عادل جندي:
يدور في فرنسا، وخاصة في الأسابيع الأخيرة، سجال استقطابي حول رفض قطاع كبير من مسلميها لمبادئ وقيم الجمهورية والدولة المدنية العلمانية، وتمسكهم بأن الإسلام يأتي قبلها.
ـ يقول البعض أن المشكلة في الإسلام الذي هو دين غير قابل للتوافق (incompatible)مع الدولة الحديثة وقيمها، ولكن بسرعة يجري اتهام هذا البعض بالإسلاموفوبيا وبأنه ينتمي لليمين المتطرف، وأن الإسلام بلا شك قابل للتوافق مع الدولة الحديثة وقيمها، وأن المسلمين الذين يقولون بغير هذا هم ضحايا غسيل مخ من الجماعات المتطرفة، مثل الإخوان والسلفيين.
يأتي الرئيس السيسي ليوضح ويؤكد، في بضعة ثوان قرب نهاية مؤتمره الصحفي مع الرئيس ماكرون (انظر أدناه)، أن مبادئ «الديانات السماوية» (يقصد الإسلام) هي فوق كل المبادئ والقيم الإنسانية. وهكذا يقطع كل شك بيقين ويبرهن على أن المشكلة في الإسلام وليس في متطرفيه.
ليس هذا فقط، بل قد نجح الرئيس السيسي في اثبات أنه سلفي لا غش فيه وأن خلافه مع الإخوان هو اختلاف على كرسي الحكم لا أكثر، بينما الفكر واحد والهدف واحد، وأن كلامه المتكرر عن «تجديد الخطاب الديني» هو مجرد فنكشات للتسلية، وأن لا فرق بينه وبين الشيخ أحمد الطيب أو الشيخ الحويني أو الشيخ الشعراوي، بل إنه تفوق على مهدي عاكف، صاحب «طظ في مصر»، بتبنيه مبدأ «طظ في الدولة الحديثة وفي مبادئ ومواثيق حقوق الإنسان الدولية» وأن الإسلام ـ في اعتقاده ـ يأتي قبل كل شيء وفوق كل شيء.
خلفية:
قرب نهاية المؤتمر الصحفي، وجه مندوب «اليوم التابع (للمخابرات)» سؤالا للرئيس ماكرون حول الرسوم الكاريكاتورية إياها.
رد ماكرون قائلا إن هذه الرسوم لا تعبر عن رأي فرنسا بل عن رأي من رسمها فقط، لأن المبادئ الإنسانية وحرية التعبير راسخة في فرنسا منذ زمن طويل يعود إلى الثورة الفرنسية. ورئيس الجمهورية، حتى لو لا يعجبه بعض ما ينشر، لا يملك أن يحجبها، لأن القانون يحميها. واسترسل موضحا: «اعتقد أن هناك احتمالية فهم خاطئ للتاريخ.. نحن نعتبر ان قيمه الانسان فوق كل شيء ...هذه هي فلسفة التنوير وهي ما جعل حقوق الانسان أساس بناء مواثيق الامم المتحدة "لا شيء فوق الإنسان واحترام كرامة البشر.." ولكن في السياسة لا يدخل الدين .. و لا يحق لأي دين ان يعلن الحرب لأن هناك من سخر منه. الناس يحترمون بعضهم البعض و بالتالي يمكنهم النقاش بحرية .. و لا يمكنني أبدا أن أضع في كفة واحدة صدمة انسان فكريا مقابل العنف .. لأن مساهمة عصر التنوير والثورة و عالميه هذه القيم هي أن الانسان الحر العاقل فوق كل شئ .. و هذا الحر هو الذي يقرر أن يصدق بالدين من عدمه أو يقرر اختيار دينه .. لا جدل و لا نقاش في الدين .. و في بلدنا لو اعتبرنا أن الدين فوق السياسة فسنكون لسنا من نحكم بلادنا علي أسس ديموقراطية و لكن سنصبح نظاما دينيا و هذا ما لم نختاره !!
تدخل الرئيس السيسي بالتعليق قائلا أن المبادئ الدينية للأديان السماوية (يقصد الإسلام) هي من عند الله وبالتالي تأتي قبل المبادئ الإنسانية وأضاف: «المرتبة بتاعت القيم الدينية أعلى بكثير من القيم الإنسانية، لأن القيم الإنسانية هي قيم إحنا الي عملناها».
فقام ماكرون بالرد بصرامة قائلا أن «مبادئ الإسلام لا تطبق في فرنسا» وأضاف مكررا بعض ما سبق أن قاله.