وفاة قايد السبسي: بين التدين واللاإنسانية - Articles
Latest Articles

وفاة قايد السبسي: بين التدين واللاإنسانية

وفاة قايد السبسي: بين التدين واللاإنسانية

سناء العاجي:

 

توفي الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، فانهالت على الإنترنيت مئات التعليقات الشامتة من مشاهير الشيوخ السلفيين... بل وأيضا من طرف عموم الناس، ممن يتدثرون بالفكر السلفي والإخونجي.

منذ متى تحول الموت إلى موضوع شماتة؟ منذ متى فقد البعض إنسانيته حد الشماتة في موت شخص يختلف عنهم فكريا وأيديولوجيا؟

ثم، كل هؤلاء الشامتين في موته، هل كانوا مثلا يتوقعون أنه سيعيش مدى الحياة، كي يقدم له الدليل على أنه مصيب؟ ألا يفترض أن نموت جميعا، العلماني والإخواني والسلفي والسني والشيعي والهندوسي واللاديني والداعشي؟

هذا علما أن الباجي قايد السبي مات في عمر يناهز 93 سنة، في حين أن أمد الحياة في تونس لا يتجاوز 76 سنة. بمعنى أنه عاش بصحة جيدة وبكامل قواه العقلية والبدنية، أكثر من متوسط عمر بقية التونسيين بمختلف أطيافهم وأعمارهم وتوجهاتهم الأيديولوجية. وهذا يعني أيضا أنه عاش أكثر مما سيعيشه الكثير ممن يشمتون في موته!

كما أنه، في مرضه الأخير، اختار أن يعالج في مستشفى تونسي حكومي ولم يتوجه إلى مستشفيات أوروبا وأميركا، ليتعالج لدى "الكفار"، كما يفعل العديد من حكام دول منطقتنا والعديد من مشاهير شيوخ السلفية.

بعض الشيوخ ذهبوا أبعد من الشماتة حين قدموا قراءة جديدة لحديث "اذكروا محاسن موتاكم"؛ حيث اعتبروه ببساطة... حديثا ضعيفا! لقد قرروا أنه ضعيف حتى يمنحوا لأنفسهم حق الشماتة والتعبير عن الكره في موت كل من يخالفهم الرأي!

هل هناك وحشية ولا إنسانية أكثر من هذه؟

علما أن هذا الأمر قد ينقلب عليهم غدا، لأنهم حتما سيموتون وقد يعتبر مخالفوهم في الرأي، من خارج وحتى من داخل المنظومة الإسلامية، بأن الحديث ضعيف وبأن من حقهم السخرية منهم والشماتة في موتهم!

بل، فلنفترض أنه فعلا حديث ضعيف (بالمناسبة، فاعتراف بعض الشيوخ بكون بعض الأحاديث ضعيفة يجعلهم يعترفون ضمنيا أن هناك أحاديثا لفقت للرسول بينما لم يقلها... لكن هذا موضوع آخر!)؛ ما الذي يمنعنا من الأخذ به ما دام يدعو لسلوك نبيل وإنساني؟ ماذا ينفعك تدينك إن لم يهذب أخلاقك ويطور فيك قيمك الإنسانية؟

لننتبه أيضا أنه، في كل حديث عن التطرف، يصرخ البعض بأن الإسلام بريء من الإرهاب والإرهابيين وأنه دين سلام. لكن واقع مواقف العديد من الإسلاميين تبين عن كمّ العنف الذي يسكنهم. عنف يصل حد الشماتة في أمر طبيعي حتمي سيعيشونه بأنفسهم، ألا وهو الموت.

هذا ليس كل شيء، لأن بعضهم قرر أن يأخذ مكان الله، فتخيلوا للرئيس التونسي الراحل أصنافا معينة من العذاب في جهنم. أليسوا بهكذا سلوك يأخذون مكان الله ويقررون في عقاب ومكافأة البشر؟

كما أن تلك الشماتة التي طغت على خطاباتهم، روجت لأفكار مغلوطة تترجم عدم فهم الإسلاميين لمفهوم الدولة المدنية.

في أحد خطاباته، كان قايد السبسي قد صرح بأن "لا علاقة لنا بالدين ولا بالقرآن ولا بالآيات القرآنية. نحن نتعامل مع الدستور الذي أحكامه آمرة، ونحن في دولة مدنية".

الشامتون ربطوا بين عبارته وبين تلاوة القرآن في وفاته قائلين: لماذا لم يقرؤوا له الدستور حين مات؟

هل يدرك كل هؤلاء الشامتين بأن كلام قايد السبسي وبأن مفهوم الدولة المدنية عموما لا يعني إلغاء الدين من حياة الأفراد؟ لا يعني منع الأفراد من صيام رمضان ومن الصلاة والحج وقراءة القرآن؟

الدولة المدنية تعني أن القوانين التي تؤطر علاقة المواطنين مع بعضهم البعض من جهة، ومع الدولة من جهة أخرى، هي قوانين مدنية. بعد ذلك، يبقى من حق أي شخص أن يكون متدينا أو لا. أن يقرأ القرآن أو الإنجيل أو أشعار محمود درويش...

لكن، كيف نشرح هذا الكلام لعينات بشرية تؤول كلام الرسول نفسه حسب هواها ومصالحها الآنية، لتجعله ضعيفا أو متينا؟ كيف نشرح لهم بأن تدينهم هذا، يبعدهم كثيرا عن القيم الإنسانية؟

الحرة

Related

Share

Rating

9.00 ( 1 reviews)

Post a Comment

Category
Author
More Options
  • Recent
  • Popular
  • Tag
Tags