حاضرة بقوة على موائد السياسيين والمشاهير في المغرب، في الفنادق، كما البيوت، مسموح بها رسمياً لغير المسلم، ولا سيما السياح، لكن بيعها (لا استهلاكها) ممنوع على المواطن المسلم.
الدولة تمنعها عن المسلمين، لكنها في الوقت ذاته تنهل من مبيعاتها وتضخ أموالاً في خزينتها من مرابيح الخمور.
المشهد متناقض ومربك، لا سيما لو علمنا بأن مستشاراً سابقاً للعاهل المغربي الراحل الحسن الثاني هو أكبر تاجر خمور في البلاد اليوم. ازدواجية؟ أم انفصام؟
هذا التناقص أثاره علناً المحامي المغربي والقيادي في حزب التقدم والاشتراكية كريم نيتحلو داعياً إلى إلغاء تجريم بيع الخمور للمغاربة المسلمين، معتبراً المرسوم الملكي الذي يقنن بيعها في البلاد، والصادر في عام 1967، يناقض نفسه.
ويحدد القانون الصادر في عام 1967 عقوبة "الحبس لمدة تتراوح بين شهر واحد وستة أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و1.500 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل شخص وجد في حالة سكر في الأزقة أو الطرق أو المقاهي أو الكباريهات أو في أماكن أخرى عمومية". ويعني ما سبق أن بيع الخمر مسموح للسياح فقط.
أداة "تصفية حسابات"
واعتبر القيادي التقدمي نيتحلو الذي سبق أن اعتقل وحكم بالسجن النافذ لشهرين بعد توقيفه أثناء تناوله الخمر على الطريق العام أن المرسوم المشار إليه يعاني من "السكيزوفرينيا" كونه "يجرّم السكر العلني الساطع والإخلال بالأمن، ولا يجرّم استهلاك الخمر، لكنه يجرم بيع الخمر للمغاربة المسلمين".
وضمن ندوة نظمها حزبه عن واقع الحريات الفردية بالمغرب، قال القيادي إن هناك مفارقة غريبة بين استهلاك الخمور في المغرب حيث يجرم المرسوم الملكي الصادر عام 1967 بيع الخمر للمسلمين "لكنّ مئات الآلاف من أطنان الخمور تُستهلك يومياً من طرف المغاربة المسلمين".
وعَدّ ذلك "من إشكالات الحريات الفردية الموجودة في المغرب".
وطالب نيتحلو بـ"تقنين استهلاك الخمور وفق المعايير الدولية، وليس مرسوم 1967" وتعديل المرسوم الملكي المجرم حتى يستوعب "المغاربة المسلمين" مبيناً "لا نقول للناس تناولوا الخمر مع الأطفال (أقل من 18 عاماً) أو في الأماكن العامة، ولكن المنع داخل المنزل هذا شيء آخر".
تجريم بيع الخمور للمسلمين نقطة لافتة أثارها المتحدث مؤكداً أن الدولة تستغله لتصفية الحسابات. ولفت في هذا السياق إلى الحكم عليه بشهرين حبساً نافذاً ابتدائياً واستئنافياً، مع رفض طلب النقض، قبل أن ينتهي إلى طلب العفو.
وذكّر بأن "وزيراً في الحكومة الحالية تعرض بيته للسرقة، وضمن المسروقات عشرون قنينة من النبيذ".
استهلاك الخمر في المغرب
ويبلغ معدل استهلاك الخمور في المغرب، بحسب إحصاء حديث لمنظمة الصحة العالمية، صدر في تشرين الأول/أكتوبر عام 2018، 39 لتراً للفرد الواحد سنوياً.
وتسيطر مدينتي مكناس والحاجب على حصة الأسد من إنتاج الخمور بالمغرب، بنسبة 68 %، تليهما مدينة بنسليمان بـ16 %، ومنطقة الغرب بـ10 %.
ويلجأ المغاربة إلى المتاجر الكبرى أو الحانات لتناول الخمور تفادياً للتعرض للمضايقات من قبل السلطة أو العامة. كذلك، يشعر مستهلكوها بالحرج وعدم الارتياح وهم يشترونها من المتاجر الصغيرة، ما يضطرهم أحياناً لطلب أكياس بلون غامق لإخفائها، أو يضعونها في حقائبهم الشخصية.
ويفضل آخرون استخدام نظارات شمسية سوداء للتمويه.
الخمر أكثر من الحليب
وكان تقرير لوكالة رويترز للأنباء، نشر في عام 2013، قد خلص إلى أن "المغاربة يستهلكون الخمر أكثر من الحليب".
ووجد التقرير أن المغاربة يستهلكون في العام الواحد "131 مليون لتراً من المشروبات الكحولية، 400 مليون قنينة جعة و38 مليون قنينة خمر، ومليون ونصف مليون قنينة ويسكي، ومليون قنينة فودكا، و140 ألف قنينة شامبانيا".
وأكد التقرير أن المغرب أكبر مصدّر للخمور في العالم العربي، وأن أكثر من 37 ألف فدان تخصص لزراعة العنب أو الكروم لإنتاج النبيذ، وأن هذه الصناعة توفر أكثر من 20 ألف وظيفة للمغاربة.
كما أشار تقرير رويترز إلى أن وصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى السلطة في البلاد لم يؤثر على إنتاج وتداول الخمور بل ارتفع معدل الإنتاج والاستهلاك معه.
تناقض حكومي
ويتهم نشطاء ومواطنون الحكومة المغربية بالتناقض في التعامل مع قضية تناول الخمور في البلاد، فبينما تطبق المرسوم الذي يجرم تناوله للمسلمين، تتربح الدولة من بيع الخمور وتخفي أنها تشرع بيعها للجميع، ففي كل عام، تنعش الخمور خزينة المغرب بمبالغ ضخمة.
وخلال العام الماضي، رفضت الحكومة المغربية مقترحاً لمشروع قانون المالية لسنة 2019، يقضي بفرض ضريبة على الخمور. وكان الاقتراح يتضمن فرض ضريبة تصل إلى 100 درهم لكل هيكتوليتر، أي درهم واحد عن كل لتر خمر.
رغم ذلك، راهنت الحكومة على عائدات ضرائب الخمور والكحول والتبغ وأنواع الجعة لجني نحو مليار ونصف مليار درهم (قرابة 158 مليون دولار).
وكان تعويل الحكومة المغربية على عائدات الرسوم المفروضة على المشروبات الكحولية في إنعاش ميزانيتها عن العام الحالي، قد أثار الكثير من الجدل بين المغاربة، حسبما اتضح من تعليقاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وأعرب العديد من المغاربة عن دهشتهم من اعتماد حكومة يرأسها حزب ذو مرجعية إسلامية ويطلق على ملكها "أمير المؤمنين" على مداخيل الخمور التي تجرم تناولها للمسلمين بالأساس.
غير أن علاقة الحكومة المغربية بتجارة الخمور في البلاد ليست جديدة، وليس أدل على ذلك من أن مستشار الملك الحسن الثاني في إحدى الفترات، إبراهيم زنيبر كان "إمبراطور الخمور في المغرب" حتى وفاته في عام 2016.
واكتسح زنيبر سوق إنتاج الخمور بالبلاد بـ85 %، كان يصدر 4 % منها إلى أوروبا وأمريكا واليابان. وبلغت أرباحه السنوية من قناني "البيرة" و"الروج المغربي" و"الشامبانيا" أزيد من 225 مليار سنتيم، وفق موقع هسبريس المحلي.