منصور الحاج:
نظم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يتخذ من العاصمة القطرية الدوحة مقرا له في 11 فبراير الماضي مؤتمرا بعنوان "موقف الأمة الإسلامية من الديانة الإبراهيمية"، عارض المتحدثون فيه بشدة مبادرات السلام والتسامح التي ترتكز على المشتركات بين أتباع الديانات الإبراهيمية الثلاث، واعتبروها دعوة لتأسيس ديانة جديدة بهدف الترويج للتطبيع مع دولة إسرائيل.
وبحسب نص البيان الختامي للمؤتمر، فقد اعتبر المؤتمرون "فكرة الدين الإبراهيمي" الذي "يقوم على المشترك بين عقيدة الإسلام وغيره من العقائد فكرة باطلة"، وأن "الزعم بأن إبراهيم عليه السلام على دين جامع للإسلام واليهودية والنصرانية- زعم باطل، ومعتقد فاسد".
من جانبه، لم يتأخر تنظيم "داعش" في إعلان موقفه الرافض للسلام والتسامح مع اليهود والمسيحيين، وأورد حجج وعبارات مماثلة لتلك التي ساقها دعاة الكراهية في بيانهم حيث ادعى بأن النبي إبراهيم كان يدين بالإسلام، ونفى أن تكون له أي علاقة باليهودية أو المسيحية اللتان اعتبرهما التنظيم "أديان باطلة".
بل وزاد التنظيم على دعاة الكراهية بأن ادعى بأن هدف بابا الفاتيكان من زيارته لمدينة "أور" العراقية التي يُعتقد بأنها مسقط رأس النبي إبراهيم كان "للدعوة" إلى "الديانة الإبراهيمية"، التي وصفها التنظيم بأنها "ديانة الكفر والإلحاد الجديدة" بحسب افتتاحية العدد (277) لصحيفته الأسبوعية "النبأ"، الصادر في الحادي عشر من شهر مارس الجاري.
إن توافق موقف دعاة الكراهية مع الجهاديين ضد التسامح وتحالفهم ضد السلام مع اليهود والمسيحيين لم يحدث صدفة، لأن المشتركات بينهم أكبر من الاختلافات ومن المعروف أن أتباع الفريقين يسلكون نفس المنهج ويدّعون احتكار الحقيقة المطلقة فيما يتعلق بتفسير النصوص المقدسة الإسلامية، ويعتقدون بأنهم يملكون توكيلا حصريا في تمثيل المسلمين وكأن رب الإسلام قد أعطاهم صك شرعي لتأويل كلماته والحديث باسمه.
والحقيقة هي ألا فرق بين الجهاديين ودعاة الكراهية، فهم وجهان لعملة واحدة. فدعاة الكراهية هم من يؤصلون إرهاب الجهاديين ويقدمون لهم المبررات الدينية لاستهداف المدنيين وسبي النساء وتجنيد الأطفال وقتل كل من يخالفهم في الرأي أو المعتقد، والجهاديون هم من يطبقون فتاوى دعاة الكراهية على أرض الواقع.
والعجيب في الأمر، أن ادعاءهم وجود دين جديد يسمى "الديانة الإبراهيمية" ادعاء باطل لا وجود له إلا في مخيلاتهم المريضة التي رأت في تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة "البيت الإبراهيمي" الذي يحتوي مسجدا وكنيسة ومعبدا تهديدا وجوديا لأيدولوجيتهم المتشددة.
إن صراخ الجهاديين ودعاة الكراهية الذي ملأوا به مواقع التواصل الاجتماعي لدليل واضح على أن بضاعتهم على وشك الكساد، وعلى أنهم لا يريدون السلام والاستقرار لمجتمعاتهم التي تعاني من ويلات الحروب أكثر من غيرهم من الشعوب بسبب تمسكهم بالترويج للتعصب والكراهية والإقصاء على حساب السلام والتسامح والتعايش السلمي بين بني البشر واحترام حرية الاعتقاد وحق كل إنسان في اعتناق ما يشاء من أديان والانتماء لأي طائفة أو مذهب.
ولو افترضنا جدلا وجود دين جديد يجمع بين الإسلام والمسيحية واليهودية، فما الضير في ذلك؟ بل على العكس فإنها لفكرة إيجابية تستحق أن يحتفى بها والترويج لها، لأنها تسعى لنشر السلام والتسامح والتعايش السلمي في العالم وتهدف إلى القضاء على التطرف الديني.
لو كانت "الديانة الإبراهيمية" دينا، فإن من الأولى لأتباع الديانات الثلاث اعتناقها ليس فقط لكونها تؤسس لمستقبل أفضل لبني البشر على كوكب الأرض وهو أمر يسعى له العقلاء من جميع الأديان بل أيضا لسبب براغماتي قد يستفيد منه حتى من يحرصون على النجاة في الآخرة، وهو أن معتنق الديانة الإبراهيمية يؤمن برب الإسلام ورب اليهودية ورب المسيحية وبالتالي فإنه يرفع حظوظه في الخلود في النعيم إلى ثلاث مرات مقارنة بمن يؤمنون فقط بدين واحد فهم يراهنون على فرصة واحدة فقط للنجاة.
من يعلم، ربما لهذا السبب يرفض الجهاديون ودعاة الكراهية فكرة "الديانة الإبراهيمية" ويبالغون في التخويف منها والتحريض ضدها.