التاريخ روايات تنتحل لنفسها صفة الواقعية، وليس بالضرورة أن تجسد هذه الرواية أو تلك الحقيقة المطلقة، ولكن حسبها أن يكمل بعضها بعضاً أو يعكس كل منها صدى للحقيقة.
ما نعرفه عن النبي محمد (570-632) من المصادر العربية-الإسلامية يكاد ينحصر في الفترة النبوية. وظلت الأربعين سنة الأولى من حياته تاريخاً مجهولاً إلى حد بعيد، بل حتى حياته بعد النبوة لم تُدوَّن إلا بعد وقت طويل من وفاته.
فالسيرة النبوية التي لخصها ابن هشام (ت. 833) نقلاً عن ابن إسحق (ت. 768(، والمغازي التي جمعها الواقدي (ت. 823)، كلاهما دُوِّن بعد وفاة النبي بزهاء قرنين من الزمان، نظراً لعدم اهتمام العرب بالكتابة، في وقت كانت الشعوب المتحضرة الأخرى كالسريان والروم قد قطعت شوطاً طويلاً فيها. ومن هنا تأتي أهمية الروايات الأخرى التي إما كانت معاصرة للنبي أو نُقلت عن مصادر أسبق كانت معاصرة له.
الرواية البيزنطية
جاءت أقدم إشارة تاريخية إلى النبي محمد، دون ذكر اسمه صراحة، في "تعاليم يعقوب المتنصر حديثاً"، وهو نص دفاعي عن المسيحية تم تأليفه على الأرجح في إفريقية عام 634، وفقاً للمؤرخ روبرت هويلاند، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في العصور الوسطى، وذلك أثناء حملة التنصير القسري لليهود بأمر من الإمبراطور هرقل.
الإمبراطور هرقل
والنص منسوب إلى تاجر يهودي من فلسطين يُدعى يعقوب، كان في رحلة تجارية إلى قرطاجة وأُجبر على التنصّر بعد فترة من سجنه، وتم دفعه للدفاع عن المسيحية أمام أترابه من المتنصرين حديثاً وكان أحد أقرباء هؤلاء المتنصرين ويدعى جوستوس قد وصل من فلسطين وراح يحكي عمّا سمعه من أخيه إبراهام في قيصرية عن ظهور "نبي" وعن أن العرب قتلوا ضابطاً بيزنطياً من الحرس الإمبراطوري.
روى جوستوس عن أخيه: "عندما قتل السراكنة (العرب) الضابط البيزنطي، كنت في قيصرية وتوجهت بقارب إلى شكمونة. وكان الناس يقولون ‘لقد قُتل الضابط’ وكنا نحن اليهود نطير فرحاً. وكانوا يقولون إن النبي قد ظهر، آتياً مع السراكنة )العرب) وكان يدّعي أنه المنتظر، الماشيح الآتي. وصلت إلى شكمونة والتقيت عجوزاً ضليعاً في الأسفار المقدّسة وسألته: ‘ماذا تقول في هذا النبي الذي ظهر مع السراكنة؟’ فأجاب متنهداً: ‘إنه مزيّف، فلا يأتي الأنبياء مدججين بالسيف. والحق إن ما يجري اليوم أعمال فوضى، وأخشى أن الماشيح الذي جاء أولاً، والذي يعبده المسيحيون، كان هو الذي أرسله الرب... لكن اذهب يا سيد إبراهام واكتشف حقيقة النبي الذي ظهر’. لذلك فقد بحثتُ وسمعت من أولئك الذين قابلوه، والحقيقة الوحيدة التي وجدتها في هذا [الشخص] الذي يدعونه نبياً كانت سفك دماء الرجال. في حين أنه يقول أيضاً إن لديه مفاتيح الفردوس، وهو ما لا يقبله عقل".
ويذكر المؤرخ البيزنطي ثيوفان المعرف (752-818) في تاريخه عن حياة النبي محمد قبيل النبوة: "نظراً لأن محمد كان يتيماً بائساً، فقد استحسن فكرة أن يذهب إلى سيدة ثرية تدعى خديجة (كانت قريبته) ليعمل لديها أجيراً ويتولي شؤون جمالها وتجارتها في مصر وفلسطين. ولأنه كان مفوهاً وجريئاً، فلم يلبث أن ذهب خلسة إلى هذه السيدة الأرملة وتزوجها، واستحوذ على جمالها وثروتها. وعندما ذهب إلى فلسطين عاش مع اليهود والمسيحيين، وتقصى عن كتابات معيّنة بينهم. وقد كان مصاباً بنوبات صرع، وعندما لاحظت زوجته هذا صارت غاية في التعاسة، لأنها كانت من سراة القوم واقترنت برجل ليس بائساً فقط بل ومصروعاً كذلك. فشرع يسترضيها قائلاً: ‘إنني أرى ملاكاً يسمى جبريل، وإنني يُغشى علي لأنني لا أستطيع تحمل رؤيته’. وكان لديها صديق راهب مشلوح لفساد عقيدته يعيش هناك منفياً، فأخبرته [خديجة] بكل شيء، حتى اسم الملاك. فأراد أن يطمئنها، فقال لها: ‘لقد نطق بالصدق، لأن هذا الملاك أُرسل لجميع الأنبياء’".
وبعد النبوة، يذكر ثيوفان المعرف في تاريخه عن أحداث عام 631 التالي: "في هذه السنة مات محمد، حاكم السراكنة (العرب) والنبي المزيف. بعد أن اختار نسيبه أبو بكر ليخلفه في الحكم. وكان أينما تحل شائعة وصوله، يصبح جميع الناس خائفين. وعندما ظهر لأول مرة، انخدع اليهود وظنوا أنه المنتظر [الماشيح] الذي يتوقّعون قدومه، لذلك جاء إليه زعماؤهم وقبلوا دينه، وارتدوا عما جاء به موسى الذي نظر إلى الله. وقد كان عددهم عشرة أشخاص، وقد ظلوا مع محمد حتى وفاته. لكنهم عندما رأوه يأكل لحم الجمل [المحرم في اليهودية] عرفوا أنه ليس الرجل الذي كانوا يظنونه. وأمسوا في حيرة من أمرهم في ما يفعلون، لأنهم خافوا أن يتركوا دينه، وبقوا في جانبه وعلموه سلوكيات غير شرعية تجاهنا نحن المسيحيين".
وهناك أكثر من آية في القرآن تعكس صدى هذه الرواية وهي [الأنعام: 145 - 146] وآية [آل عمران: [93 التي نزلت حسب الرواية العربية عندما وردت عصابة من اليهود إلى النبي تسأله عن تحريم أكل الإبل وفقاً لحديث ابن عباس الذي رواه أحمد.
ويذكر المؤرخ البيزنطي ميخائيل بسيلوس (1018-1078) في "التاريخ الموجز" أن الإمبراطور هرقل أثناء عودته من حربه مع الفرس قابل النبي محمد، ويقول: "في طريق عودته مظفراً إلى الوطن قابل الإمبراطور [هرقل] محمداً، زعيم قبائل السراكنة (العرب)، الذي جاء من يثرب. وقد طلب هذا الرجل الحصول على امتياز لتأسيس مستعمرة وقد أذن له بذلك. وكان هو أيضاً ذلك الشخص الذي بعد أن صار ثرياً بفضل زوجته شرع في تضليل قومه. فقد تزود بالمقاتلين، ونهب أولاً سوريا ثم شرع بتدمير الأراضي الرومية. ويكفي هذا الحديث عنه".
وثمة إشارات قرآنية أهمها في سورة الروم تدلّ على النظرة الإيجابية للروم البيزنطيين. ويذكر الكاتب اللبناني حسام عيتاني في كتابه "الفتوحات العربية في روايات المغلوبين" أن بداية الاحتكاك بين العرب والروم بدأت مبكراً قبل الفتوحات.
وكتب: "يقال إن هيراكليوس التقى النبي محمداً أو أحد مبعوثيه في حمص، وإن النبي حظي بإذن الإمبراطور للإقامة في المدينة المنورة حيث كان النفوذ البيزنطي يبلغ أطرافها الشمالية، أو إنه نال مكافأة كبيرة من الإمبراطور. لكن الصداقة هذه لم تعمر طويلاً، بحسب الروايات، إذ قتل الروم أو حلفاؤهم موافداً لمحمد كان يحمل رسالة إلى هيراكليوس بعدما رفض هذا استلامها، ما دفع النبي العربي إلى إرسال قواته إلى سوريا البيزنطية. هذا فضلاً عن تحميل مراجع ‘غربية’ فشل الصداقة هذه إلى تغذية الإسلام للعرب بروح الفتح".
الرواية الأرمنية
يذكر سيبيوس (القرن السابع الميلادي)، المؤرخ الأرمني البيزنطي المعاصر للنبي محمد، في كتاب "التاريخ الأرمني" المنسوب له، أن الدعوة المحمدية لبّت رغبة يهودية في تخليص أرض الميعاد من الروم.
ويذكر أن اليهود تحصنوا في مدينة الرها، بعد جلاء الفرس عن فلسطين ولم يسمحوا بدخول الجيش البيزنطي إليها، لكن هرقل أمر بحصار المدينة. وعندما أدرك اليهود أن لا قبل لهم بمقاومته في الحرب، عرضوا عليه السلام، وفتحوا بوابات المدينة، ثم سلكوا طرق الصحراء نحو الأراضي العربية "إلى بني إسماعيل (العرب)، واستنفروهم لمساعدتهم وأخبروهم بصلة الدم المثبتة في أسفار التوراة بهم. ورغم أنهم اقتنعوا في النهاية بقرابتهم الوثيقة، لكنهم (العرب) لم يكونوا قادرين على التوصل لاتفاق في نطاق عددهم الكبير، لأنهم كانوا منقسمين بين أديانهم الوثنية".
ويتابع سيبيوس: "في ذلك الوقت، ظهر رجل معروف من بني إسماعيل أولئك يسمى محمداً وكان تاجراً، وبدا أنه قد ظهر لهم بأمر من الله بصفته نبياً [يرشدهم] إلى طريق الحق. فقد علمهم أن يعترفوا بالرب إله إبراهيم، لا سيما وقد تعلم وتعرف على تاريخ موسى (التوراة). ولأن الأمر في هذه الحالة قد جاء من السماء، فبأمر واحد جاءوا [العرب] جميعاً متحدين تحت لواء الدين، وهجروا عباداتهم الوثنية التي لا نفع فيها، وتحولوا إلى الإله الحي الذي ظهر لأبيهم إبراهيم. لذلك شرّع لهم محمد، بألا يأكلوا جيفة، ولا يشربوا خمراً، ولا يقولوا كذباً، ولا يقترفوا الزنا. وقال لهم: ‘لقد وعد الرب إبراهيم ونسله من بعده للأبد بهذه الأرض، ولقد حقق وعده في ذلك الوقت الذي كان يحب فيه إسرائيل. ولكن الآن أنتم أبناء إبراهيم، والرب سيحقق وعده لإبراهيم، فاذهبوا وخذوا أرضكم التي أعطاها الرب لأبيكم إبراهيم. فلن يستطيع أحد أن يقاومكم في الحرب، لأن الرب معكم’".
ويشير المؤرخ الأرمني إلى اتحاد بني إسرائيل مع بني إسماعيل، وإلى أنهم ألفوا جيشاً ضخماً وهددوا الإمبراطور البيزنطي إذا لم ينسحب من أرض فلسطين.
وتذكر النبي محمد الحوليات الجورجية التي تتضمّن مخطوطات يعود بعضها إلى القرن الخامس الميلادي. هذه الحوليات تُرجمت إلى الأرمنية في القرن الثالث عشر، في نسخة تتميّز عن الأولى بالاختصار وبعض الإضافات، لكنها حفظت الأصل، إذ تعرّضت النسخة الجورجية الأصلية لتعديلات كثيرة على مر الزمن.
ووفقاً لروبرت طومسون، أستاذ الدراسات الأرمنية، في كتابه "إعادة كتابة التاريخ القوقازي" تتألف هذه الحوليات من التقاليد الشفهية مع مواد مكتوبة مأخوذة عن كتاب حوليات روم وسريان. وإحدى هذه الحوليات منسوبة إلى شمّاس غير معروف يُدعى غريغوري ويعود تاريخها على الأرجح إلى القرن السابع.
تحكي الحوليات في نسختها الأرمنية عن صراع نشب بين أمير يدعى سرجيس من بلاد ما بين النهرين، استولى على أملاك بعض التجار الإسماعيليين (العرب)، فقام زعيمهم بجمع حشد عظيم منهم، وأخذوا أملاكهم وأملاك سرجيس وأتباعه، وتذكر الحولية: "في تلك الأيام نفسها وجدوا محمداً، المطارد من قومه. وقد كان تلميذاً لراهب أريوسي ويؤمن ببدعة كيرينثوس الذي زعم أن القيامة بالأجساد وأنها ستشمل المعاناة كما ستحفل بالشهوات الجسدية. وبالانضمام له وجعله قائدهم، حاربوا العالم أجمع".
وفي النسخة الجورجية: "ظهر محمد الذي جاء من آل إسماعيل، نبي دين السراكنة (العرب)، في هذا الزمن، واستولى على كامل بلاد العرب واليمن. ثم مات وخلفه أبو بكر".
الرواية السريانية
وفقاً للمؤرخ روبرت هويلاند، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في العصور الوسطى، فإن أول ذكر صريح للنبي محمد تاريخياً جاء في مخطوطة سريانية منسوبة إلى القس السرياني اليعقوبي توماس والتي جاء فيها: "في عام 945 يونانية، من الدورة الزمنية الرومانية السابعة، يوم الجمعة الرابع من فبراير (634) في الساعة التاسعة، اندلعت حرب بين الرومان وعرب محمد (طائيي محمد) في فلسطين على بعد اثني عشر ميلاً شرقي غزة. وهرب الرومان، مخلفين وراءهم البطريرك وردان Brydn الذي قتله العرب. كما قتلوا فيها أربعة آلاف من القرويين المساكين من المسيحيين واليهود والسامريين في فلسطين. لقد خرب العرب المنطقة بأسرها".
وفي الأجزاء المتبقية من حولية زيقونين السريانية، التي تُنسب خطأ إلى ديونيسوس التلمحري والتي نُقلت إلى العربية بترجمة غير دقيقة بعنوان "تاريخ الأزمان"، ويرجح أمير حراق، أستاذ اللغات السامية والدراسات الآشورية، أن يكون الراهب السرياني يشوع راهب دير زيقونين قد دونها نقلاً عن مصادر سريانية أقدم، يذكر الكاتب حملة تنصير اليهود قسراً بأمر من الإمبراطور البيزنطي، ويذكر في أحداث عام 932 يونانية [620/ 621] ما يلي: "غزا العرب أرض فلسطين والأراضي حتى نهر الفرات العظيم. وهرب الروم وعبروا إلى الضفة الشرقية من الفرات، حيث فرض العرب عليهم سيطرتهم. وكان أول ملك من بينهم رجل يدعى محمداً، وأطلقوا عليه تسمية نبي كذلك لأنه حوّلهم عن عباداتهم الوثنية وعلمهم أنه لا يوجد سوى إله واحد، إله الكون. كما شرّع لهم كذلك بعض التشريعات لأنهم كانوا منغمسين في عبادة الشياطين والأوثان، ولا سيما عبادة الأشجار. وقد دعوه نبياً ورسول الله لأن محمداً بيّن لهم أن الله واحد، وبفضل توجيهاته غلبوا الروم في الحرب، كما أنه شرّع لهم تشريعات تلبي رغبتهم. هذه الأمة فاسقة وشهوانية جداً. ويحتقرون ويرفضون كل تشريع شرعه لهم محمد أو أي شخص آخر يتقي الله، إذا لم يلبِّ متعهم الشهوانية. بل يقبلون التشريع الذي يحقق رغباتهم وأمانيهم حتى لو لم يشرعه لهم أحد ويقولون ‘لقد شرعه النبي رسول الله. بل وهو سنة متبعة منه بأمر من الله!’. وقد حكمهم محمد لمدة سبع سنوات".
ويذكر الكاتب في أحداث سنة 938 يونانية [626/ 627] ما يلي: "توفى محمد ملك العرب ونبيهم، وولي عليهم أبو بكر لخمس سنوات".
ويذكر مار ميخائيل السرياني الكبير (1166-1199) في تاريخه: "سنة 933 [يونانية]، والثانية عشرة لهرقل، والـ33 لكسرى، ابتدأت مملكة العرب (المسلمين) عندما ظهر في منطقة يثرب شخص يدعى محمد من قبيلة قريش، وقال إنه نبي، ويُدعى اتباعه ‘مسلمين’ أو ‘إسماعيليين أو هاجريين’... كان محمد بن عبد الله يذهب إلى فلسطين للتجارة، واطلع على عقيدة اليهود بوحدانية الله، بتداوله الحديث معهم، وإذ رأى أبناء شعبه يتعبدون للحجارة والخشب وغيرها من المخلوقات، استحسن عقيدة اليهود وجنح إليها. ولما عاد إلى وطنه، طرح هذه العقيدة على أبناء أمته فأطاعته قلة في بادئ الأمر، ثم أخذوا بالتزايد، وإذ قوي أخذ يأمرهم رسمياً بإطاعته، مهدداً حيناً، وحيناً آخر يمتدح أرض فلسطين بقوله: لقد أعطيت تلك الأرض الطيبة لأولئك الناس، نظراً إلى إيمانهم بالله الواحد. وقال لهم أيضاً: إذا أطعتموني ونبذتم هذه الآلهة الباطلة وآمنتم بالله الواحد، فإن الله سيعطيكم تلك الأرض الطيبة... وأخذ يرسل وفوداً إلى فلسطين علهم يسمعون ما يشجعهم على تصديقه والاعتراف به، وقد ذهب هو عدة مرات دون أن يلحق به أذى، وغنم وعاد محملاً فتأكدوا مما قال، لميلهم إلى المال الذي جعل من القضية عادة، حيث أخذوا يصعدون إلى هناك بما فيهم الذين لم يطيعوه بعد، وينهبون لأنهم رأوا أن أتباعه قد أثروا، فتبعوه هم الآخرون. وبعد أن ازداد عدد تابعيه، لم يعد يترأس شخصياً الذين يذهبون... بل يرسل آخرين لقيادة جيشه، ويبقى هو في مدينته، ولم يعد يستعمل أسلوب الإقناع بمذهبه، بل السيف، ومَن يعاند يُقتل".
ويضيف مار ميخائيل السرياني عن الغزوات النبوية قائلاً: "وبعد فترة أخذت جيوشه تغزو بعض المناطق وتسبي [النساء[و لما اتسع نفوذه، فرض الجزية على البلدان، وتأسست لهم مملكة ثابتة، ثم قويت أكثر بعد تسلسل الخلافة من شخص إلى آخر، فأخضعوا العديد من مناطق الروم، ثم خضعت لهم مملكة الفرس. ووضع لهم شريعة... معتبراً أن الله أنزلها عليه. فعلمهم أن يؤمنوا بإله واحد خالق الكل وأقنوم واحد لم يولد ولم يلد ولم يكن له نظير أو شريك. وهو يقبل أسفار موسى والأنبياء وقسماً من الإنجيل، لكنه ترك معظمه، ومال إلى الأمور البسيطة".
ثم يستدرك في ما بعد قائلاً: "سبق وذكرنا كيفية قيام مملكة المسلمين الذين كانوا يغزون وينهبون ويكمنون ويزعجون طيلة فترة حياة محمد. وبعد وفاته خلفه أبو بكر، فأرسل أربعة قادة على رأس جيوش، أحدهم إلى فلسطين والآخر إلى مصر، والثالث إلى فارس، والرابع ضد العرب المسيحيين وعاد جميعهم ظافرين".
ويقول الباحث تيسير خلف في كتاب "الرواية السريانية للفتوحات الإسلامية" إن "مار ميخائيل الكبير هو المصدر الأكثر أماناً واطمئناناً بالنسبة لنا في ما يتعلق بالرواية المتعلقة بالفتوح الإسلامية، نظراً لعدم وجود أي تأثير من تأثيرات المراجع العربية الإسلامية وغيرها عليه، ولأنه أشار في معرض اقتباساته إلى المصادر التي نقل عنها".
الرواية القبطية
في تاريخ ساويرس ابن المقفع (915-987) المسمى بتاريخ البطاركة، يذكر المؤلف حادثة تنصير اليهود قسراً، ثم يذكر: "ومن بعد أيام يسيرة ثار رجل من العرب من نواحي القبلة من مكة ونواحيها اسمه محمد فردَّ عباد الأوثان إلى معرفة الله وحده، و(فرض عليهم) أن يقولوا إن محمداً رسوله. وكانت أمته مختونة بالجسد لا بالناموس، ويصلون إلى الجهة القبلية مشرقين إلى موضع يسمونه الكعبة. وملك دمشق والشام وعبر الأردن وسادها. وكان الرب يخذل جيش الروم قدامه".
وفي هذه الرواية تأكيد لنفس الروايات الأخرى التي تشير إلى حملات قادها النبي إلى الشام بخلاف الرواية العربية.
المصادر:
1- Theophanis, The chronicle of Theophanis translated by Harry Turtledove, Philadelphia: University of Pennsylvania Press, 1982.
2- Michaelis Pselli, Historia Syntomos, edited and translated by W. J. Aerts, Corpus Fontium Historiae Byzantinae: Vol. 30, Gemany, Walter de Gruyter & co., 1990.
3- Sebeos, Armenian history translated by Robert Thomson, Liverpool University Press, 1999.
4- Robert W. Thomson, Rewriting Caucasian History: the medieval Armenian adaptation of the Georgian chronicles, New York: Clarendon Press Oxford, 1996.
5- KARTLIS TSKHOVREBA: A History of Georgia, Tbilisi: ARTANUJI Publishing, 2014.
6- Robert G. Hoyland, Seeing Islam as others saw it, New Jersey: The Darwin Press, 1997.
7- Amir Harrak, the chronicle of Zuqnin parts iii and iv, Pontifical Institute of Medieval Studies, 1999.
8- S. P. Brock, "Syriac views of emergent Islam", in G. H. A. Juynboll (ed.), Studies on the first century of Islamic Society, southern illinois university press, 1982.
9- تاريخ مار ميخائيل السرياني الكبير، تعريب مار غريغوريوس صليبا، حلب، 1996.
10- تاريخ البطاركة، ساويرس بن المقفع، تحقيق عبد العزيز جمال الدين، القاهرة: مكتبة مدبولي، 2006.
11- الفتوحات العربية في روايات المغلوبين، حسام عيتاني، بيروت: دار الساقي، 2011.
12- الرواية السريانية للفتوحات الإسلامية، تيسير خلف، بيروت: دار التكوين، 2016.
رصيف 22