سناء العاجي:
نتابع منذ أسابيع نقاشات كثيرة حول لقاح كورونا. قد يقنعنا البعض ولا يقنعنا البعض الآخر.. لكن أغربها، هو ذلك الذي يحول النقاش من علمي حول اللقاح وفعاليته.. إلى نقاش ديني.
فمرحبا باللقاح الإسلامي ضد كورونا! بدأت الحكاية حين لاحظ العقل السلفي بأنه على رأس المختبر العلمي "بينوتيك" الشريك لمختبر "فايزر" والذي أعلن عن قرب جاهزية لقاح فعال ضد كورونا، يوجد عالمان من أصول تركية، هما أوغور شاهين وزوجته أوزليم توريتشي.. وانطلقت جوقة التطبيل للعالِم المسلم ولزوجته (وأغلب الظن أن الأخيرة لا يعرفون أنها تنتمي لعائلة كاثوليكية).
الآن، لنتساءل بكل موضوعية: كل اللقاحات التي استعملناها منذ طفولتنا، والتي أنقذتنا من أمراض شتى، هل نعرف ديانة مصنعيها؟ هل تحدث أحد يوم عن اللقاح المسيحي ضد فيروس كذا أو اللقاح اليهودي ضد مرض كذا أو الدواء الملحد لعلاج مرض كذا؟
هل نتحدث عن ديانة مصنع البينيسيلين أو الكورتيكويد؟
هل نتحدث عن الاختراعات اليهودية والمسيحية؟
أم أن العلم، فعلا، لا دين له إلا الإنسانية؟
على مستوى آخر، هل ندرك أن هذين العالمين تألقا في ألمانيا، ليس لأنهما مسلم وكاثوليكية، بل لأن لهما كفاءات علمية، ولأنهما مجتهدان.. ولأن ألمانيا والعلمانية الألمانية والسياسة الألمانية التي تركز على العلم والبحث العلمي.. وفرت لهما الظروف للنجاح والتألق فيما يشتغلان فيه، خارج انتمائهما الديني؟
بالفعل، حتى بعض وسائل الإعلام الغربية احتفت بانتمائهما التركي وباعتبارهما أبناء الهجرة (دون أي حديث عن الدين). لكنها فعلت ذلك، لتهاجم خطاب اليمين المتطرف الأوروبي، الذي يعادي الهجرة والمهاجرين.. فعلت ذلك لتقول للعالم إن الهجرة تنتج أيضا الأدمغة والعلم والتطور، وليس فقط الفقر والتطرف والانحراف.. ونحن نكتفي بالاحتفاء بكون أوغور شاهين مسلما! علما أننا لا نعرف شيئا، ولا يفترض أن نعرف أي شيء عن قناعاته الدينية الحقيقية، فكونه ولد مسلما شيعيا في بلد يحترم حرية المعتقد، لا يعطينا أي تفاصيل محددة عن قناعاته الشخصية الحقيقية، وهذا هو المنطق أساسا.
أوغور شاهين باحث ألماني من أصول تركية، قد تكون له يد في صناعة لقاح ينقذ البشرية من الوباء ومن الحجر الصحي ومن الموت. أن يكون شيعيا أو ملحدا أو بوذيا هو أمر يخصه. أن يكون قد نجح كباحث وعالم هو دليل أن الهجرة لبلدان متطورة تساعد العقول المتميزة على النجاح والتألق لصالحها كأفراد ولصالح المجتمعات التي توفر لها ظروف النجاح، ولصالح الإنسانية أحيانا كما قد يحدث إذا تطور فعلا اللقاح الذي يشتغل عليه المختبران.
هذا طبعا دون أن ننسى السؤال الأصل: هل كان أوغور شاهين وأوزليم توريتشي وأحمد زويل ومنصف السلاوي ورشيد الزمي وزها حديد وغيرهم من العلماء والمبدعين الذين نحتفي بهم في ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية وغيرها، سينجحون في مجتمعاتهم الأصل؟ هل كانوا سيتفوقون في دول لا تهتم حكوماتها بالبحث العلمي ولا تعطي مجالا للتفوق للباحثين في مختلف الميادين؟
هذه هي الأسئلة التي يفترض أن نطرحها على أنفسنا كلما ساورتنا الرغبة في الاحتفاء بعلماء ألمان أو أستراليين أو أمريكيين من أصول تركية\عربية\إيرانية. هذا طبعا مع التأكيد على أن ديانة أي من هؤلاء هو أمر شخصي يعنيهم، تماما كما هي ديانة إنشتاين وإيديسون وألكسندر فليمينغ.
ثم ختاما، لنتذكر أنه على رأس مختبر بيونتيك، يوجد عالمان: الباحث أوغور شاهين وزوجته الباحثة أوزليم توريتشي.
وأنت تحتفي باللقاح "الإسلامي"، لا تنسَ أنك تعتبر النساء ناقصات عقل ودين وأن مكانهن البيت وتربية الأطفال! ولا تنس أن لأوغور شاهين شريكة حقيقية في الحب والبحث العلمي، في الزواج وفي التحدي المهني، في الحياة المشتركة والطموحات المشتركة والأحلام المشتركة!