رصيف22:

في سابقة تاريخية، زار وفد من رجال دين مسلمين برئاسة الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ محمد العيسى، معسكر الإبادة النازية لليهود (أوشفيتز) في بولندا، وذلك بالتزامن مع إحياء ذكرى الهولوكوست، وسط ترحيب إسرائيلي واستهجان عربي واسع.

وقالت رابطة العالم الإسلامي على موقعها إن الزيارة تأتي لـ"التنديد بكل عمل إجرامي أياً يكن مصدره وعلى أي كان ضرره وأثره".

ونشر حساب إسرائيل بالعربية، التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية، مقطع فيديو للشيخ محمد العيسى، يؤم وفداً من رجال الدين المسلمين في الصلاة في معسكر أوشفيتز.

وكتبت على صورة لرجل دين يهودي يحتضن العيسى: "ترحاب أخوي يفتح صفحة جديدة في التسامح".

صحيفة هآرتس الإسرائيلية كشفت  عن أن الزيارة تم الإعداد لها مسبقاً في إطار مشروع مشترك بين رابطة العالم الإسلامي واللجنة اليهودية الأمريكية.

وقالت الصحيفة إن العيسى ورئيس اللجنة اليهودية الأمريكية ديفيد هاريس وقعا مذكرة تفاهم في نيسان/ أبريل 2019، أكدت "التزام المؤسستين تعزيز التفاهم بين المسلمين واليهود والتعاون ضد العنصرية والتطرف بجميع أشكاله".

وقال العيسى، الذي كان وزيراً للعدل في السعودية، خلال توقيعه مذكرة التفاهم: "إنه سيشجع المسلمين وغير المسلمين على تبني الاحترام المتبادل والتفاهم والتنوع".

وبحسب الصحيفة، فإن العيسى قَبِل دعوة من هاريس لإلقاء كلمة في المنتدى العالمي للجنة اليهودية الأمريكية في برلين في حزيران/ يونيو 2020. كما سيترأس هاريس وفداً من المنظمة إلى المملكة العربية السعودية.

واللجنة اليهودية الأمريكية، التي أُسست عام 1906، تُعتبر أبرز جماعات الضغط اليهودية في العالم وخصوصاً في الولايات المتحدة، وتوصف بأنها المنظمة الأم لباقي المنظمات اليهودية.

وعام 2009، صنفت المنظمة نفسها بأنها "المركز العالمي للدفاع عن اليهود وإسرائيل".

تطبيع ديني؟

في المقابل، عبّر عدد من الناشطين العرب رفضهم زيارة العيسى، واعتبروا أن الهدف من الزيارة هو "التطبيع الديني" مع إسرائيل.

وقال المدون الفلسطيني صالح أبو عزة: "رابطة العالم الإسلامي التي يقودها الشيخ السعودي محمد العيسى هي الذراع التطبيعية لمحمد بن سلمان. تطبيع ديني مع إسرائيل مُغلّفة بقيم التسامح الديني مع اليهود!".

أضاف أبو عزة، وهو أسير سابق في إسرائيل: "الفتاوى الوهابية التي كانت جاهزة للتكفير والتفجير، هي ذاتها جاهزة لعقد الحلف السعودي الإسرائيلي في المقبل من الأيام".

وشهدت الأشهر الماضية تقارباً بين إسرائيل وعدد من الدول الخليجية لا سيما السعودية.

وقال عضو جماعة الإخوان المسلمين في موريتانيا محمد المختار الشنقيطي: "كل إبادةٍ عمل مستبشَعٌ، سواء كانت المحرقة النازية ضد اليهود قبل 75 عاماً، أو الإبادة ضد المسلمين اليوم، أو ضد أي كان من أبناء الأسرة الإنسانية".

وأضاف الشنقيطي المقيم في قطر: "من يَحْرم الأقربين من أخوَّته وتسامحه، ويتظاهر بالتسامح مع غيرهم، هو متملقٌ أخرق، ينفِّس عقَد الدونية تجاه الآخرين، لا أكثر ولا أقل"، في إشارة الى الحصار الذي تفرضه السعودية ودول الخليج على الدوحة.

وقال المعارض السعودي تركي الشلهوب: "محمد العيسى، أمين رابطة العالم الإسلامي، ترك المسلمين يُحرَقون في الصين والهند وكشمير وميانمار وفلسطين وسوريا وغيرها، وذهب لزيارة معسكر الإبادة الجماعية لليهود في بولندا والصلاة فيه، في ذكرى الهولوكوست".

وأضاف: "انبطاح مخزٍ".

تغيير جذري في النهج

ورابطة العالم الإسلامي هي منظمة عالمية تتولى الدعوة إلى الإسلام عبر العديد من المساجد في أنحاء العالم، وأسستها عام 1962 منظمة التعاون الإسلامي، ومقرها في مكة المكرمة بالسعودية.

منذ عام 2016، يشغل العيسى منصب الأمين العام للرابطة، التي تعرضت لاتهامات بنشر الوهابية والتطرف من قِبل بعض المنظمات الأجنبية في أوروبا والولايات المتحدة.

وقال روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إن المنظمة نشرت "سلالة خبيثة من الكتابات والأفكار والمواعظ المعادية لإسرائيل وللسامية"، ولكن تحت قيادة العيسى كان هناك تغيير جذري في نهجها، إذ تصدت للمتشددين وزادت من تواصلها مع الأديان الأخرى.

وعام 2017، زار محمد العيسى متحف ذكرى الهولوكوست في الولايات المتحدة، وأعلن أن إنكار الهولوكوست جريمة ضد الإسلام.

وقال جول روزنبرغ، وهو مسيحي إنجيلي وكاتب أمريكي-إسرائيلي، كان قد التقى مع العيسى مرتين في السعودية: "حتماً ما كان (العيسى) سيقوم بهذه الزيارة لو لم يكن ولي العهد يريد منه فعل ذلك"، وأشار إلى أن العيسى موجود في "المدار القريب" من الأمير محمد بن سلمان.