التمييز ضد النساء في قوانين الاحوال الشخصية، والتمثيل السياسي والصناعي، لا يقتصر على العالم العربي فقط. ورغم ذلك، هذا التمييز يسود في العالم العربي بسبب بقاء الانماط والقيم الثقافية الاقطاعية المدعومة من جهاز ديني محافظ ونخبة سياسية منغلقة ومتسلطة تخلد مكانة النساء المتدنية.
وضع النساء في العالم العربي يختلف من دولة إلى اخرى، وفي الجوهر ايضا، بين مناطق قروية ومدنية وبين طبقات مختلفة. ورغم ذلك يمكن القول إن قوانين الاحوال الشخصية (قوانين العائلة) تدافع عن التمييز من خلال تحديد حقوق النساء في الزواج والطلاق وحضانة الاولاد والميراث. هذه القوانين تعبر عن الجهاز الاقطاعي الذي يُخضع المرأة للرجل، الذي له دور في الحفاظ على ظاهرة العنف ضد النساء في المجال الخاص. «القتل على خلفية شرف العائلة» والعنف داخل العائلة يحظيان بمظلة من الجهاز القضائي الذي لا يمنح النساء الحماية في الحد الأدنى.
اضافة إلى التمييز في المجال الخاص، تعاني النساء من عدم التمثيل المناسب في الجهاز السياسي والاقتصادي. نسبة المشاركة السياسية للنساء في البرلمان هي الأقل في العالم. وكذلك مشاركة النساء في سوق العمل، التي تقل بـ 24 في المئة. الانظمة العربية التي تعتبر أن دمج النساء في الاقتصاد والسياسة هو شرط لتقدم وتطور المجتمع، سمحت في العقد السابق باحداث تعديلات على قوانين الاحوال الشخصية، وقامت بسن قوانين لمنع العنف ضد النساء. وقامت بضمان مقاعد في البرلمان للنساء. وعلى الرغم من ذلك، فإن سعي الانظمة محدود جدا بسبب الحاجة إلى دعم وتأييد القوى السياسية والحصول على الشرعية من المؤسسة الدينية.
في الحالات التي عارضت فيها القوى المحافظة هذه الاصلاحات، تمت التضحية بحقوق النساء على مذبح الاستقرار السياسي. وقد سمعنا مؤخرا أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي طلب من رجال الدين العمل على الغاء أحقية الرجل في طلاق المرأة من خلال التصريح الشفوي «طالق». وهذا الطلب للرئيس المصري يصطدم بمعارضة المؤسسة الدينية برئاسة الأزهر.
أحداث الربيع العربي لم تحدث التغيير في مكانة النساء. وقد كان للنساء دور هام في الاحتجاج. فقد شاركن في المظاهرات ضد الانظمة إلى جانب الرجال، وعدد كبير منهن كن شريكات في القيادة والتنظيم. ورغم ذلك، فإن مشاركتهن في الاحتجاج لم تؤد إلى شمل مطالبهن في الساحة السياسية. والاخطر من ذلك هو أن احداث الربيع العربي التي ضعضعت استقرار بعض الدول، أظهرت الوضع السيء للنساء اللواتي يوجدن في مناطق الصراع والحروب الاهلية. النساء في دول مثل العراق وسوريا واليمن دفعن ثمن الصراعات العسكرية. وفي مناطق القتال هذه التي تتسم بغياب سلطة القانون يتم اقصاء النساء عن القطاع العام، ويتعرضن للاعتداء الجسدي والنفسي. في مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية تحولت النساء إلى أداة جنسية وتم بيعهن للمقاتلين كغنائم حرب. وهرب النساء وعائلاتهن من مناطق القتال لم يعفهن من العنف والاهانة. الاقتلاع واللجوء فصلا النساء عن شبكات الدعم العائلي حيث تعرضن للاعتداء الجنسي والاغتصاب في مخيمات اللاجئين. يضاف إلى ذلك، أن غياب الامن الاقتصادي وغياب الخدمات الصحية عملا على زيادة زواج القاصرات.
ورغم الوضع الصعب، فإن النساء في العالم العربي لسن ضحايا سلبيا. مشاركتهن في الربيع العربي عززت صورتهن كقوة سياسية هامة وكشفت عن انماط جديدة من النضال النسوي الذي يواجه القوى التي تحد من تأثيرهن، ايضا في المناطق التي توجد فيها حالة حرب. النساء المثقفات ذوات الوعي السياسي يدمجن بين النشاط الكلاسيكي من اجل تغيير السياسة مع تقدم الحوار في الشبكات الاجتماعية، والنشاط في المجال المدني والمشاركة في المقاومة المدنية.
إن النساء لا يعتقدن أن العلمانية وحدها ستضمن حقوقهن. وهن لا يمتنعن عن طرح المواضيع الحساسة مثل العنف ضد النساء والتحرش الجنسي بهن، هذه المواضيع التي توجد في صلب البنية الاقطاعية.
بسمت يافت
إسرائيل اليوم 8/3/2017
القدس العربى