نشر موقع «المونيتور» الأمريكي تقريرًا تناول فيه زيارة بابا الفاتيكان المرتقبة إلى العراق خلال الشهر القادم، مشيرًا إلى أن الزيارة البابوية إلى بلاد الرافدين ومهد الحضارات هي الزيارة الأولى له على الإطلاق وتنطوي على مهمتين رئيستين، وهما تسليط الضوء على أزمة تراجع أعداد المسيحيين في العراق، وتعزيز الحوار بين الأديان.
في البداية أشار التقرير إلى أن الفاتيكان أعلن في 8 فبراير (شباط) برنامج زيارة البابا فرانسيس المقررة إلى العراق في شهر مارس (أذار). ويكشف الجدول الزمني للبرنامج الحافل بالأحداث والاجتماعات مع شخصيات دينية وسياسية في جميع أنحاء البلاد عن رحلة تُركز على مهمَّتين أساسيَّتين: تسليط الضوء على أزمة تراجع أعداد المسيحيين في العراق وتعزيز الحوار بين الأديان.
زيارة محفوفة بالمخاطر
وأوضح التقرير أن زيارة البابا فرانسيس إلى العراق المقررة من 5 إلى 8 مارس القادم ستكون بمثابة أول رحلة خارجية يقوم بها البابا فرانسيس منذ 16 شهرًا بسبب جائحة فيروس كورونا. وتتزامن لحظة هبوط طائرته في مطار بغداد الدولي مع ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد في البلاد وتنامي نفوذ الجماعات المسلحة، بالإضافة إلى تنفيذ تفجيرين في بغداد أعلن «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)» مسؤوليته عنهما. وقد أعلن بابا الكنيسة الكاثوليكية عن زيارته المرتقبة قائلًا: «لقد حان الوقت لزيارة بعض أقدم المجتمعات المسيحية في العالم».
وخاطب البابا فرانسيس سفراء الكرسي الرسولي، الذين يمثلون حكومة الكنيسة الكاثوليكية، يوم الاثنين8 فبراير قائلًا: «في زماننا هذا، يُمثِّل الحوار بين الأديان عنصرًا مهمًا في التلاقي بين الشعوب والثقافات. ويمكن أن يصبح الحوار بين الأديان فرصة للقادة الدينيين وأتباع الطوائف المختلفة، وذلك عندما لا يُنظَر إليه من منظور المساومة على الهوية، ولكن باعتباره فرصة للتفاهم والإثراء المتبادلين، إلى جانب أن الحوار بين الأديان يمكن أن يدعم الجهود التي تتحلَّى بالمسؤولية من جانب الزعماء السياسيين من أجل تعزيز الصالح العام».
وبحسب التقرير كان البابا فرانسيس قد أعلن قبل عامين عن عزْمِه زيارة العراق بحلول عام 2020، إلا أن تفشي فيروس كورونا حال دون تنفيذ خطته. لذلك، عندما أعلن بابا الفاتيكان مرةً أخرى في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي أنه سيزور العراق في عام 2021، شكَّكت بعض الجماعات والمنظمات في بادئ الأمر في إمكانية تنظيم زيارة البابا إلى العراق، خاصة مع استمرار انتشار الجائحة في البلاد، فضلًا عن مواجهة الدولة أزمات أمنية صارخة. وقد أعلنت وزارة الصحة العراقية يوم السبت عن 1660 حالة إصابة جديدة بفيروس كورونا.
فرصة سانحة
بيد أن بابا الفاتيكان يعتقد أن هناك ثمة فرصة سانحة، في الوقت الراهن، للمضي قدمًا في رحلته إلى العراق. وأظهرت التقارير الأمنية بشأن أنشطة الميليشيات المسلَّحة ومذكرات الاعتقال، التي صدرت مؤخرًا بحق أفراد الجماعات المسلَّحة التي تعمل خارج سيطرة الحكومة، علامات تقدم طفيفة بشأن كبح نفوذ هذه الجماعات.
وألمح التقرير إلى أن العراق سيتسلَّم في هذا الشهر الآلاف من جرعات لقاح فايزر/بيونتك، بالإضافة آلافٍ من جرعات لقاح سينوفاك الصيني. وقد حصل البابا فرانسيس على التطعيم ضد فيروس كورونا في يناير (كانون الثاني). وصرح الكاردينال بيترو بارولين كبير مساعدي البابا ووزير خارجية الفاتيكان، قائلًا: «إن البابا حريص على القيام بالرحلة. وستكون هذه الزيارة البابوية الأولى على الإطلاق إلى العراق».
اللامبالاة القاتلة
وأفاد التقرير أنه من المقرر أن يصل البابا فرنسيس إلى بغداد في 5 مارس قبل أن يسافر إلى النجف، والناصرية، وأربيل، والموصل لمقابلة الرئيس العراقي برهم صالح وآية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني في النجف، بالإضافة إلى لقاءٍ بالأساقِفة والكهنة المحليين. وسيقيم البابا قدَّاسًا في كاتدرائية مار يوسف الكلدانية في بغداد.
ولفت التقرير إلى أن أعداد المسيحيين في العراق تراجعت، منذ غزو الولايات المتحدة للبلاد في عام 2003، من حوالي 1.5 مليون مسيحي إلى أقل من 400 ألف مسيحي. وقد أدان البابا فرانسيس سابقًا ما وصفه بـ«اللامبالاة القاتلة» تجاه أوضاع المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط. إذ قال في يوليو (تموز) 2018: «اللامبالاة تقتل، ونحن نرغب في رفع أصواتنا للتصدي لهذه اللامبالاة القاتلة. وفي الوقت الذي يبكي فيه الشرق الأوسط حاليًا، ويُعاني، ولا يستطيع التعبير عن معاناته، يواصل آخرون إهانة هذه الأراضي سعيًا وراء القوة أو الثروات».
وفي هذا الصدد، حثَّ رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، خلال اللقاء الذي جمعه بالبطريرك الكلداني الكاثوليكي في أغسطس (آب) الماضي، المسيحيين العراقيين على العودة إلى بلادهم. إذ قال الكاظمي: إن «العراق بلد للجميع والمسيحيون أبناء أصليون لهذا البلد. ونحن جادُّون في تقديم المساعدة للعائلات المسيحية وحل مشكلاتهم. كما يُسعدنا عودة المسيحيين إلى العراق وإسهامهم في إعادة إعماره. إن العراقيين من جميع الطوائف يتوقون إلى عراقٍ جديدٍ يُؤمن بالسلام، وينبذ العنف».
المسيحيون في العراق.. شكوك ومعاناة
ومع ذلك لم يزل المسيحيون، الذين بقوا في العراق، يُواجهون تهديدات الجماعات المسلَّحة ويشتكون من عدم اتخاذ حكومتي بغداد وكردستان العراق في أربيل أي تدابير وقائية لحمايتهم. وقد انتقد عديدٌ من المسيحيين في العراق تصريحات الكاظمي ووصفوها بأنها غير واقعية وطالبوا الحكومة الفيدرالية بالعمل أولًا على كبح جماح الميليشيات المسلَّحة التي تواصل تهديد سلامتهم.
دولي منذ سنة واحدة جنود البابا.. الوجه العسكري للفاتيكان الذي قد لا تعرفه وفي الختام استشهد التقرير بما قالته سوزان يونان، وهي من الأقلية الآشورية في أربيل العراق، لموقع المونيتور: «نحن لا نثق كثيرًا في قدرة البشمركة الكردية، أو قوات الأمن العراقية في الحفاظ على سلامة هذه المجتمعات وأمنها»، مضيفةً: «عندما تشهد المجتمعات الضعيفة سرقة تاريخها وتدميره وبيعه في مواطنها الأصلية، فإن الخوف يزداد ازديادًا هائلًا».
من جانب آخر أعرب البطريرك الكاردينال لويس رافائيل الأول ساكو، عن دعم الكنيسة لمساعي رئيس الوزراء العراقي «نحو تحقيق الأمن والاستقرار»، موضحًا أن «المسيحيين فخورون بهويتهم العراقية، ويشعرون بمزيد من الاطمئنان من خلال تعامل الحكومة مع هذه المسألة».