هاني عمارة:
تذكر المصادر الإسلامية أنه عندما شرعت الصلاة في المدينة، دار نقاش بين النبي محمد وأصحابه عن طريقة الإعلان عن الصلاة. اقترح بعضهم استخدام الناقوس، ورأى آخرون استخدام البوق.
لكن النبي كره ذلك لاختصاصهما بغير المسلمين، حتى جاء صحابي ليخبر النبي عن رؤيا منامية رأي فيها الأذان بصورته المعهودة الآن، فأقره النبي. ومن هنا جاء تشريع الأذان.
يروي أحمد، عن محمد الزهري، عم سعيد بن المسيب، عن عبد الله بن زيد، قال: (لَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَضْرِبَ بِالنَّاقُوسِ وَهُوَ لَهُ كَارِهٌ؛ لِمُوَافَقَتِهِ النَّصَارَى، طَافَ بِي مِن اللَّيْلِ طَائِفٌ وَأَنَا نَائِمٌ: رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ، وَفِي يَدِهِ نَاقُوسٌ يَحْمِلُهُ. قَالَ: فَقُلْتُ: يَا عَبْدَاللَّهِ، أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّك عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْت: بَلَى، فقَالَ:”وذكر صيغة الأذان”. : ثُمَّ اسْتَأْخَرَ غَيْرَ بَعِيدٍ وقَالَ: ثُمَّ تَقُولُ إذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ: “ثم ذكر صيغة الإقامة.
فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ، فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَا حَقٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِالتَّأْذِينِ”.
قال سعيد المسيب: “فَأُدْخِلَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي التَّأْذِينِ إلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ”.
الأذان في مساجد السعودية
في العصر الحديث، ظهرت مكبرات الصوت “الميكروفون” دون رفض باعتباره بدعة، لا سيما لأننا تعودنا أن أي إدخال للتكنولوجيا الديثة في الشعائر الدينية تقابل بالتحريم أولًا قبل إقرارها، مثلما حدث في طباعة المصاحف، وصنبور المياه في المساجد، وهكذا. والأمر أخص في الأذان باعتباره شعيرة مقدسة عادة ما يتم التشديد في الحفاظ على الهيئة والطريقة التي تؤدى بها.
لم أتبين بالتحديد متى بدأ استخدام مكبرات الصوت في المساجد، غير أنني وجدت خلافات قديمة تتعلق باستخدامه في الأذان وإقامة الصلاة والدعاء بعدها، خصوصًا بين شيوخ السلفية.
من هنا، لم يكن قرار وزارة الشؤون الاسلامية السعودية بقصر استخدام مكبرات الصوت الخارجية للمساجد على الأذان والإقامة فقط غريبًا، حيث أنه مطبق في الجارة الإمارات منذ 2009 بقصر مكبر الصوت على الأذان فقط، كما أنه شبه معمول به في السعودية منذ فترة، والتغيير الجديد يقتصر على تحديد درجة تكبير الصوت بثلث درجة المكبر ليصل لمحيط المسجد دون أن يشكل إزعاجًا.
والقرار يستند لفتاوى سعودية وسلفية قديمة تنسب لابن باز وابن عثيمين بل ان الالباني كان لا يرى جواز استخدام المكبر في الاقامة باعتبارها قاصرة على من في المسجد.
جدل ديني سابق
الجدل حول استخدام مكبرات الصوت في المساجد ليس جديدًا.
مفتي السعودية محمد بن صالح العثيمين أفتى بأن نقل الصلاة وغيرها عبر مكبرات الصوت “فيه تشويش على الناس في بيوتهم، وشل لأذكارهم وتسبيحاتهم الخاصة، وربما يكون فيه إزعاج لبعض النوّم والمرضى الذين لم يجدوا راحة إلا في ذلك الوقت، وأنه أيضاً أذى للمساجد الأخرى التي بجوار هذا الصوت وتشويش عليهم”.
كذلك، صدرت فتوى رسمية بتوقيع الشيخ عبد العزيز بن باز بقصر مكبرات الصوت الخارجية على الأذان والإقامة دون الصلاة والخطب وغيرها من أمور المسجد، قبل أن يحدث تراجع بعد مراسلات من شيوخ قالوا إن إقامة الصلاة وقراءة القرآن في مكبرات الصوت تشجع الناس في البيوت على حضور الصلاة.
وعلى ذلك، يعتبر قرار مكبرات الصوت في السعودية “عودة إلى الأصل”، كما ذكر الشيخ عبد الله السليماني في رسالته المتعلقة بأنه “أدرك الناس والعمل في الديار النجدية على اقتصار مكبرات الصوت على الأذان والإقامة فقط.
وبمراجعة ردود الأفعال، نجد تقبلًا داخل السعودية لقرار مكبرات الصوت من التيارين المحافظ والليبرالي على سواء. بينما تتباين ردود الأفعال خارجيًا عن القرار والبحث عن تفسيرات لما وراءه، وارتباطه بمشروع ولي العهد محمد بن سلمان لتحديث المملكة وتجديد الخطاب الديني.
ماذا عن مصر؟
عكس السعودية والإمارات، يواجه تقليص استخدام مكبرات الصوت في المساجد صعوبات في مصر؛ رغم كونها الأحق؛ فالحال في دول الخليج لم يكن بالسوء الموجود في مصر فيما يخص تداخل أصوات المساجد المبنية أسفل العقارات السكنية المتجاورة،
وكذلك ارتفاع جودة ونقاء مكبرات الصوت في مساجد الخليج عن مثيلاتها في مصر،
بخلاف القصر “الطبيعي” للمكبرات على الصلوات فقط عكس مساجد مصر التي تتوسع في استخدامها في أية فرصة.
الجدل في مصر حول مكبرات الصوت في المساجد قديم. حتى أن الشيخ محمد متولي الشعراوي أصدر تعميمًا بمنع إذاعة قرآن الفجر في مكبرات الصوت لما تسببه من إزعاج. كما وصفها بـ “غوغائية تدين” وقال إنها “باطلة شرعًا”.
معتبرًا أن بعضهم يخرج ليهبهب “صوت الكلب” وقت الفجر ليزعج المرضى والنيام.
حينها، شنت الصحف والمجلات المرتبطة بالجماعات الإسلامية حملة شعواء على الشعراوي.
نفس المشهد تكرر حين قالت الفنانة المصرية شيرين رضا إن مكبرات الصوت في المساجد مزعجة للناس، ليستغلها إعلام الإسلام السياسي كمعركة ضد الدين.
لماذا أخفقت مصر في حل المشكلة؟
بعد تعميم الشعراوي، أصدرت وزارة الأوقاف المصرية في نهاية التسعينيات وبدايات الألفية تعميمات في عدة مناسبات بمنع استخدام مكبرات الصوت في المساجد في غير الأذان والاقامة وخطبة الجمعة. لكنها دائمًا ما قوبلت بعدم التزام من أئمة المساجد والقائمين عليها، أو حتى التزام مؤقت يعقبه عودة الأمور لما كانت عليه.. ولهذا أسباب:
1 – عشوائيات المساجد: عدم سيطرة الدولة ممثلة في وزارة الأوقاف على المساجد بشكل كامل؛ بسبب ظاهرة عشوائيات المساجد ووجودها أسفل العمارات، وغياب قانون ينظم بناء المساجد وفقًا للكثافة السكانية.
2 – المزايدات الدينية: استغلال تيارات الإسلام السياسي للعاطفة الدينية في مواجهة أي قرار مماثل، اعتمادًا على ثقافة التدين الشعبي التي تختلف عن دين المؤسسة الرسمية.
3 – عدم جدية المتضررين في اتخاذ الإجراءات القانونية لمنع أي تجاوز خوفًا من اتهامهم في دينهم. ومنه يفهم كذلك تحرج غير المسلمين من إثارة القضية.
4 – استخدام المسجد لأغراض اجتماعية أخرى كدار مناسبات وإذاعة محلية للقرية أو المدينة.
موقع دقائق