نيرڤانا محمود:
كنت أعتبر نفسي من أكثر النساء جرأة، حتى قابلت، بمحض الصدفة، الناشطة الإيرانية مسيح علي نجاد.
مسيح سيدة قوية وجريئة لا تخاف الملالي، بالرغم من تهديداتهم لها ولعناتهم عليها. صوتها يهدر غضبا وهي تتحدث عن الظلم الذي تتعرض له النساء الإيرانيات.
تذكرني مسيح بكلمات الشاعر نزار قباني "والشعر الغجري المجنون.. يسافر في كل الدنيا".
فالناشطة الإيرانية، ذو الشعر المموج (curly) الكثيف، تركت إيران وسافرت إلى آخر الدنيا لتدافع عن أبسط حقوق أي امرأة ـ أن تقرر ماذا تفعل بشعرها.
استغربت مسيح حين قلت لها إنني زرت إيران. نعم ذهبت إلى إيران ووجدت شعبا لا يعرف الكثير عن جيرانه الخليجيين. شعب يأن من الظلم ويحلم بالحرية.
غادرت مسيح إيران منذ أعوام بعد أن تعرضت لمضايقات واعتقالات. جريمة مسيح الكبرى، من وجهة نظر نظام الملالي، أنها تعترض على سياسة النظام الذي يفرض الحجاب القسري على النساء الإيرانيات.
أطلقت مسيح حركة لرفض الحجاب، الذي فرضه السلطات الإيرانية بعد الثورة الإسلامية، أطلقت عليها اسم "الأربعاء الأبيض"، أو ما يعرف بالفارسية "چهارشنبههای سفید"، والتي تدعو من خلالها الإيرانيات الذين يرفضون الحجاب إلى تحميل صورهم بعد خلعه ونشرها على شبكات التواصل.
تؤكد مسيح أنها ليست ضد الحجاب بل ضد فرض الحجاب. فرق كبير بين الاثنين. فرق يفهمه العديد من النساء في عالمنا العربي اللواتي رضخن لضغوط الجماعات الإسلامية وشعار "الحجاب قبل الحساب"، وارتدين الحجاب، ليس خوفا من رب العالمين، بل تجنبا للنظرات السلبية في مجتمعات تحكم على المرأة من ملبسها وليس أخلاقها وتصرفاتها. ويا ويل من تتجرأ وتخلع الحجاب، فستواجه لعنات وعويل، حتى من بعض الأهل والأصدقاء الذين سيذكرونها بالعذاب في الدنيا والآخرة.
ولكن على الأقل، في مجتمعاتنا العربية لا يوجد عقاب رسمي لخلع الحجاب، بل أكثره نفسي في الأوساط الاجتماعية من الأقارب أو المقربين.
أما في إيران، فالموضوع يختلف. فعقوبة عدم ارتداء الحجاب في إيران تتراوح بین غرامة مالية، والحبس من عشرة أيام إلى شهرين، و74 جلدة، بحسب المادة رقم 638 في قانون العقوبات الإسلامية الإيرانية.
بعد نجاح مسيح في اجتذاب انظار العديد داخل وخارج إيران، قررت السلطات الإيرانية تشديد العقوبة. فقد هددت إيران النساء اللواتي تصورن أنفسهن أو غيرهن أثناء عدم ارتداء الحجاب ويرسلن الصور إلى مسيح بالسجن لمده عشر سنوات.
بالرغم من تشديد العقوبة، ما زالت النساء الإيرانيات ترسلن صورهن وفيديوهاتهن لمسيح لتنشرهن حول العالم.
منذ بضعة أيام، أصدرت محكمه إيرانية حكما على الشابة ياسمين أرياني وأمها بالسجن لمده 16 عشر عاما لكل منهما لتحديهما نظام الحجاب الإجباري.
في قصة مسيح، والوضع الاجتماعي في إيران بوجه عام، عبرة وعظة وفرصة للعالم العربي. العبرة أن استخدام الحجاب كأداة سياسية قد فشل فشلا ذريعا. لم ينجح حظر الحجاب، وأيضا لم ينجح فرضه عنوة على النساء.
فكما أعطي الحظر القسري للحجاب في الماضي، (تركيا عام 1923 ثم إيران عام 1936 ) ،الفرصة لجماعات الإسلام السياسي لادعاء المظلومية والترويج لأيديولجيتها، بل ولاستخدام الحجاب كمؤشر على ارتفاع شعبيتها، ثبت أيضا أن فرض الحجاب قسرا سبب التمرد والرفض، كما نرى الآن في إيران.
جاء نظام الملالي ليفرض الحجاب عنوة، واعتبره ظلما وبهتانا، رمزا للثورة على الشاه. والآن نجد النساء الإيرانيات يتمردن على الحجاب بالرغم من قمع السلطات الذي وصل إلى حد إلقاء هؤلاء النساء في السجون.
النموذج الخليجي
على بعد أميال قليلة من إيران، في دولة الإمارات، تستطيع النساء أن تجلس على شواطئ عامة وتستمع بالبحر سواء كانت ترتدي الحجاب أو لا ترتديه، بل تستطيع أن ترتدي لباس البحر بدون أن تتعرض لأي مضايقات أو تحرش.
هذا التطور الاجتماعي يمكن أن يتبلور ليمثل نموذج وسطيا، يتعلم من أخطاء شاه إيران وأتاتورك، ويحافظ على ثقافه المجتمع وتقاليده، بينما يحارب الإسلاموية القمعية. نموذج يمنح للمرأة كرامتها وحريتها ويحميها من أن تكون سلعة في يد تجار الدين والسياسة.
ومن هذا المنطلق، من المهم الوقوف مع مسيح علي نجاد وقضيتها العادلة هي وملايين الإيرانيات، ضد قمع الملالي. فثورة النساء الإيرانيات هي بداية النهاية للنظام الإيراني.
فنظام الملالي مهما راوغ ومكر واعتدى سيزول حتما يوم ما، ولكن الشعب الإيراني لن يزول وسيبقي جارنا سواء شئنا أم أبينا.
الحرب على إيران لا تختصر فقط بمحاربة الإرهاب وتأمين الملاحة في الخليج، بل يجب أن تشمل محاربة النموذج الاجتماعي البغيض الذي يقدمه النظام الإيراني للمواطن المسلم داخل وخارج إيران.
وفي هذا النطاق، الوقوف مع حقوق المرأة الإيرانية هو واجب علينا جميعا، إذا كنا جاديين في محاربة الظلام والتخلف.