لماذا يخافون نوال السعداوي؟ - Articles
Latest Articles

لماذا يخافون نوال السعداوي؟

لماذا يخافون نوال السعداوي؟

جويس كرم:

 

وفاة الكاتبة والناشطة والمثقفة المصرية، نوال السعداوي، وقعها على العالم العربي هو أشد مما يبدو في الظاهر، ليس بسبب عمر السعداوي أو وضعها الصحي، بل لأن رحيلها يفضح الإفلاس الثقافي والفراغ الفكري العميق الذي تعيشه المنطقة أمام صعود أصحاب الميليشيات الدينية وأبواق التسلط.

السعداوي كانت الصوت الأخير، والأعلى، في مواجهة محرمات فرضها مثلث الدين والذكورية والسلطة. بعد صادق جلال العظم، وكامل مروة وهدى الشعراوي، ترحل نوال السعداوي تاركة وراءها مجتمعات تحت رحمة هذا المثلث، وفي عمق تفتت سياسي وثقافي وتبعية لأصحاب السلاح المستبدين فوق أنقاض الدولة المركزية.

ليس من الضرورة أن تتفق مع نوال السعداوي لتقدر إرثها الثقافي ونضالها السياسي والاجتماعي، وهي كانت أكثر ممن رحبوا بانتقادها. "مدح مؤلفاتي لا يعني لي شيئا، انتقدوني" هكذا قالت في محاضرة في لندن في ٢٠١٧. شجاعتها الفكرية كانت بانتقاد الأزهر ومصر والسعودية وإيران في آن واحد، ما يضعها في مرتبة استثنائية بين مفكري ما بعد مرحلة ١٩٤٨.

الاضمحلال الفكري في العالم العربي سردته وعاصرته السعداوي بعد أن رماها أنور السادات في السجن، وأسكتها حسني مبارك، ومنع مؤلفاتها الأزهر. فبعد منع "سقوط الإمام" و"الرواية"، ظن أصحاب العمامات أنهم يحتكرون الكلمة إلى أن يخيبهم الظن بأن هذه الكتب وأكثر من ٣٠ غيرها تم نشرها في دول ومواقع أخرى.

هذه مشكلة الرقابة والتسلط بأنها لا تنبع من ذكاء علمي أو تسويقي. فمنع أي مؤلف أو كتاب سيزيده شهرة قبل أن ينتشر في دول أخرى أو عبر الإنترنت أو بوسائل إلكترونية مشفرة.

رفض السعداوي ارتداء الحجاب في خضم صعود الإسلاميين، بعد هزيمة ١٩٦٧، وبعد الثورة الإيرانية وحادثة الحرم المكي، في ١٩٧٩، يعبر عن صلابة في الرأي تغيب عن عالمنا العربي اليوم.

أحد أقوالها الذي أغضب المتزمتين دينيا أن "الحجاب ضد الأخلاق، لأني لو أنا أردت أن أظهر بمظهر الشريفة، سأشتري حجابا بخمسين قرش أو بخمسين جنيه، وأشتري الجنة بهذا المبلغ، وأنا أريد أن أدخل الجنة بأخلاقي وسلوكي، وليس بقماش على رأسي". هذا هو دور المثقف في أي مجتمع سواء كان شرقيا أم غربيا، بأن يخرج بأفكار ومواقف جريئة وغير مقيدة، وليس لمجاراة هذه السلطة أو تلك الزعامة.

أفكار السعداوي كانت واضحة وصريحة، سواء ارتبطت برفض الفكر الاستعماري أو ختان النساء أو رجال الدين. "جريمتي الكبرى أنني امرأة حرة في زمن لا يريدون فيه إلا الجواري والعبيد، ولدت بعقل يفكر في زمن يحاولون فيه إلغاء العقل"، كانت أحد آخر أقوال السعداوي وهي كلمات لن يفهمها من حاول كتم صوتها.

فلماذا الخوف من الكلمة؟ لماذا الاغتيالات والسجن لمفكرين وناشطين من بغداد وحتى الرباط؟ هل يخاف أرباب الميليشيات مثل أبو محمد الجولاني أو قيس الخزعلي من سماع رأي آخر؟ أو هل هم بهذا الضعف كي تنكسر قوتهم وكلمتهم أمام الرأي المعارض؟

رحيل نوال السعداوي يجسد حالة الفراغ وأزمة العالم العربي منذ ١٩٦٧، ومسيرة تفتت البيئة الثقافية والعمق التحرري سياسيا واجتماعيا منذ ذلك الحين واستبداله اليوم بزعماء الميليشيات والسلاح المهرب الذي يستقوي أمام "العدو" ويخاف العقل الحر. نوال السعداوي لم تخافهم بل أخافتهم، ورحيلها الجسدي لن يغير شيئا من ذلك.

الحرة

Related

Share

Rating

0 ( 0 reviews)

Post a Comment

Category
Author
More Options
  • Recent
  • Popular
  • Tag
Tags