نيرڤانا محمود:
أثار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون غضب البعض بسبب مشروع قانون "الانعزالية الإسلامية" الذي طرحه.
من أبرز المنتقدين للرئيس الفرنسي الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر، حيث غرد ضد تصريحات الرئيس الفرنسي من دون ذكر اسمه.
مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر كان أكثر وضوحا، ووصف تصريحات ماكرون عن الإسلام بأنها "عنصرية" و"تدعم خطاب الكراهية".
الغريب أن غضب الأزهر من تصريحات ماكرون توافق مع ترحيب شيخ الأزهر برسالة البابا فرانسيس الجديدة، "كلنا إخوة".
كيف يرحب الأزهر برسالة الأخوة من بابا الفاتيكان، ويغضب من الرئيس الفرنسي الذي يدعو للوقوف ضد السياسة الانعزالية والتطرف الذين ينتشر الآن بين المسلمين، ليس في فرنسا فقط، بل في العديد من الدول الغربية؟ إذا كنا إخوة في الإنسانية فلماذا ندافع عن الانعزال والكراهية والتطرف؟
فهم الكاتب السعودي فيصل عباس، رئيس تحرير صحيفة "عرب نيوز" (Arab News) فهم رسالة الرئيس الفرنسي، وأنه ليس ضد الإسلام كدين ولكن يريد أن يلعب الإسلام دورا إيجابيا في المجتمع الفرنسي وأن يكون شريكا للدولة الفرنسية في مكافحة التشدد. ولهذا دعا الكاتب إلى دعم الرئيس الفرنسي وليس الوقوف ضده.
من المحزن أن نرى تفهما سعوديا للرئيس الفرنسي بالمقارنة مع تشنج وغضب من أكبر سلطة دينية في مصر.
ألا يعلم شيخ الأزهر أن الجماعات الإسلاموية، كالإخوان المسلمين، هم من أكبر الانعزاليين والمتطرفين في العالم الإسلامي والغربي؟
ألا يعلم شيخ الأزهر أن التشدد هو البذرة التي توصل إلى التطرف كما غرد الشيخ وسيم يوسف؟
كنت أتمنى من شيخ الأزهر أن يصغي إلى مخاوف الرئيس الفرنسي والتعاون معه بدلا من الإسراع في الرفض والغضب. فردود الأفعال العاطفية لن تفيد المسلمين في الغرب بل ستؤكد الرؤية السلبية التي يعانون منها.
المقلق أيضا، أن موقف شيخ الأزهر يتناغم مع موقف النظام التركي ـ الداعم الأكبر لجماعات الإخوان والإسلام السياسي.
انتقد المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين تصريحات الرئيس الفرنسي ووصفها بأنها تشجع كره الإسلام والشعبوية ضد المسلمين.
بالرغم من أن مؤسسة الأزهر المصرية تقف ضد جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين التي يدعمها النظام التركي، إلا أن الطرفين اجتمعا على انتقاد الرئيس الفرنسي.
لماذا هذا التناغم الغريب؟
لأن الخلافات بين الأزهر والعثمانيين الجدد هي خلافات سياسية فقط. أما دينيا فالطرفان ينظران إلى الماضي كحل لمشاكل الحاضر، ويرفضان تجديد التراث وتنقيحه من التفاسير التي تشجع التشدد والتطرف.
بدلا من الرفض علينا أن نشرح للرئيس الفرنسي الفرق بين الإسلام والإسلاموية السياسية وأن الخطر يكمن في جماعات الإسلام السياسي كالإخوان و"حزب الله" والدول التي تدعمهم، وخصوصا تركيا وإيران.
علينا أن ندعو فرنسا لوضع جماعة الإخوان المسلمين، و"حزب الله" اللبناني على قائمة المنظمات الإرهابية، بدلا من التعامل معهم من منطلق سياسي بحت.
وفي الوقت نفسه، على شيخ الأزهر أن يراجع موقفه من التراث الإسلامي. فموقفه المدافع عن التراث، والذي عبر عنه في بداية هذا العام
فتراثنا لم يخلق أمّة كاملة كما يؤمن شيخ الأزهر.
فتاريخ الإسلام مليء بالانقسامات والمؤامرات منذ مقتل عثمان وعلي والحسين وحتى سقوط الخلافة العثمانية. مشكلتنا ليست مع الحداثة ولا حتى مع إرث الاستعمار. مشكلتنا في الوله بالماضي وتجميل أحداثه وقياداته، وشيوخه وكأنهم ملائكة بلا أخطاء وكأن أراءهم مقدسة لا يمكن الاختلاف معها.
من حقنا أن نذكر الأوربيين بحضارة الأندلس، ولكم من واجبنا أيضا الاعتراف بأنها لم تكن الجنة الموعودة وأن سقوطها ساهم فيه تطرف وتشدد المرابطين والانعزاليين.
الدين باتباعه وليس بنصوصه المقدسة في عيون هؤلاء الاتباع.
كلمات الرئيس الفرنسي لم تأت من فراغ، بل تحمل في مغزاها دعوه إلينا، نحن المسلمين، للبحث عن عيوبنا التي جعلت الغرباء يتوجسون منا ومن ديننا، وألا نلقي اللوم على الآخرين ولعب دور الضحايا والمظلومين.
نحن مرآة ديننا. الإسلام ليس فقط نصوصا مقدسة ولكنه ينعكس أيضا في شخص من يطبق هذه النصوص وكيف يقدمها للآخر.