حقوق الإنسان في الإسلام... تأكيد دائم على وجودها فأين يكمن خلل عدم تطبيقها؟ - Articles
Latest Articles

حقوق الإنسان في الإسلام... تأكيد دائم على وجودها فأين يكمن خلل عدم تطبيقها؟

حقوق الإنسان في الإسلام... تأكيد دائم على وجودها فأين يكمن خلل عدم تطبيقها؟

حامد فتحي:

 

ربما لو سألت رجل دين مسلم أو فرداً مسلماً عن حقوق الإنسان في الإسلام لسارع إلى تأكيد وجودها، شافعاً ذلك بخطبةٍ عصماءٍ عن كرامة الإنسان، وحقوق المرأة ومكانتها. إلا أن الشيطان يكمن في التفاصيل، فلو سألته عن حقوق الاعتقاد أو الجسد، لرأيت منه تكفيراً أو مطالبةً بالقتل أو أحكاماً بالعهر وغير ذلك.

فلماذا يُسارع إلى تأكيد وجود حقوق الإنسان في الإسلام؟ ولماذا لا يقبلها كما تعارف عليها البشر؟ ولماذا يظن عاقلٌ أن الله لن يقبل وجود حقوق مستقلةٍ للإنسان؟ ولماذا يُفرغ المسلم المفهوم من مضمونه أو يحمّله بمضمونٍ آخر يقابله؟

موقف علمي أم دفاعي؟

من المعروف أن قضية حقوق الإنسان قضية حديثة نسبياً، وهي ابنة أصيلة للحداثة الغربية، إلا أن ذلك لا يعني أن وجود الحقوق حكرٌ على الفكر الغربي.

لم تتبلور هذه الحقوق بشكل مستقل، استناداً إلى الحق الطبيعي للإنسان بصفته كائناً حياً سوى مع الحداثة الأوروبية العقلانية العلمانية، وتطور الرؤية المسيحية الأوروبية للحقوق، وهو ما لم يحدث في واقعنا الذي يُهيمن عليه الفضاء الإسلامي.

ظهرت هذه القضية ضمن اهتمامات الفكر الإسلامي كرد فعل على الحداثة الغربية، وظلت أسيرةً لذلك، وأحدثت تأثيرات عدة، منها: الإنكار التام من قِبل التيار السلفي الذي وصمها بالشرك في مقابل الانبهار التام ومهاجمة الإسلام كأنه لم يعرف حقوقاً من قبل.

ثمة موقف ثالث رأى أن الإسلام عرف حقوق الإنسان كاملةً، مع وجود خصوصية له في ذلك، وهو الموقف الأكثر شيوعاً وتأثيراً على مؤسسات صناعة القرار والتعليم والثقافة في واقعنا العربي الإسلامي. وبرغم ذلك، فإن واقعنا حافل بانتهاكات حقوق الإنسان من قِبل المؤسسات والأفراد، وهذا ما يطرح سؤالاً حول جدية هذا الموقف، ويدفع إلى البحث عن آليات عمله، وكيف أنتجت ثنائية ظاهرها الحقوق وباطنها خلاف ذلك.

"لم تكن سوى ردة فعل"

قراءة النصوص الأساسية والوثائق لحقوق الإنسان في الإسلام تكشف عن هذا الخلل. وتكشف بجلاءٍ عن غياب دافع حقيقي للتنظير لها، وعن أن الموقف لم يكن سوى رد فعل لنفي تهم عن الواقع الإسلامي.

بدايةً، تجدر الإشارة إلى أن الإسلام بمعناه الواسع هو نتاج أجيالٍ من رجال الدين، وأن تفسير النصوص المقدسة خضع لعمل الأفراد، وهذا ما يعني ضرورة الفصل بين نقد واقع المسلمين والإسلام ذاته.

في مشاركته في مؤتمر نظمه مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، علّق المفكر السوداني الباقر العفيف على هذه القضية من خلال استعراض الإسهام الفكري الإسلامي في حقوق الإنسان، منذ إعلان الدستور الإسلامي في كراتشي عام 1951، مروراً بإعلاناتٍ إسلاميةٍ عديدة، منها إعلان طهران وإعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام عام 1990.

يقول العفيف عن هذه الإسهامات إنها "عبارةٌ عن استجاباتٍ وردود أفعالٍ على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد جاءت مشابهة له في الشكل مخالفةً له في الروح. وهي تعاني من أزمة عميقة هي أزمة الحداثة في العالم الإسلامي، والعجز عن الجمع بين مقتضياتها وبين أحكام الشريعة".

الباقرالعفيف

الباقر العفيف

ولعلّ أبلغ تجسيد لهذه الأزمة ما ورد في الدستور الإسلامي لعام 1951، فقد جاء في المادة 12: "لا بد أن يكون رئيس الدولة مسلماً ذكراً يعتمد الجمهور أو ممثلوهم تدينه".

يتفق معه نصر حامد أبو زيد الذي شارك في المؤتمر ذاته، وقال في مداخلته المنشورة: "البحث في التراث الديني عن جذورٍ لمفاهيم حقوق الإنسان ′الحديثة′ إنما هو بحث تأويليّ، بمعنى أن الحافز عليه عصري، وهو الوثائق العالمية لحقوق الإنسان".

منذ عام 1951، ظهرت إعلانات إسلامية عدة عن حقوق الإنسان، وبرغم تقدم بعضها نحو توسيع دائرة الحقوق فقد وضعت استثناءات خطيرة، تؤدي إلى تفريغ الحقوق من مضمونها.

يُتابع العفيف في دراسته بأن إعلان القاهرة لحقوق الإنسان الصادر عن وزراء خارجية العالم الإسلامي عام 1990 التزم القيود التقليدية للتدين الإسلامي السلفي، فمثلاً عندما تحدث عن الزواج قال: "للرجال والنساء الحق في الزواج، ولا تحول دون تمتعهم بهذا الحق قيود منشؤها العرق أو اللون أو الجنسية" بشكلٍ أغفل الدين، وهذا ما يعني قبوله التمييز الديني في الزواج.

وفي حدّ الردة ورد: "الإسلام دين الفطرة، ولا يجوز ممارسة أي لونٍ من الإكراه على الإنسان أو استغلال فقره أو جهلة لحمله على تغيير دينه إلى دين آخر أو إلى الإلحاد"، وذلك يعني التباساً واتهاماً لمن يغيّر دينه بأنه مُستَغل، ويمنح الحق للسلطة لتقويم ذلك.

وهو ما يعلق عليه مدرس الفلسفة في جامعة القاهرة كريم الصياد لرصيف22 بالقول: "هذه الاستثناءات خطيرة، وتفتح الباب أمام نقض حقوق الإنسان ذاتها".

في كتابه "نظرية الحق: دراسةٌ في أسس فلسفة القانون والحق الإسلامية"، قام الصياد بإعادة قراءةٍ لدراسات حقوق الإنسان في الإسلام، والإعلانات الإسلامية العديدة، وخلص إلى وجود تناقضاتٍ فيها، تنسف أساس فكرة حقوق الإنسان، معتبراً أن هناك بضع آلياتٍ تتسبب في هذه التناقضات.

من ذلك وصم حقوق الإنسان بأنها فكرة غربية من دون إدراك أنها تطور عام للإنسانية، وأن هدفها تشكيل ضمير عالمي. ويترتب على ذلك تدخل العصبيات والقوميات في تعريف الحقوق بما يخضع لمتطلبات السياسة والدين.

نظريةالحق

من الآليات كذلك التأصيل التاريخي والعقدي الذي يقوم على إثبات سبق الإسلام للغرب في إقرار الحقوق، وعدم حاجتنا إليها، والموقف الدفاعي التبريري الذي يعمل على تبرير انتهاكات الحقوق باسم الخصوصية أو المصلحة مثل تبرير الرق وحد الردة.

وتُعاني هذه الدراسات من ضعف تنظير مفاهيم الحق والإنسان وحقوق الإنسان، بل تعمل على محو مفهوم الحق من خلال استبداله بمفهوم الواجب أو الفرض الشرعي، لكن الحقوق أرحب من الواجبات، فالواجب هو حقٌّ لا يقبل التنازل عنه، لكن الحقوق تحمل ما يمكن التنازل عنه.

بالإضافة إلى ذلك تتبّع آلية الالتفاف على بعض الحقوق أو تجاهلها، مثل قضية الحرية الدينية، فبدلاً من الحديث عن حق واضح، تستبدله بكلام فضفاض عن حض الإسلام على حرية التفكر والتأمل، والنهي عن الإكراه في الدين.

أسباب الأزمة

تعود هذه المشكلة إلى سيطرة الأفكار السلفية على المؤسسات في العالم الإسلامي، بشكلٍ مثّل تراجعاً عن منجزات النهضة العربية.

وقد رأى نصر حامد أبو زيد أن هذه المؤسسات حصرت الإسلام في مقولة "الشريعة"، كما صاغها الفقهاء القدماء من دون اجتهادات المحدثين والمعاصرين. ومن منطلق "الشريعة" الضيق هذا تنطلق الاعتراضات على بعض البنود في وثائق حقوق الإنسان.

حامدأبوزيد

نصر حامد أبو زيد

يتناول الصياد هذه القضية من خلال التنقيب عن مسألة الحقوق في أصول الفقه، بحثاً عن مفهوم الحق في الفكر الإسلامي، وعلاقة ذلك بمفهوم الحق الإنساني.

ويقول: "الفكر الإسلامي (القديم والحديث) يخلو من وجود حقوق إنسان طبيعية، أي يكتسبها بحق الميلاد. إنما عرف الحقوق وضعيةٍ، أي مصدرها الشارع (الله)، وهذا ما يعني خضوعها لرجال الدين".

ويذكر الصياد مثالاً لتوضيح الفرق: "إذا كان حق الحياة ممنوحاً للإنسان من الله، فذلك يعني أحقية الله في أخذ هذه الحياة؛ وليكن ذلك عن طريق الخروج عن دينه، أي حدّ الردة. أما إذا كان حق الحياة طبيعياً، فلا يمكن النيل منه تحت أي ذريعةٍ أو فتوى".

تعود جذور مشكلة غياب حقوق مستقلة للإنسان في الإسلام إلى التناقض الذي وقع فيه الأصوليون والفقهاء – عدا أقليةٍ منهم هي المعتزلة – بافتراض عجز العقل البشري عن إدراك حكم الأشياء قبل ورود الشرع، أي الحكم بعجز البشر عن تطوير حقوق قبل الشرع؛ بذلك أصبحت الحقوق مستمدةً من المشترع (الله)، ولا أصل طبيعياً لها.

ما سبق هو الرؤية السائدة في التدين الإسلامي، ونتجت منها رؤية دينية للكون، جعلت حفظ الدين هو غاية الشرع. ويبين الصياد أن ذلك بمثابة تناقض؛ فكيف يكون غرض الشرع حفظ الدين، أي أن الدين يحفظ الدين، فما جدوى وجود الإنسان؟

تناقض ثان وقع فيه الأصولي المسلم وهو افتراض ولادة الإنسان على الإسلام؛ وهو أمرٌ لا وجود له في الإسلام. تنتج من ذلك معاملة الطفل على أنه مسلمٌ يجب عليه الالتزام بتكاليف الدين حين البلوغ، أي أن لا حقوق طبيعية للإنسان لأن كونه مسلماً تسبق كونه إنساناً، وفق الصياد.

آفاق الحل

يُقدم الصياد في حديثه رؤيةً للحل تقوم على إعادة تأسيس حقوق الإنسان على أصل طبيعي، بدلاً من تأسيسها حقوقاً وضعية في أصول الفقه، وهذا ما ينتج منه تأسيس حقوق الإنسان من داخل الفضاء الإسلامي، بما يقطع الطريق على اتهام هذه الحقوق بمعاداة الدين.

الخطوة التالية لذلك هي إعادة قراءة الشريعة الإسلامية وتأسيسها على الحق الطبيعي للإنسان، وهو ما يجعل الشريعة حامية لهذه الحقوق، ومنفتحةً على تقبل ما يراه البشر حقوقاً لهم. بجانب ذلك، تتأسس مقاصد الشريعة على حقوق الإنسان، لا العكس كما هو الواقع.

وذكر الصياد في كتابه وجود محاولاتٍ لذلك في أصول الفقه على يد المعتزلة-الأحناف، منهم أبو زيد الدبوسي الذي ظهرت بفضله نظرية الحق للمرة الأولى.

وفق هذه النظرية، تحدث الدبوسي عن وجود حقوقٍ للإنسان وأخرى لله، وجعل العقل مصدراً لعددٍ من الحقوق، لكن مع ذلك لم ينتقل إلى تأسيس مقاصد الشارع على حقوق الإنسان، بل أسس الثانية على الأولى. إلا أن ذلك اعتُبر بداياتٍ قابلةٍ للتطوير والبناء عليها، وصولاً إلى تأسيس مقاصد الشارع على الحقوق الطبيعية للإنسان.

يعود الصياد بحديثه إلى مسألة إعادة قراءة الشريعة، ويرى أن النص القرآني يحتمل تأويلات عدة، فلماذا يتم تجاهل التأويل الذي يوافق حقوق الإنسان.

في مسألة حرية الاعتقاد يمتلئ الكتاب بآيات عدة عن حرية الإيمان، ولا يوجد فيه حدٌّ للردة، ولم يربط حرية الإيمان بعدم إذاعة ذلك كما يفعل رجال الدين – الأكثر استنارةً - اليوم.

وبناء على تأسيس حق حرية الاعتقاد تتفرع حقوق عدة، منها حقوق الجسد، وبمعنى أوسع الحقوق الثقافية التي تتضمن حق الإنسان في جسده وميوله الجنسية. وتصبح القاعدة هي الحرية إذا لم يقع ضرر مؤكد على الآخر.

في حال كون الحقوق طبيعية لن تكون هناك عبودية، لأن البشر جميعاً متساوون بالميلاد، بغض النظر عن الجنس أو اللون أو الدين. وسيصبح الدين بمنزلة قرار حر للإنسان، وتصبح تعاليمه نابعةً من التزامه الفردي، المتعلق بعلاقته بربه.

وفي هذه الحالة، يرى الصياد أن الحدود الشرعية هي مجرد كفاراتٍ يختار الفرد تطبيقها ليحصل على العقوبة في الدنيا أو يرى طريقاً آخر للتوبة. أما محاولة فرض الالتزام بالتعاليم الدينية فهي تخالف جوهر الإسلام الذي نصّ على حرية الإرادة التي يتوجب عليها العقاب والثواب، وتصبح التوبة حال عصيانها محل في العلاقة بين العبد وربه.

أما عن النص القرآني في مسألة العبودية، فيرى الصياد أنه تحدث عن أوضاع قائمة، بدليل أنه حث على إطلاق سراح الأسرى بالمن أو الفداء، والحديث عن فك رقبة. ومثل ذلك حديثه عن مسألة "قوامة الرجل"، فقد تحدث عن وضع قائم، وليس عما ينبغي أن يكون؛ فلا وجود لصيغة أمر تأمر الرجال بالقوامة.

بهذه الآلية ستصبح الشريعة الإسلامية قائمة على حفظ حقوق الإنسان، وتتوسع إلى تقديم تنظيرٍ لمفهوم المجتمع المتعدد الأديان، حتى تصبح الحقوق مكفولةً للإنسان، وتغدو العبادات الدينية خاصةٍ بمن يؤمن بالدين، وهي مسألة خاصة بين الله والإنسان، ولا شأن لأي أحدٍ بها.

رصيف 22

Related

Share

Rating

0 ( 0 reviews)

Post a Comment

Category
Author
More Options
  • Recent
  • Popular
  • Tag
Tags