د. عمَّار علي حسن:
قبل انطلاقِ جماعة الإخوان المسلمين في عام 1928، لم يكن العالم العربي والإسلامي يعرف تجمعاتٍ أو تنظيماتٍ وهيئات ومنظمات خارج سلطان الدولة، إلا تلك التي تعمل في النفع العام أو الجانب الخيري، والتعليم الديني. وكانتِ المؤسساتُ الدينية الرسمية نفسها هي التي ترتكب العنف اللفظي والرمزي أحيانًا باسم الدين، أو لصالحه وفق تصورها ومصلحتها المنعكسة في القوانين السائدة، أو القوى المسيطرة على الحكم.
لكن انطلاق الإخوان فتح باب قيام جماعاتٍ إسلامية مسيَّسة، دخلت في صدام ضد السلطات القائمة، والمجتمع أيضا، وانزلق بعضها من الاعتدال إلى التطرف، وولد بعضها متطرفًا، وارتكبت جميعًا كل أنواع العنف، الرمزي واللفظي، والمادي.
وقبل أن يصل بنا التاريخ إلى “داعش”، ومن قبلها “القاعدة”، وكثيرٌ من الجماعات والتنظيمات المتطرفة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، كان لمصر موقع متقدم في ميلاد واستفحال “الإسلام السياسي” وقدرته على التأثير في الإقليم، ثم الانتشار في العالم بأسره. فالدولة في مصر كانت مكتملة الملامح مع مطلع القرن العشرين، وكانت جاذبة لأصحاب الفكر والحركة ممن يعتقدون في أنَّ الإسلام “دين ودولة”، وأن وظيفة الحاكم هي “حراسة الدين وسياسة الدنيا”، وكانت تموج بتياراتٍ فكرية أخرى، تنزع إلى المدنية، ولذا نظر إليها “الإسلاميون” على أنها المسرح الأساسي لمعركتهم ضد من وصفوهم دومًا بالعلمانيين.
لهذا السبب، فإن فهمَ فكر وخريطة انتشار الجماعات المتطرفة، من الضروري أن يسلِّط الضوءَ بشدة على “الحالة المصرية” أو يضعها كثيرًا في الحسبان أثناء تحليل أفكار ومسار هذه الجماعات في بلدان أخرى. وقد توالت بالفعل الكتاباتُ المقتنعة بهذه الفكرة حتى أنه لا يمر عامٌ إلا وتصدر كتبٌ عديدة، وتُكتب آلاف المقالات، وعشرات الدراسات حول الجماعات السياسية الإسلامية في مصر.
لكن أغلب هذه الكتابات تأتي متشابهة، فهي أعمال بحثية وكتابات صحفية سريعة عن الظاهرة، أكثرها مبني على الانطباعات، ومنطلق من تحيزات مسبقة. وأقرب هذه الكتب إلى التوجه العلمي تعود إلى الأدبيات الأساسية التي تركها قادة هذه الجماعات والتنظيمات، أو من كانوا يتولون الإفتاء فيها ولها.
ويندر أن نجد أحدًا قد عاد أيضًا إلى جلسات محاكمات هذه التنظيمات، وقرأ التحقيقات التي أجرتها النيابة مع أعضائها، وسألتهم في كل شيء يتعلق بالأفكار التي يعتنقونها، والخلايا السرية التي ينتمون إليها، وطبيعة علاقتهم بالقادة الذين يُطيعونهم، وإدراكهم لعموم المسلمين ممن ليسوا منضوين تحت لواء جماعاتهم، ونظرتهم إلى الآخر غير المسلم في مصر، وفي بقية دول العالم، خصوصًا في الغرب، وموقفهم من السلطات الحاكمة ومن يؤيدونها.
من أجل هذا تأتي أهمية ما أقدم عليه المحامي والكاتب مختار نوح من جمع التحقيقات القضائية مع أعضاء عددٍ من التنظيمات المتطرفة والإرهابية، ثم وضعها في السياق الاجتماعي ـ السياسي، الذي جرَت فيه، وقام بتحليلها في إطار مقارن مع التصور الإسلامي المعتدل، ليصدر بها كتابًا يحمل عنوان «موسوعة العنف في الحركات الإسلامية المسلحة: 50 عامًا من الدم».
فالمؤلف، فضلًا عن أنه يعمل بالمحاماة ما وفَّر له إمكانية الوصول إلى هذه التحقيقات، فهو من المنتمين لفصيل من هذا التيار وهو “جماعة الإخوان المسلمين”، لكنه تخفَّف كثيرًا من أفكارها المتزمتة، ودخل في خلافٍ مع المجموعة المتشددة المخلصة لأفكار سيد قطب في صفوف الإخوان، نظرًا لأنه يميل أكثر إلى تصور واتجاه المرشد الثالث للجماعة، وهو عمر التلمساني، وحين وصل الإخوان إلى الحكم في مصر كان يقف ضدهم، وأيَّد الإطاحة بهم، ولا يزال عند موقفه هذا حتى الآن.
ورغم أن هذه القضايا قد حظيت بتغطيةٍ صحفية واسعة وقت جريانها في سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن المنصرم فإن ما تمت كتابته لم يكشف صورتها كاملة أمام الباحثين، ولا لدى الرأي العام، بل إن كثيرًا مما تم نشره يعتقد جمهور غفير أنه يقتصر على ما سمحت أجهزة الأمن بوصوله إلى الناس، وهذا أدى إلى ضعف تأثيره، وجعله يبدو مجرد انعكاس لصراعٍ ضارٍ على السلطة، وقد بذلت دعايات التنظيمات المتطرفة جهدًا كبيرًا في سبيل رسم هذه الصورة، وجعلها تستقر في ذهن الجمهور ومخيلته.
كان ينقص ما ظهر وذاع، أن يتمَ نشر وقائع جلسات التحقيق مع أعضاء هذه الجماعات؛ ليقف الناس على طبيعة أفكارهم ومخططاتهم وأهدافهم، وما فعلوه على أرض الواقع، من خلال فحص وتحليل نصوص هذه التحقيقات، وهو ما وفَّرته الموسوعة التي نحن بصددها، والتي تتناول التنظيمات التالية:
أولا ـ قضية الفنية العسكرية، التي وقعت عام 1974 عندما هاجمت مجموعة مسلحة “الكلية الفنية العسكرية” في القاهرة، وقتلت عددًا من الجنود. وهذا التنظيم متنوع جغرافيًا، قسم قائده صالح سرية أعضاءَه إلى مجموعات صغيرة انتشرت في بعض المحافظات، فيما بقيت مجموعتان الأولى لمهاجمة هذه الكلية، والثانية استهدفت مهاجمة بقية الكليات. وانطلق التنظيم من أفكار مؤسسه التي حواها كتاب “رسالة الإيمان”، الذي يعتمد “الجهاد” طريقًا لإقامةِ “دولة إسلامية”، ويصف نظم الحكم بأنها كافرة، وأن من يدافع عنها كافر، وكذلك كل من ينضم إلى حزب “غير إسلامي”. وقد خطَّط التنظيمُ لمهاجمة البرلمان، ومبنى الاتحاد الاشتراكي العربي (الحزب الحاكم)، بالتوازي مع تنفيذ هجوم بالكلية الفنية العسكرية، بعد التسلل إليها ليلًا، لقتل الرئيس السادات، الذي كان سيزور الكلية، في صباح اليوم التالي. لكن اثنين من التنظيم أبلغا عن الخطة، فأُجهضَ الهجوم، وتم القبض على المهاجمين، وحكم على قادته بالإعدام، لكن السادات خففه إلى المؤبد وسُجن عشرات، والبعض نال براءة.
ثانيا ـ تنظيم التكفير والهجرة، وهذا هو الاسم الإعلامي والأمني لما سميت “جماعة المسلمين” التي أسسها شكري مصطفى الذي بدأ عضوًا بجماعة الإخوان، وفي السجن تبني أفكارًا مختلفة حواها كتاباه “التوسمات” و”الخلافة”. وطلب التنظيمُ من أعضائه الاعتزال في أحد أحياء القاهرة النائية، والتدرب على السلاح في الصحراء، حتى تقوى شوكته فيهاجم قوات الأمن، ويدخل القاهرة فاتحًا، لكن تم كشفه بعد اختطافه وزير الأوقاف الشيخ الذهبي وقتله عام 1977، وقبض على أعضائه، وأُعدم قائده.
ثالثا ـ الجماعة الإسلامية، التي ساهمتِ السلطةُ نفسها في تأسيسها بالجامعات المصرية، خلال سبعينيات القرن العشرين لمواجهة اليسار، وتركزت بالأساس في صعيد مصر، منطلقة من “وثيقة العمل الإسلامي”، وشارك أعضاؤها في تنفيذ الهجوم على مديرية أمن أسيوط، عقب اغتيال السادات في 6 أكتوبر عام 1981 وسقط في الحادث أكثر من مائة قتيل. وقد حوكم قادتها وكثير من أعضائها، وصدرت ضدهم أحكام متفاوتة بالسجن.
وقد أطلق هؤلاء في عام 1997 ما سُميت “مبادرة وقف العنف” بعد ثماني سنوات من الدم في صراع بين أعضاء الجماعة، التي نشطت في الثمانينيات، وبين قوى الأمن المصرية. وقادت هذه المبادرةُ إلى حوار انتهى بالإفراج عن قادة الجماعة.
رابعا ـ تنظيم الجهاد، وكان مركز نشاطه القاهرة ودلتا مصر، وقد قامت بعضُ عناصره باغتيال السادات. واعتمد التنظيم في فكره على كتاب “الفريضة الغائبة” لمحمد عبد السلام فرج. وتم القبض على القادة الأساسيين للتنظيم وصدرت ضد بعضهم أحكامًا بالإعدام، والسجن المؤبد ضد آخرين.
خامسا ـ هناك الكثير من التنظيمات الجهادية الصغيرة التي تناولتها الموسوعة مثل تنظيم “السماوي”، و”الشوقيون”، وبعض المجموعات والأفراد الذين نفَّذوا عمليات اغتيال لبعض الشخصيات السياسية؛ بدءًا من رفعت المحجوب رئيس البرلمان المصري عام 1990، وانتهاء بالنائب العام هشام بركات عام 2015، والتمكن من قتل عدد كبير من قيادات الشرطة، ومحاولات اغتيال فاشلة لعددٍ من وزراء الداخلية، وصحفيين وكتابٍ، على رأسها المحاولة الفاشلة لقتل نجيب محفوظ.
وقد كان المؤلف بمنزلة “صندوق أسود” لهذه الجماعات على اختلاف أسمائها، إذ قدَّم ما فكرت فيه ونفذته مدعومًا بالمستندات والوثائق، التي تنوعت بين رسائل خطية، ومحاضر جلسات، وتحقيقات، وشهادات واعترافات بعض من أرادوا التوبة والعودة عن طريق الإرهاب. وبذا فهو يوفر للباحثين والمهتمين والمتابعين وخبراء الأمن فرصة جيدة لمعرفة الكثير من أفكار التنظيمات المتطرفة وخططها الحركية.
والقراءة المتعمقة لهذه الموسوعة تجعلنا نصل إلى عدد من الملاحظات أو الاستنتاجات المهمة، والتي يمكن ذكرها على النحو التالي:
1 ـ تبين التحقيقات أن كثيرًا من عناصر هذه التنظيمات يتسمون بقدرٍ كبير من الغرور، الناجم عن إيمانهم بحتمية انتصارهم في النهاية. فهم، وللوهلة الأولى، ما إن يمثلوا أمام المحقق حتى يتملكهم شعور بأنهم “الفئة القليلة التي لا محالة ستغلب الفئة الكثيرة”، ويتصرفون على هذا الأساس، فينعكس في حديثهم الواثق عن امتلاكهم الحقيقة المطلقة، وأنهم المؤمنون بالله، وهو معهم، وأن محققي النيابة، وكذلك رجال الشرطة، أعوان الطاغوت، ويجب التعامل معهم باستعلاء واستهانة.
2 ـ لم يكن هؤلاء على مستوى الدرجة نفسها من الولاء للفكرة أو التنظيم وقادته، فبعضهم أبدى تمسكًا شديدًا بموقفه، وهناك من أظهر تزعزعًا بمجرد القبض عليه، أو بعد إيداعه السجن لفترة معينة، على ذمة التحقيق.
3 ـ تمكنتِ الأجهزةُ الأمنية من اختراق كل التنظيمات المتطرفة بزرع عناصر داخلها، أو تجنيد عناصر كانت في صفوفها بالفعل. وهناك من ذهب من تلقاء نفسه إلى هذه الأجهزة، وأبلغها عن أسماء رفاقه في التنظيم وأنشطته، خاصة من بين العناصر المعاونة التي لجأت إليها التنظيمات في النقل أو جلب السلاح أو التدريب عليه، أو أولئك الذين لم ينجذبوا بشكلٍ تام إلى قلب التنظيمات، وظلوا على هوامشها، إما لأنهم كانوا حديثي عهد بها، أو لأن الثقة فيهم لم تكتمل لدى قادة التنظيمات.
4 ـ تمكنت أغلب التنظيمات من إخفاء جانب من نشاطها عن الأجهزة الأمنية رغم اختراقها لها. ويعود هذا إلى وجود دوائر متلاحقة، وخلايا عنقودية، داخل هذه التنظيمات، وهو أمرٌ أظهرته التحقيقات حين كانت بعض العناصر تؤكد أنها سمعت عن أحد القيادات أو الأشخاص البارزين، دون مقابلته ولو مرة واحدة، وزاد من هذا الغموض أن بعض الشخصيات كانت تحمل أسماء حركية مستعارة.
5 ـ تعرضت عناصر هذه التنظيمات لتعذيب شديد أثناء التحقيقات التي أجرتها معهم أجهزة الأمن، فبعضهم طلب تسجيل هذا حين حضر إلى ساحة المحاكم، وهناك من رفعوا قضايا ضد ضباط بعينهم. وقد استجابت السلطة في مصر أوائل ثمانينيات القرن العشرين لهذا، وحوَّلت عشرات الضباط إلى المحاكمة. ورغم أنهم قد حصلوا جميعًا على تبرئة من هذه التهمة، فإن الإجراء في حد ذاته كان وقتها يمثل تطورًا مهمًا في تعامل الدولة مع قضايا التعذيب، قياسًا إلى ما كان سائدًا في الستينيات.
6 ـ لم يقتصر الدفاع عن المتهمين من التنظيمات المتطرفة والإرهابية على محامين منتمين لـ “التيار الإسلامي”، بل إن الأغلبية كانت تنتمي للتيارين اليميني الليبرالي، واليساري الشيوعي والناصري والقومي، وبعض المحامين كانوا من المسيحيين المصريين. وكان دافع هؤلاء هو الانتصار لـ “حقوق الإنسان”، لا سيما في مسألتي رفض انتزاع اعترافات تحت وطأة التعذيب، والتوسع في دائرة الاشتباه.
وطيلة فترة حكم حسني مبارك استفاد التيار الإسلامي، في عمومه، من الحركة الحقوقية التي تصدى للعمل فيها ليبراليون ويساريون، لكنه تعامل مع هذه المسألة بنوعٍ من الانتهازية الشديدة، ففي الوقت الذي قَبل فيه دفاعَ هؤلاء عن حق هذا التيار في الوجود والتمثيل السياسي، والمحاكمات المدنية العادلة لأي عضو فيه ارتكب عنفًا ضد السلطة أو المجتمع، ومطالبتهم بتطبيق القانون على السجناء، فإنه لم يبدِ تفهمه لأفكارِ اليساريين والليبراليين، وحقهم أيضًا في أن يطرحوا مشروعهم الفكري والسياسي، بل إن كثيرًا من رموزهم تعرضوا للتكفير، أو على الأقل التقبيح والتشنيع، من الإعلام التابع للتيار الإسلامي، بدءًا من منابر المساجد وحتى المطبوعات التي كانت تنطق باسمهم. وقد كشف الإسلاميون المتطرفون عن وجههم الحقيقي ضد هذا التيار، حين اعتمد عليهم نظام أنور السادات في مواجهة اليسار، فنكَّلوا بطلابه داخل الجامعات، ورموا رموزه بالفسق والكفر، ودعوا إلى استئصال فكرهم من المجتمع بأسره.
7 ـ كثيرٌ من عناصر التنظيمات الإسلامية المسلحة لا يتركون هذا الدرب تمامًا بعد زوال أو انهيار التنظيمات المؤقتة التي ينتمون إليها، فهم ما إن يخرجوا من السجون، بعد أن لبثوا فيها سنين، حتى يسعوا إلى الانضمام إلى تنظيمٍ جديد، له قيادة مختلفة، لكن أفكاره لا تبتعد كثيرًا عن سابقه. وقد تبين أن بعض العناصر التي تساهلت معها السلطة السياسية، لم تلبث أن عادت إلى ممارسة النشاط تحت لافتة تنظيمات أخرى، تمكنت من جذبهم إليها، للاستفادة مما لديهم من خبرة حركية.
8 ـ هناك حالة من المراكمة على بعض الأفكار التي تطرحها قيادات داخل هذه التنظيمات. فعلى سبيلِ المثال لا الحصر، فإن فكرة العزلة والاعتزال التي نادى بها يحيى هاشم، وهو كان من قبل يعمل في سلك القضاء المصري، طوَّرَها شكري مصطفى زعيم “جماعة المسلمين” إلى “التكفير والهجرة”.
9 ـ كثير من التنظيمات المغرفة في الغلو والتشدد، والأفكار التي تبرر حمل السلاح، ولدت في غياهب السجون. فبعض الذين دخلوا إلى السجن على ذمة تنظيم “الإخوان المسلمون” بعد الاصطدام الثاني بينهم وبين جمال عبد الناصر، خرجوا يحملون أفكارًا أكثر راديكالية، لا سيما أن “الإخوان” أنفسهم كانوا قد تأثروا بأفكار سيد قطب التكفيرية.
10 ـ كان التفكيرُ في نهج أكثر تشددًا قد زحف أيضًا إلى عناصر خارج السجون، ممن ربطوا وهمًا بين انكسار جماعة الإخوان، والعداء للإسلام نفسه. فبعض الذين انضموا إلى تنظيم يحيى هاشم، وتنظيم “الفنية العسكرية” في بداية السبعينيات، عَزَوْا إقدامَهم على هذه الخطوة إلى غضبهم مما جرى للإخوان. وهنا يقول نوح:
“روى لي أحدُ المشاركين في أحداث الفنية العسكرية أن الاحتقان النفسي كان قد وصل إلى غايته بسبب السلوك الإعلامي في مواجهة الفكرة الإسلامية.. وحكى لي أيضًا كيف أن لقاء الإعلاميين بالإخوان المسلمين في التلفزيون المصري عام 1965 قد أوصله إلى حد البكاء مما دفعه إلى تبني الفكر المتطرف في أوائل السبعينيات”.
وبعض هؤلاء آمن بأنه لا أمل في الانتصار لما يعتبرونه “الإصلاح الإسلامي” إلا بالجهاد المسلح.
11 ـ تحرك أغلب الشباب المنتمين إلى “الإسلام السياسي” خلال الفترة المتراوحة بين 1965 و1974 بلا قدوة ولا فكرة ولا تخطيط، وتوزعوا في اتجاهات عدة، إذ اختار بعضهم الاتجاه السلفي، وهناك من اختاروا جماعة الإخوان نفسها. واعتملت في نفوس الكلِّ طاقة عنف مكبوتة، فرَّغت نفسها في البداية عبر استهداف أضرحة المتصوفة، ثم بدأت سلسلة التنظيمات العنيفة الصغيرة التي أقدمت على عملياتٍ إرهابية فاشلة، وكان من بين هؤلاء من يؤمن بجدوى شنّ حرب عصابات ضد السلطة، إلا أن أمر هؤلاء سرعان ما انكشف.
12 ـ تجربة هذه التنظيمات تبين أنه في أغلب الأحيان يكون أكثر العناصر صخبًا، ورغبة في دفع التنظيم إلى الانزلاق إلى العنف، مدسوسًا عليه، لأخذه في طريق الإنهاك والتصفية، بعد كشف عناصره.
13 ـ انزلقتِ التنظيماتُ الإسلامية المتطرفة إلى عالم الجريمة عبر عدّة أبواب، فهي إما ضمَّت في صفوفها أحيانًا، لا سيما الجهادية السرية العنيفة منها، بعضَ أصحاب السوابق الإجرامية، حيث احتاجت إليهم في تنفيذ مهام معينة، وتعاونت أحيانًا معهم في حوادث محددة. كما أن ميل بعض الجماعات إلى “استحلال أموال الغير” شجَّع مجرمين على الانجذاب إليها. علاوة على هذا، فإن عناصر التنظيمات اضطرت إلى ارتكاب جرائم عدة لتنفيذ بعض العمليات الإرهابية؛ مثل سرقة مركبات أو سيارات أو تزوير جوازات سفر وبطاقات هوية، وغيرها.
*روائي وباحث في علم الاجتماع السياسي
موقع عين اوروبية على التطرف