أحمد الجدي:
خلال الأسبوع الماضي، حصل جدل كبير في مصر إثر تصريحات لكبير أئمة الأوقاف في محافظة الدقهلية الشيخ نشأت زارع، هاجم فيها الفتوحات الإسلامية ورفض أن يربطها بالإسلام، معتبراً إياها "احتلالاً واعتداءاً مذموماً لم يكن بهدف نشر الدين".
بموازاة الهجوم الذي طال الشيخ وعقوبة وزارة الأوقاف التأديبية له بتخفيض الرتبة إلى الأدنى منها مباشرة، أعادت تصريحات زارع تعزيز النقاش حول معنى الفتوحات نفسها في التراث الإسلامي، من خلال بحث الفوارق بين الغزوات والاستعمار والفتوحات.
"الإسلام الصحيح"
"الفتوحات سياسية وليست إسلامية، وإلصاقها بالإسلام يضره"، هذا ما جاء في مقال نشره زارع في سبتمبر/أيلول الماضي تحت عنوان "الفتوحات السياسية"، وتناول فيه جدلية "الفتوحات الإسلامية والغزو العربي". مؤخراً، أعاد زارع التذكير بالمقال في حوار مع جريدة "الدستور" المصري وهو ما فجّر الجدل مجدداً، لا سيما بعد زعم الجريدة أن زارع طلب من شيخ الأزهر أحمد الطيب الاعتذار عن الفتوحات الإسلامية، وهو ما نفاه زارع في مقابل تأكيده على موقفه من الفتوحات.
وبرّر زارع رأيه مجدداً، كاتباً في منشور على صفحته الرسمية في فيسبوك، يقول إنه محاه لاحقاً بعد تحقيق "الأوقاف" معه: "الإسلام الصحيح وضع ثوابت للقتال وهي ′جهاد الدفع′، ويظهر في ′وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين′، أما الفتوحات المزعومة فهي ′جهاد الطلب′ أي أنك تطلب الكفار وتغزوهم وتخيّرهم بين الإسلام أو الجزية أو القتل والسبي، وهي الفتوحات المترسخة في عقول كل التيارات الاسلامية كتراث إسلامي يبيح احتلال البلاد الأخرى، وهو ما قام به تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا".
ويضيف زارع كاتباً: "سيدنا علي بن أبي طالب أوقف الفتوحات واعتبرها ضد الشرع وعمر بن العزيز أيضاً أوقفها لأنها مخالفة لرحمة وتسامح الإسلام".
تواصل رصيف22 مع الشيخ لاستيضاح الموقف منه، لكن الأخير اكتفى بشرح مقتضب قائلاً: "تجرأت في الحديث حول الأمر لأني رأيت وزير الأوقاف محباً للتنوير ودائم الحديث عنه، وهو يقول في كل لقاءاته أن هناك فرق كبير بين ما هو مقدس وما هو بشري قابل للتجديد والتغيير مع مستجدات العصر".
وبحسب ما يقول زارع، فإن أحد أبرز الحوادث التي أثّرت على رأيه في الفتوحات الإسلامية كان ما ورد في كتاب "تاريخ الخلفاء" لجلال الدين السيوطي الذي ذكر فيه نصاً أن "الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك كان يتواصل مع قائده العسكري موسى بن نصير ويطلب منه إرسال الجواري الجميلات بعد فتحه بلاد المغرب العربي والأندلس، وأرسل له بالفعل الآلاف من البربريات والفارسيات والروميات".
"تكون الجريمة مضاعفة"
يؤيد المفكر المصري الدكتور خالد منتصر ما قاله زارع عن الفتوحات الإسلامية، ويشير في حديثه لرصيف22 إلى أن "معنى الفتوحات هو أن تدخل أرض أو حدود دولة أخرى وهذا يعني احتلالاً وليس فتحاً إسلامياً، كما أن المسلمين حدثت بينهم حروب شديدة وأريقت فيها دماء مسلمين أكثر ما أريقت دماء من ديانات أخرى، أي أن المسلم أهدر دم المسلم أكثر مما فعل الصليبيون، والدلائل على كلامي كثيرة في حروب الردة الشهيرة وفي حروب مثل الجمل والنهروان".
ويواصل منتصر حديثه قائلاً: "هذه مجرد عناوين لكن سؤالي هنا ما هو الترمومتر الذي يحدد ويقول هذه غزوات واستعمارات وهذه فتوحات؟ أسأل رجال الدين ما هو الخط الفاصل، هل دخلنا على هذه البلاد حاملين الغيتار والزهور ونعزف المقطوعات الموسيقية وفتحت لنا هذه البلاد بالأحضان؟".
واستكمالاً لفكرته يذكر المفكر المصري: "لو قرأت الكتب المكتوبة من وجهة نظر قبطية في تلك الفترة يظهر أن فتح مصر لم يكن فتحاً وردياً بل كان هناك العديد من القتلى وغيرها من الانتهاكات... باختصار أقول ما يقوله القانون الدولي أي أن التعدي على حدود بلد آخر هو احتلال واستعمار وعدوان، لا يوجد شيء اسمه تتعدى على حدود بلد آخر لنشر الدين الأفضل، لأنه لا يوجد ما يسمى بالأفضل ديناً".
ويرى منتصر أنه لا يمكن القياس على رسائل النبي محمد لملوك وزعماء الدول الأخرى للدخول إلى الإسلام، موضحاً: "ليس من حق أية فئة أو قبيلة الآن أن ترسل إلى بلد أخرى وتقول لا بد أن تدخلوا في ديننا تحت أي مسمى".
وفي ختام حديثه، يشدد على رفضه أي تعدٍّ على أرض الغير تحت أي مسمى، فبالنسبة له اسمه احتلال، أما "عند رفع راية الدين، أياً كان الدين في هذا الاحتلال، تكون الجريمة مضاعفة".
مطالب بإلغاء كتب التراث
من جهته، يقدم الباحث في شؤون التراث الإسلامي الدكتور أحمد عبده ماهر رأياً واضحاً في الفتوحات الإسلامية، فيقول لرصيف22: "كنت ولا زلت أدعو لإعادة النظر في التراث الإسلامي، فهناك ما يسمى زوراً من ضمن الدين فتوحات بينما هو صورة من صور جاهلية قريش قبل الإسلام من هجوم على الدول وهتك الأعراض ونهب الأموال والتي تطورت مع الزمن فصارت مدافع وبنادق وغازات سامة في يد أصحاب اللحى والعمائم، ممن شكلوا تنظيمات القاعدة وبوكوحرام وجبهة النصرة والجهاد الإسلامي وداعش وغيرهم".
ويضيف: "من العجيب أن كل هذه التنظيمات تنظيمات سنية تلوذ بفقه السنة الذي يتزعمه البخاري في مقولاته التي زوّرها عن رسول الله قائلاً ′من بدل دينه فاقتلوه′، وقائلاً ′أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله الله′".
"هؤلاء المشايخ هم صورة للضحالة الفكرية، إذ أن الإسلام ينهى تماماً عن العدوان على الدول حيث قال المولى ′وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين′، لكنهم رسخوا ′جهاد الطلب′ كأحد صور ما يظنونه جهاداً في سبيل الله بينما هو جهاد في سبيل الشيطان"، يقول ماهر.
ويعلق: "شاهدنا الطيار الأردني معاذ الكساسبة وهو يُحرق والفاعلون يرجعون الأمر لأبي بكر الصديق، وكأن أبي بكر له الحق في أن يسن تلك السنن الدموية، كما ابتدع أسلافهم قتل الفلاسفة"، مضيفاً "من العجيب أن أجد فضيلة شيخ الأزهر وهو حاصل على الدكتوراة في الفلسفة يركن لهؤلاء التراثيين الذين يقولون بقتل الفلاسفة وأهل المنطق ويعتبرونهم من أهل الزندقة، وهناك مؤلفات تدعو لذلك مثل مؤلف ′تهافت الفلاسفة′ لأبي حامد الغزالي، وآخر اسمه ′صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام′ لجلال الدين السيوطي".
ويتابع حديثه قائلاً: "كانت كتب التراث تقول إن أبي بكر الصديق شق ′أم قرفة′ إلى نصفين بين بغلين، أو أنه في زمن عمر بن الخطاب تم اكتساح كل دول شمال أفريقيا ولم يكن وقتها معهم مصحف واحد لأن المصحف كتب في عهد عثمان بن عفان، كما توجد مسألة التخيير بين القتل واعتناق الإسلام والجزية وهي سابقة لم يقم بها الهنود الحمر ولا هتلر ولا موسوليني، كما أن القتال على العقيدة وإجبار الناس على دخول الدين يخالف كتاب الله جملة وتفصيلاً بدليل أن ′لا إكراه في الدين′" (يمكن هنا مراجعة مقابلة سابقة لماهر نشرت في رصيف22 تناقش هذا الشق بالتفصيل).
ردود أزهرية
في المقابل، يرى إمام مسجد السيدة نفيسة والداعية الأزهري البارز المدافع عن التراث الإسلامي الدكتور عبد الله رشدي أن "العلمانيين يبحثون عن أي شيء لتشويه صورة الإسلام دون بحث محقق عما يقولوه".
يرد رشدي على وصف الفتوحات الإسلامية بالحملات الدموية في حديثه لرصيف22، ويقول: "الحروب التي خاضها المسلمون كانت لها دوافع وليست اعتداء بهدف القتل والنهب والسبي، فإذا راجعنا كل الفتوحات لم يحارب المسلمون إلا عدواً فعلياً أي نزل بأرضهم أو بلادهم وهو ما يسمى بجهاد الدفع، أو حاربوا عدواً متوقعاً أي أن ليس بينه وبينهم أمان ولا استئمان ولا عهد ولا عقد ذمة"، معلقاً "لا ننسى الدول الحديثة الآن والتي تعتبر مثالاً للعلمانية كأمريكا والتي تحارب أي دولة تستشعر منها الخطر تحت مسمى الإرهاب".
ويضيف: "منذ بداية الدولة الإسلامية في عهد النبي كانت هناك امبراطوريات تحكم العالم مثل الفرس والروم، وفي العام الثامن للهجرة أرسل الرسول أحد رسله إلى منطقة في الشام تخضع للدولة الرومانية فما كان منهم إلا أن قتلوا السفير وبدأوا بإعداد العدوان على المسلمين، فخرج الرسول بجيش قوامه ثلاثة آلاف عنصر لغزوة مؤتة ولم تحدث خسائر قوية في طرف المسلمين وقتها".
ويتابع قائلاً: "في العام التاسع للهجرة، بدأ الروم التفكير في اسئصال العرب والنبي من الجزيرة العربية خوفاً من انتشار دعوتهم، فبلغ النبي من التجار بأنه يتم التجهيز من الروم لجيش قوامه 40 ألفاً للقضاء على المسلمين فجهز النبي جيش العسرة رغم الأزمات المالية آنذاك، وخرج الجيش إلى تبوك ولم يتم اللقاء مع الروم لأن جيشهم تفكك ولو أن الإسلام كان دموياً لكسح الروم وقتها بعدما تفككوا، إلا أن الرسول عاد بجيشه، ومن هنا علم المسلمون أن امبراطورية الروم ستظل عدوة لهم للأبد".
وبالنسبة للفتوحات في أوروبا وشمال أفريقيا، يتابع رشدي تبريره بالقول إنها "كانت محتلة من قبل الإمبراطورية الرومانية، فغيروا المذهب الديني المسيحي وفرضوا على أهل تلك البلاد ضرائب باهظة، وهذا يعني أنهم كانوا مستضعفين وفي حاجة لمن ينقذهم لا من يحتلهم".
الدليل، حسب الداعية الأزهري، على ذلك كان أن "طارق بن زياد وموسى بن نصير لما دخلا الأندلس كانا على رأس جيش قوامه 25 ألف جندي في بلد تعدادها 8 مليون"، متسائلاً: "كيف يسيطرون على هذه البلد بالسلاح رغم عددهم الضئيل؟"، ليجيب: "ما حدث أنه تم الترحيب بالمسلمين ومساعدتهم للقضاء على هذا الملك الظالم الذي اضطهد الجميع، ففتحت الأندلس ودخلوا الإسلام وبقوا عليه لثمانية قرون دون أن يجبرهم أحد".
ويواصل رشدي حديثه قائلاً: "العرب فتحوا مصر بشهادة القساوسة الموجودين وقتها ولم يهدموا كنيسة واحدة، ولم يستولوا على أموالهم الكنسية، كما فعل سيدنا عمرو بن العاص حين أعاد الكاهن المسيحي بنيامين الذي كان قد هرب 13 عاماً مما فعلته الإمبراطورية الرومانية معه وأمنه وأعاد الكنائس التي استولى عليها الرومان، علماً أن الضرائب كانت على المصريين 14 ضريبة في عهد روما بينما ألغاها المسلمون ولم يفرضوا إلا الجزية، وهي ضريبة مقابل الحماية".
ويلفت: "لم يثبت أن المسلمين أخذوا المصريات كسبايا، بينما دخل المصريون إلى دين الله أفواجاً دون إجبار من أحد، وإلا كيف يمكن لجيش قوامه خمسة آلاف جندي أن يجبر 10 ملايين مصري على دخول الدين؟"، خاتماً "أريد أن أقول أن تاريخنا مشرف ولكن أذناب الغرب هم من يحاولوا تشويهنا".
رصيف 22