يدعي بعض مفسري القرآن الذين اعتادوا ان لا يتفقوا دائما على تفسير موحد، ان التوراة محرفة بنص بعض الآيات القرآنية. وأخذ شيوخ الجهل ورجال الدين المغرضين ممن لا يفهمون حقيقة نصوص القرآن ولم يتحققوا من معانيها، بنشر إشاعة تحريف الكتاب المقدس بين اتباعهم من الذي يصدقون ما يسمعون دون تدقيق ولا متابعة.
الكتاب المقدس بكل أسفاره أعظم كتاب عرفه التاريخ منذ آلاف السنين، واعرق كتاب مقدس على مر العصور، اشترك في كتابته اربعون نبيا علي مدار ١٦٠٠ عام، كلهم متفقون على رسالة واحدة. و قال عنه بطرس الرسول في رسالته: "لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ." (2 بط 1: 21).
والعظيم في القول أنه وصف الكتبه بانهم (اناس الله) و كأنهم اتحدوا مع الله في هذا العمل فكتب الله كلماته باسلوبهم وباقلامهم فخرجت نصوص سهلة يسوغ للعقل البشري فهمها وإدراكها. شرّفَ اللهُ الانسانَ وكرّمه بذلك الكتاب الذي وعد بحفظِه.
قال السيد المسيح: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ." (مت 5: 18). وقال النبي ارميا: " َقَالَ الرَّبُّ لِي: «أَحْسَنْتَ الرُّؤْيَةَ، لأَنِّي أَنَا سَاهِرٌ عَلَى كَلِمَتِي لأُجْرِيَهَا»." (إر 1: 12). الرب حارس وساهر على كلمته من التحريف والتبديل.
ماذا يقول المفسرون المسلمون عن الكتاب المقدس؟
إنهم يتهمونه بالتحريف معتمدين في اعتقادهم الخاطئ وسوء فهمهم على آيات قرآنية يفهمون منها سطحيا بأن الكتاب المقدس محرف.. سندرس الآن بعض من هذه الآيات لنرى هل حقا قال بتحريف الكتاب المقدس ومنه التوراة، أم أنها آيات تبرهن على سلامة الكتاب المقدس وتصب في أصالة نصوصه. وسنثبت بالدليل ان هناك خطأ في فهم المفسرين.
جاء في سورة البقرة 75 "أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" تخبرنا هذه الاية عن فريق من اليهود كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون
والان دعونا نفهم ما جاء بهذا النص
- وصف كاتب هذا النص المحرفين بأنهم (فريق منهم) اي انهم ليسوا اليهود جميعهم بل جماعة منهم.
- هؤلاء الفريق من اليهود كانوا (يسمعون كلام الله) ولم يقل( يقرأون كلام الله) أو (يكتبون كلام الله)، أي أنهم من عامة اليهود الذين يجتمعون في مجامعهم في أيام السبوت ليستمعوا إلى كلام الله في التوراة، في حين ان الكهنة والأحبارهم من يقرأون كلام الله عليهم، والكتبة هم من يكتبون كلام الله أي ينسخون التوراة بنسخ جديدة على الورق لتوزيعها أولحفظها في مجامعهم... إذن افراد هذا الفريق المستمع لكلام الله من اليهود ليسوا احباراً او كهنة و ليسوا من كتبة التوراة الذين هم من يستنسخ كتب الشريعة اومفسريها، وخبراء الناموس، ويشار لهم أحيانًا بالناموسيين، بل هم من عامة الناس. - يقول عنهم كاتب النص القرآني أنهم (عقلوا كلام الله)، اى ان هناك من كان يفسر لهم كلام الله وهم يستمعون له و يعقلون منه ما يستمعون إليه من كلام الله. - حرفوا الكلام الذي (سمعوه) من الكهنة وعقلوه.
لنحتكم إلى المنطق والعقل....
هل يعقل ان فريقا من اليهود من عامة الشعب يقدروا ان يحرفوا التوراة في غفلة من باقي فرق اليهود المنتشرين في العالم! هل تعتقد ايها القارئ ان باقي فرق اليهود كانوا نائمين في كهف منعزل حين حرّف هذا الفريق الذين هم من عامة الشعب التوراة؟ وهل فريق من يهود جزيرة العرب الذي حرفوا الكلام يمثلون كل يهود العالم؟ كيف يحرّفون نصوص التوراة وهم من المستمعين لها وليسوا من الكاتبين لها او حتى من القارئين؟
جاء في القرآن بعض الآيات التي تشرح تحايل بعض اليهود الجشعين الذين يكتبون بعضا من آيات التوراة (كلام الله) على (قراطيس) [وريقات] ويبيعونها للعرب (بثمن قليل) بقصد الأستفادة من ثمنها . وهذا لا يدل انهم كانوا يحرفون الكتاب الأصلي للتوراة، بل هي قراطيس (اوراق) يكتبونها للبيع ليتربحوا من ثمنها.
"قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس (وريقات) تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا اباؤكم"، "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون".
"إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون".
لو كانت التوراة محرفة لما قال عنها القرآن انها (هدى ونور يحكم بها النبيون) .
بعضا من يهود جزيرة العرب كانوا يكتبون بعض آيات التوراة المحرفة في قراطيس ويبيعونها للعرب ليشتروا بها ثمنا قليلا لغرض الخداع. والآية التالية قالها محمد عنهم، وليس المقصود بها تحريف كل نصوص التوراة الرسمية.
مما سبق يتأكد لنا ان هذا النص القرآني لا يصلح ان يستخدمها المسلم كقرينة ودليل على تحريف الكتاب المقدس ولكنه يعد دليلا قويا على صحة الكتاب المقدس وسلامة نصوصه، لأن هذا الفريق (سمع كلام الله) كما يقول نص الاية.. أي انه سمع كلاما صحيحا سليما خاليا من التحريف لأن القرآن وصفه بأنه ( كلام الله ) وهذا دليل قوى على ذلك. وايضا عقلوه أي ان كهنة اليهود وكتبتهم كانوا صادقين في تفسيرهم لكلام الله لهم.
إذن هذه الآية دليلا دامغاً على سلامة الكتاب المقدس من التحريف وشاهد على فساد تصرف حفنة من عامة اليهود الجشعين الذين تعمدوا تحريف ما سمعوه وما فهموه من كلام الله للإستفادة المادية. اي المقصود تحريف المعنى وليس تحريف النص الأصلي كي يخدعوا المسلمين بنصوص مغايرة ويربحوا منه ثمنا قليلا. وما يشيعه شيوخ الكذب والدجل هو مجرد افتراء على الكتاب المقدس وسوء فهم للقرآن.
لينغا