومتقدم، مجتمع حرية ورفاهية للمواطن دون أن تكون مؤسسات الدولة مستقلة. ولكن هذا لا يعني أبداً أن يصبح لدينا جمهوريات مستقلة داخل الدولة. جمهورية للقضاة وأخرى لرجال الدين .. الخ. لكن لابد أن يراقب المجتمع وليس الحكومة هذه المؤسسات. هناك أشكال منها أن يكون في مجلس إدارتها ممثلين عن المجتمع بمختلف طبقاته وتياراته وأديانه ومذاهبه. ومنها أن تكون هناك لجنة برلمانية يتم تمثيل كل الأحزاب السياسية فيها، وربما تستعين بشخصيات عامة.  أي لا يسيطر عليها الحزب الحاكم وحده. وتتدخل هذه الرقابة المجتمعية عندما تحيد أي مؤسسة عن دورها المحدد في القانون والدستور، ويكون رئيسها مسؤولاً أمام هذه الرقابة المجتمعية.

 بجملة واحدة، ننهي حالة اختطاف الأزهر أو غيره من مؤسسات الدولة، سواءً كان هذا الإختطاف من جانب الحكومة أو من جانب من يديرون هذه المؤسسة. 

إذن ماذا نريد من الأزهر؟

 اذا كنت لا ترى أن لدينا مشكلة كبرى في الأزهر، فلا داعي لأن تكمل القراءة. فالحقيقة إن وجود الإرهاب المسلح وغير المسلح في بلدنا وفي كل مكان في العالم دليل قاطع على فشلنا كمجتمع في مواجهته، وفشل من ننفق عليهم من أموالنا لكي يحلوا المشكلة، أو على الأقل ليقوموا بدورهم في التقليل منهذا الجنون الدموي. وأظن أن هذا ممكن لو طبقنا الإقتراحات الآتية:

أولاً: أن ينتقل دور الأزهر من الحماية والدفاع عن رأي شخص واحد أو عدة اشخاص، ولهم كامل التقدير والإحترام، هم الذين يديرونه. وهذه الأراء تتغير بتغير من يتولى منصب شيخ الأزهر أو دار الإفتاء. فهم بعض المسلمين وليسوا كل المسلمين. وهم مع كامل التقدير لهم، لا احد معه توكيل بأن يكون المتحدث الوحيد باسم الإسلام. وما يقولوه ليس هو الإسلام، لكنه رأيهم في الإسلام، بالتأكيد نحترمه ولكن من حقنا كمسلمين مثلهم الإختلاف معه.

 كما تعرف  لا توجد سلطة دينية في القرآن الكريم  ولا حتى في الأحاديث التي وصلتنا. أي أن الله جل علاه لم يختر أن يكون هناك وسيط بينه وبيننا، فالعلاقة مباشرة لو أردنا، نأخذ بما يصلح لنا، وليس بما يقرره سين أو صاد، أياً كان، ومع تقديرنا الكامل له. الآية الكريمة التي يستندون عليها "فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" سورة النحل 43 . فطبقاً للتفسيرات الأكثر انتشاراً  ليس المقصود بها من يسمون أنفسهم "علماء دين"، ولكنها تعني "اسأل أهل الكتاب،أي  اليهود والفرقة المسيحية التي كان اسمها "نصارى"، وذلك في سياق الرد على "كفار" قبيلة قريش. أي  لا علاقة لها بالأزهر ورجاله، ولا بأي مؤسسة دينية إسلامية في أي مكان في العالم.

 ثم حتى لو افترضنا أن "أهل الذكر" هي بالمعنى الذي يقولونه، فليس لدينا دليل واحد على أن "أهل الذكر" المقصود بهم قادة الأزهر الحاليين أو السابقين أو أي "رجل دين " طوال تاريخنا.

 لا اقصد بالطبع أن أنزع عن شيخ الأزهر وله كامل الإحترام، أو غيره من المسلمين، أن يجتهدوا ويقولوا للمجتمع رأيهم، لكنه يظل هذا رأيهم في الإسلام، وليس الإسلام ذاته، وهذا فارق ضخم. لذلك نحن ليس لدينا إسلام واحد، ولكن إسلامات، ليس فقط في الوقت الحاضر، ولكن على امتداد تاريخ المسلمين. والذي انتشر وأصبحت له السيطرة هو ما يوافق عليه الحاكم المسلم طوال ما يسمونه "الخلافة الإسلامية"، وهي لا علاقة لها بالإسلام.   

 بالتالي فنحن نحتاج إلى أن يصبح الأزهر مركز بحث علمي ل"الإسلامات" الإنسانية وهي كثيرة، الشرط الوحيد في هذه الإجتهادات، أو الإطار العام لهذه الإجتهادات أنها تفكك وتحطم الأساس الديني الذي يستند عليه الإرهابيون المسلمون. وهذا ليس تكميماً للأفواه ولا تقليل من استقلال أي مؤسسة دينية، ولكنه هو الإطار الحاكم لأي حرية. أظنك توافقني على أنه لا حرية لإرهابي يقتل وينهب ويغتصب باسم الإسلام، ولا حرية أيضاً لمن يحرضه بتوفير الأساس الديني من القرآن والأحاديث، ومن تاريخ الإمبراطورية الإستعمارية التي للأسف يسمونها "إسلامية"، فمجتمعنا مثل كل المجتمعات يجب أن يحسم وإلى الأبد "لا حرية للمجرمين" ويضعهم في السجون. فليس مقبولاً على سبيل المثال أن نترك من يحرض ضد المسيحيين أو غير المسلمين، ولا من يدعو علنا إلى "زواج القاصرات" أو استعادة "ملك اليمين". وما عدا ذلك فالإجتهادات العظيمة لا أول لها ولا آخر . وفي هذه الحالة نتعرف على إجابات متعددة لأي سؤال في الدين. والإجابات بالطبع لن تكون ثابتة، لأنها تتغير بتقدم الزمن.

 لكن حتى يتفرغ الأزهر لذلك لابد أن نرفع عن كتفيه أحمالا ثقيلة لا علاقة له بها:

* إلغاء التعليم الأزهري، فليس دور من اختاروا أن يجتهدوا في الدين أن يعلموا الأطفال الأحياء والفيزياء والتاريخ والجغرافيا والفلسفة .. الخ. الأفضل لهم ولنا أن يتفرغوا للبحث العلمي المتعمق بالإسلام وهو بحر لا أول له ولا آخر. كما أن التربية وإن كان يدخل فيها القيم الكلية للإسلام وغيره من الأديان، فإنه أيضاً أصبح علما منفصلا عندنا فيه باحثون كبار وأعلام علينا الإستفادة منهم . لا يجوز أن يترك المجتمع ذلك لبعض من تخصصوا في الدين وحده، ونتركه لمن فشلوا في حل مشكلة الإرهاب ومصممون على الفشل والغريب أنهم يريدون أن يفرضوه على المجتمع كله.

*خروج الأزهر أو رجال الدين من المجال العام، أي لا ولاية لهم على أي نشاط مجتمعي، ولا وصاية لهم على أي شيئ. يعودون خطوة إلى الخلف ويتفرغوا تماماً للبحوث الدينية طبقاً للإطار الذي شرحته، يقدمون الإستشارات، يمكن أن نقبلها أو نرفضها كمجتمع.

*تدريس الأديان الرئيسية في المدارس، أي القيم الكلية للمسيحية والإسلام وغيرها، حتى يتمكن المسلم من معرفة أديان باقي المصريين دون كراهية. ومن يريد أن يعرف أكثر لديه المسجد أو الكنيسة.

*الأجزاء التي تسبب سوء فهم في نصوصنا المقدسة، ليس مكانها المساجد ولا المدارس ولكن مكانها "الأزهر" كمركز بحث علمي متنوع، ومن يريد من المسلمين الإستزادة من هذا الجانب، يمكنه الإلتحاق بكلية أصول الدين التابعة للأزهر ليدرس ما يشاء.

ما هي الإجتهادات الإنسانية في الإسلام؟

 لا أول لها ولا آخر قديماً وحديثاً والمجال لا يتسع  إلا لذكرأمثلة سريعة، وكلها من على أرضية الإسلام وليست من خارجه أو ضده، واذا اقتنعت بأي منها فأنت ما زلت مسلماً موحداً ولم تخرج من الإسلام: 

* هناك اتجاه عريض  يقول ب"تاريخية النص"، وهذا لا يتعلق بالقيم العليا للإسلام مثل العدل والحرية وغيرها. لكنه يتعلق بأحداث جاءت في القرآن الكريم أو المرويات التاريخية الإسلامية. منها على سبيل المثال الصراع المسلح الذي خاضه سيدنا النبي محمد (ص)،  مع بعض اليهود في زمنه، انتهى ولا يجوز استرجاعه، أي أن الله جل علاه لم يأمرنا بالعداء الأبدي وإبادة اليهود في كل مكان وزمان لمجرد أنهم يهود. فليس منطقياً أن يأمرنا الله سبحانه وتعالى بإبادة جماعة بشرية هو الذي خلقها لمجرد أنهم مختلفون في الديانة أو العقيدة. فكان من باب أولى ألا يخلقهم أساساً.

ومثله الصراع مع المسيحية أو مع أي مختلف في العقيدة، ومثله ايضاً الصراع المسلح وغير المسلح بين سيدنا النبي (ص) و"كفار" ذلك الزمان انتهى ولا يجوز أيضاً استعادته وكأنه يحدث الآن. هذه الإجتهادات كما ترى تخلص المسلم من "الكفار، التكفير .. الخ" الذي تسبب في كل الدماء التي سالت على امتداد التاريخ، وتعيدنا إلى القيم الكلية العظيمة للإسلام.

* المفكر الإسلامي محمد شحرور قدم الكثير من الإجتهادات الهامة، منها على سبيل المثال أنه حل عقدة الميراث وقدم تفسيراً يتيح المساواة في الميراث بين البشر، وهذا يتسق بالتأكيد مع أن الله جل علاه خلق البشر متساويين.

* هناك قراءات قدمها مستشرقون أجانب، استنادا الى أن اللغة العربية مثل كل لغات العالم فيها كلمات غير عربية، فلا توجد في الدنيا كلها لغة نقية. لذلك فالعربية فيها كلمات عبرية ويونانية وآرامية .. الخ. وأعاد بعضهم قراءة آيات مثل "وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَ اضْرِبُوهُنَّ" النساء 34. فالضرب كلمة آرامية وتعني "تجاهل" وليس الضرب الذي نعرفه. و"الحور العين" التي تسببت أو ساعدت في أن يصبح آلاف الشباب ارهابيين، فهي طبقاً للتفسير المنتشر أنه سيتزوج 72 فتاة عذراء رائعة الجمال في الجنة. في حين أن معناها بناء على اللغة الآرامية "العنب الأبيض". وهكذا وغيرها من الكلمات التي ممكن أن تقدم لنا تفسيراً يقربنا أكثر من المعاني السامية للدين.

* هناك ايضاً مشروع إسلام بحيري في تقديم قراءة إنسانية للنصوص المقدسة. وقد بذل جهدا جباراً في تحرير الأحاديث المنسوبة لسيدنا النبي زوراً وسببت الكثير من الدماء والتعصب والخرافات.  مثل حديث قتل المرتد "من بدل دينه فاقتلوه"، فهل منطقي أن نتحدث عن الإسلام دين الحرية والعدل وفي نفس الوقت نؤمن بقتل من يخرج منه. بحيري قدم الأدلة على أن هذا حديث  مشكوك فيه، كما أنه يتناقض، مثلما يقول، مع القرآن الذي يحمي حرية العقيدة. كما أنه ايضاً نشر بحثاً فريداً وأعاد تقديمه في عدد من حلقات من برنامجه التليفزيونية، يؤكد أن سيدنا النبي تزوج السيدة عائشه وعمرها 18 عاما وليس 9 كما هو منتشر في الفقه السائد. أي أن بحيري  ينزع عن سيدنا النبي تهمة مشينة.

*الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ بجامعة الأزهر يحاول أن يعيد للإسلام إنسانيته التي دمروها من خلال اجتهادات متميزة. كما أنه يقاتل من أجل حق المسلم في أن يعرف كل الإجتهادات في الفقه القديم وليس اجتهاداً واحداً.       

* هناك اجتهاد هام آخر للمفكر السوداني المسلم محمود محمد طه، الذي لم يتراجع عن أفكاره، وأظن أنه من أهم المجددين المسلمين. أعدمه الرئيس السوداني جعفر نميري بترحيب من الأزهر والإخوان. الفكرة الأساسية لطه أن الإسلام يتكون من أصول وفروع. الأصول موجودة في القرآن المكي، والفروع موجودة في القرآن المدني وهذه كانت مرهونة بمسلمي ذلك الزمان، فالمكي هو قرآن الحرية والمساواة والمسؤولية. وبالتالي فلابد من اتباعه وحده. 

 قدم طه حلولاً دينية تطبيقية بناء على ذلك منها المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، لأن هذا أصل من أصول الإسلام. فشهادة المرأة في الشريعة المتطورة مساوية لشهادة الرجل، ويجب أن تزول قوامة الرجل عليها لزوال أسبابها المرحلية، وأن تزول التفرقة في الميراث بينها وبين الرجل، وأن يكون لها حق الطلاق كما هو للرجل تماما.

 من المهم أن أقول لك إن الإخوان وعموم الإسلاميين يؤمنون بالعكس، على سبيل المثال يقولون أن آية السيف {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ... } [التوبة:5]. نسخت 140 آية تدعو للتسامح. ومحمود طه يقول العكس، وهو أن الأصل في الإسلام هو " أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" [يونس : 99] .

ما أطرحه هنا هو محاولة للخروج من المأزق الذي نعاني منه كمسلمين، وبالتأكيد يحتاج إلى نقاش واسع نحاول فيه جميعاً الإجتهاد لنعيد لهذا الدين العظيم روحه الحقيقية.

Related

Share

Rating

4.50 ( 2 reviews)

Post a Comment

Category
Author
More Options
  • Recent
  • Popular
  • Tag
Tags