مأزق الخطاب لإسلامي المشرق(1) - Articles
Latest Articles

مأزق الخطاب لإسلامي المشرق(1)

مأزق الخطاب لإسلامي المشرق(1)

أحمد بورزان:

 

مع مرور العقد الأوّل على ثورات الربيع العربي، يجدر بنا تقييم أحد أهم التيارات، والذي لعب دوراً كبيراً في مآلاته، وهو التيار الإسلامي، وخصوصاً تياري السلفية الجهادية والإسلام السياسي. وإذا أردنا تقييم الحركات الإسلامية منذ صعودها في أواخر سبعينيات القرن الماضي، فإننا نجد تمايزاً في مواقفها من قيم الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان.

بعض تيارات الإسلام السياسي كحزبي العدالة والتنمية التركي والمغربي والنهضة التونسية، وكذلك بعض المفكرين الإسلاميين كراشد الغنوشي  وعبد الوهاب المسيري تقاربوا مع قيم الحداثة السياسية من مواطنة وإقرار بالمرجعية الشعبية للحكم والقانون، فأقرّوا بوجوب وجود مسافة بين مؤسسات الدولة والانتماءات الدينية.

في حين ما زالت معظم تيارات الأصوليين في مصر والبلدان العربية الشرقية من إسلام سياسي وسلفية جهادية -تيارات ما سنصطلح على تسميته بإسلاميي المشرق- بعيدة عن هذا المستوى من النضوج الفكري والسياسي مع جلب نتائج كارثية لبلادهم. فكانوا شركاء الأنظمة الاستبدادية في إجهاض الربيع العربي كما ساهموا في مد عمر أنظمة استهلكت أي شرعية لها منذ أواخر السبعينيات.

توظيف الأصولية

بعد التحرر من الاستعمار، خاضت دول العالم الثالث محاولات عدّة للتحديث مع تفاوت في مستوى النجاح في هذه المحاولات. إذا أخذنا معياراً مركّباً يتضمّن النجاح في بناء مؤسسات الدولة الحديثة التمثيلية والبيروقراطية ومستوى الحريات والمؤشرات التنموية، تأتي النظم العربية إجمالاً في ذيل قائمة هذه الدول من حيث نتائج تجارب التحديث. يتجلّى هذا التعثر في الدول الفاشلة كسوريا ولبنان والعراق واليمن وليبيا. ولئن فشلت النظم العربية في مهمّة التحديث، قفد كانت تيارات الأصولية الإسلامية من أعراض هذا الفشل ومدعاة لترسيخه.

وقد وُظّفت التيارات الأصولية من قبل ذوي الطموحات الاستبدادية والتوسعية في المنطقة لخدمة أغراضهم أيما توظيف. وعلى سبيل المثال لا الحصر، معلوم كيف سهّل مناخ هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر على إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش احتلال العراق بعد أفغانستان، وكيف استثمرت إيران في تنظيم القاعدة وآوت قياداتها وعائلاتهم كسيف العدل وأبي محمّد المصري، الرجل الثاني في القاعدة الذي اغتيل مؤخراً في طهران. وكذلك تمّ استغلال تصدّر داعش للمعارضة السنّية في العراق من قبل إيران والمليشيات المذهبية الموالية لها لقمع معارضة عموم العراقيين للفساد والحكم الطائفي.

ومعلوم كيف أطلق بشار الأسد في الأشهر الأولى من الثورة مَن سيكونوا قادة في الفصائل الإسلامية السلفية المسلّحة، كزهران علوش وحسان عبود، في استراتجية طالما وظّفتها الأنظمة العربية في تقديم نفسها كبديل أقل سوءاً لمشاريع الأصوليين الإقصائية داخلياً والتصادمية عالمياً. ولا بدّ أنه كان للحضور القوي لهذه الفصائل في الثورة السورية مساهمته في ثني الولايات المتحدة عن تكرار ما فعلته مع معمر القذّافي في ليبيا. فمَن يريد تحمّل مسؤولية أكلاف خطر قيام حرب أهلية أو قيام نظام استئصالي أصولي نرى ملامحه في جيوب تحكمها جبهة النصرة وغيرها من التنظيمات الجهادية؟

كذلك أُجهضت التجربة الديمقراطية المصرية بعدما أوهم الجيش الإخوان بالشراكة معهم ضدّ تظاهرات المحتجين على حكمهم، ما أدّى إلى تعنّت انتهازي من قبل الإخوان منعهم من الاستجابة إلى الدعوة لانتخابات مبكرة والذي كانت دستورياً المخرج الوحيد من الأزمة بعد حل القضاء للبرلمان.

أخيراً، ما نشهده في أوروبا من استثمار يميني سياسي في مظاهر الأصولية الإسلامية العنفية والقمعية ليس بعيداً عن هذا المنحى الكارثي الذي أدخلتنا به التيارات الأصولية.

رؤية مشوّهة للتاريخ

مع أن النموذج الديمقراطي الليبرالي كالذي تبنته تونس في دستورها لا يخلو من الصعوبات ولا يوفّر بمفرده حلّاً لمسائل الاقتصاد والعدالة الاجتماعية كما نشهد عالمياً، فإن هذه الصعوبات لا تقارَن بالمآزق التي تزجّ بها الرؤية الأيديولوجية للتيارات الأصولية المشرقية دول المنطقة، بعيداً عن قضايا الحرية والعدالة ورفع مستويات المعيشة. فهذه الرؤية لا ينبثق منها إلا ثلاثة سيناريوهات: إما الحرب الأهليّة، أو دولة شاسعة الشمولية والإقصاء، أو التورط في حروب عبثية مكلفة مع القوى العالمية.

وكما هو حال كل الحركات الإحيائية القائمة على الصفاء العرقي أو الأيديولوجي من أصوليّات هندوسية وبلقانية وآرية، يستند الخطاب الأصولي الإسلامي إلى رؤية مشوهة للتاريخ. من أهم أطروحاته ادّعاء وجود نظام سياسي واقتصادي واضح المعالم منبثق عن الشريعة الإسلامية تم تطبيقه تاريخياً وصلاحية هذا النموذج لزمننا الحالي، بل وتفسير الانحدار الحضاري للمنطقة بالبعد عنه، والدعوة إلى إحلاله مكان التشريعات الوضعية، بالإضافة إلى نظرة اختزالية غير واقعية لطبيعة المجتماعات التعدّدية في أديانها وفهمها للدين وموقفها من الحركات الإسلامية.

أضف إلى ذلك الوصائية وادّعاء تمثيل ما تريده الشعوب، مع أن الإسلاميين لم يحوزوا في كثير من الانتخابات البرلمانية التي خاضتها أحزاب إسلامية على ما يتجاوز الـ50 في المئة من مجموع الأصوات، وهذا ينطبق على أنجح أحزابهم كحزب العدالة والتنمية التركي وغيره كحزب الرفاه التركي وحركة النهضة التونسية.

مع أنّ شعبية طروحات الأصوليين ليست بالقدر الذي يتخيلونه إلا أنها ما زالت معتبَرة، وقد جاءت بعد توسّع في كم التعليم دون نوعيته، ومع إهمال العلوم الإنسانية والاجتماعية في أغلب أنظمة التعليم العربية، ما ولّد جموعاً من الجامعيين الأكفاء مهنياً دون تحلّيهم بزاد معرفيّ وفكري كافٍ يحصّنهم من الوقوع تحت تأثير خطاب أصولي بدائي في تصوراته السياسية، وقيادتهم تنظيماته الحركية في بلادهم.

أهدف من هذه السلسلة إلى توضيح التشوّه الفكري والمعرفي لبعض ادّعاءات الأصوليين في ضوء خطابهم، وما وصلنا من التاريخ الإسلامي وحاضر المنطقة، وذلك بعد سرد ملاحظات عن ظاهرة توسّع التيارات الأصولية من سبعينيات القرن الماضي في ضوء صعودها مع غيرها من ضروب الأصوليات في مختلف بقاع العالم.

وفّر فشل مشاريع التحديث وانتشار الجهل المقنّع بيئة خصبة لخطاب التيارات الأصولية، وما برحت الأنظمة الاستبدادية في المنطقة تستعير من ذلك الخطاب لتمارس القمع السياسي والاجتماعي والثقافي تحت ستار نصرة الدين. وهكذا فإنّ عواقب الخطاب الأصولي الكارثية على المنطقة والعالم من إرهاب وحروب وتبرير لاستمرار نظم استبدادية رديئة يشير حتماً إلى أننا لا نملك رفاهية تجاهل مواجهة هذا الخطاب.

رصيف 22

Related

Share

Rating

0 ( 0 reviews)

Post a Comment

Category
Author
More Options
  • Recent
  • Popular
  • Tag
Tags