توني روم: صحفي متخصص في السياسات التكنولوجية
بعد شهرين من الهجمات القاتلة التي حفز عليها نشر الكراهية على الإنترنت وتمخضت عن مقتل عشرات الأشخاص في كرايستشيرش، تحث جاسيندا أرديرن رئيسة الوزراء النيوزيلندية الحكومات الأخرى وعمالقة تكنولوجيا الإنترنت على الالتزام بمكافحة انتشار التطرف على مواقع التواصل الاجتماعي. وما يطلق عليه «نداء كرايستشيرش»، وهو تعهد طوعي قُدم على هامش اجتماع مجموعة السبع في باريس، يعكس مخاوف دولية متزايدة من أن تتحول فيسبوك وجوجل وتويتر.. إلى قنوات للتطرف وبث دعايات المتطرفين الذين أثبتوا قدرتهم على تفادي جهود وادي السيلكون لمنع المحتوى الضار من الانتشار على الإنترنت.
ونظمت أرديرن والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون اجتماعاً في باريس كاستجابة لدعوة رئيسة الوزراء النيوزيلندية في مارس الماضي إلى إخضاع مواقع التواصل الاجتماعي لمحاسبة أكبر بعد أن قتل مهاجم 51 شخصاً في مسجدين ونشر الهجوم مباشرة ليراه ملايين الناس على الإنترنت. وحضر مسؤولون من كندا وبريطانيا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى ممثلين عن فيسبوك وأمازون وجوجل وتويتر وعمالقة التكنولوجيا الآخرين. وذكرت تويتر أن جاك دورسي الرئيس التنفيذي للشركة يشارك في الاجتماع في باريس بينما أرسل البيت الأبيض كبير المستشارين التكنولوجيين للرئيس.
وقبيل القمة، أعلنت فيسبوك عن مسعيين لمعالجة مخاوف المنظمين ووقف انتشار المحتوى الضار عبرها. والآن سيُحظر على المستخدمين الذين يخترقون «أكثر السياسات خطورة» على فيسبوك، مثل نشر رابط لبيانات من جماعة إرهابية معروفة، ونشر مقاطع فيديو حية على فيسبوك لفترة معينة من الوقت. وأعلنت فيسبوك أن هذه السياسة لو كانت طبقت من قبل لربما منعت مهاجم كرايستشيرش من استخدام خاصية البث المباشر للشركة لنشر هجماته على المساجد. وتعهد عملاق التكنولوجيا أيضاً بتقديم 7.5 مليون دولار للعمل مع باحثين في ثلاث جامعات لتحسين قدرتها على استكشاف الصور والمقاطع المصورة التي جرى التلاعب بها. والاستثمار الجديد يأتي بعد اعتراف من فيسبوك بأن مستخدمين خبثاء تحايلوا على أدواتها للاستكشاف وحملوا نسخاً معدلة قليلاً لمقطع فيديو الهجوم في كرايستشيرش.
وأكدت فيسبوك وجوجل ومايكروسوفت اعتزامها التوقيع على اتفاق كرايستشيرش. ولم توضح تويتر خططها لكنها وصفت الاجتماع بأنه «فرصة حيوية للاستماع والتعلم من قيادات ومسؤولين رقميين مختلفين من أنحاء العالم».
وكان هجوم كرايستشيرش قد أدى إلى تجدد البحث في دور مواقع التواصل الاجتماعي. ووظفت فيسبوك وجوجل وتويتر آلاف المراقبين وأنشأت أدوات ذكاء اصطناعي جديدة بهدف منع خطاب الكراهية والتطرف والإرهاب على الإنترنت. وبرغم هذه الجهود لم يتمكن عمالقة التكنولوجيا من التصدي لانتشار مقاطع فيديو كرايستشيرش، مما دفع الحكومات عبر العالم إلى فرض مزيد من القواعد.
وشاهد بعض الناس البث الحي للهجوم الذي أعلنت فيسبوك أنها أزالته بعد بدء البث بـ29 دقيقة. لكن في غضون 24 ساعة حاول مستخدمون إعادة تحميل المقطع المصور على فيسبوك أكثر من 1.5 مليون مرة. وتسلل نحو 300 ألف من هذه المقاطع، وظهرت على الموقع قبل أن يزيله فريق المحتوى للموقع وبرمجة القوائم السوداء. وأعلن «منتدى الإنترنت العالمي لمكافحة الإرهاب»، وهو هيئة تجارية شكلتها فيسبوك ومايكروسوفت وتويتر ويوتيوب، أن قوائم حظرها الأتوماتيكي رصدت أكثر من 800 مقطع مصور مختلف في الشكل للهجوم.
وحثت رئيسة الوزراء النيوزيلندية عمالقة التكنولوجيا على تحمل مزيد من المسؤولية وضمان ألا تنحرف تكنولوجيا الإعلام الجديد و«تصبح أداة للإرهاب». وقالت: إن «نداء كرايستشيرش» لا يستهدف تقييد حرية التعبير، بل «منع التطرف العنيف والإرهاب على الإنترنت».
واقترح منظمون في الاتحاد الأوروبي قواعد تطالب عمالقة التكنولوجيا بإزالة المحتوى الإرهابي في غضون ساعة أو دفع غرامات باهظة. وفي بريطانيا وضعت الحكومة الشهر الماضي مقترحات قد تفرض عقوبات على مواقع التواصل الاجتماعي لتقاعسها عن مكافحة طائفة واسعة من المحتوى الضار، بما في ذلك خطاب الكراهية والتنمر الرقمي.
وبلغ قلق السلطات السريلانكية من مواقع التواصل الاجتماعي واحتمال انتشار العنف في البلاد حداً جعلها تغلق إمكانية الدخول إلى فيسبوك ومواقع أخرى بعد هجمات على كنائس الشهر الماضي.
وفي العام الماضي، أبرمت فرنسا اتفاقاً لمدة ستة أشهر مع فيسبوك يسمح للمنظمين بإمكانية دخول غير مسبوقة لدراسة نهج عملاق التكنولوجيا في التصدي للتدوينات والصور التي تهاجم الناس على أساس العرق أو الدين أو النوع. واتبع ماكرون منذئذ قواعد جديدة تستهدف مساعي الشركات لمكافحة خطاب الكراهية، واجتمع مع مارك زوكربيرج الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك للغرض ذاته.
أما في الولايات المتحدة، فإن الحماية التي يوفرها التعديل الأول للدستور لحرية التعبير، جعلت كثيرين من صناع السياسة يترددون في فرض قيود على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى إن أخطأت هذه المواقع.
واشنطن بوست