كريمة كمال
هل المشكلة فى القانون؟ هذا هو السؤال الذى يحتم علينا أن نبحث له عن إجابة، فما جرى خلال هذا الأسبوع المنقضى يجعل من المهم جدا الإجابة عن هذا التساؤل.
قام مسلمو قرية المهدات، العديسات، بالتظاهر من أجل تسليم طفلة مسيحية، لأن شابا مسلما قرر الحصول عليها.. وادعى هؤلاء المتظاهرون أن الفتاة قد أسلمت وأن أهلها قد أخفوها، ولذلك وبما أنها مسلمة فمن حق هؤلاء الذين تظاهروا للمطالبة بها أن يتم تسليمها إليهم ولم يتحدث أحد عن أن هذه الفتاة أقل من سن الرشد أى أنها غير مسؤولة عن أفعالها حتى لو كان ما يدعونه صحيحا لأنها فى هذه الحالة لا يمكن أن تكون قد أسلمت حتى لو أرادت أو أن الأزهر يقبل أن يجرى إجراءات إشهار إسلامها، طالما كانت أقل من السن التى تكون فيها مسؤولة عن أفعالها.. هل ذهبت الفتاة لإشهار إسلامها؟ أو هل قبل الأزهر؟ لم يجب أحد عن كل هذه الأسئلة يكفى الادعاء بأنها أسلمت ليصبح خطفها من أهلها حق وهى ليست الحالة الأولى ولن تكون الأخيرة، طالما أن إنفاذ القانون قد تراجع وإجراءات إشهار الإسلام قد تم تقليصها فلم تعد الكنيسة، طرفا فى المعادلة يتم إعلامها لتتدخل بالنصح للتأكد أن الرغبة فى إشهار الإسلام رغبة حقيقية ما بالك بإخطار الأهل؟، فما يتم هو خطف الطفلة وإخفاؤها لو كانت أقل من السن لحين بلوغها السن وإجراء الإجراءات، وفى هذه الحالة تتراجع الأجهزة الأمنية عن التدخل باستعادة الطفلة وإرجاعها لأهلها لانحيازها بشكل دينى لمن اختطفها.. هذا هو الواقع بلا أى رتوش تخفى الحقيقة فهل المشكلة فى القانون أم أن المشكلة فيمن ينفذه وكيف ينفذه؟.. سيقال إنه هذه المرة تم القبض على عدد من هؤلاء المطالبين بالفتاة وإخضاعهم للتحقيق، والسؤال هنا هل تم تطبيق القانون إحقاقا لحق الفتاة وأسرتها أم خوفا من تطور الأمر لأزمة طائفية شديدة تلقى بظلالها على الواقع السياسى فى وقت يستعد فيه رئيس الجمهورية للسفر للولايات المتحدة الأمريكية حيث توجد جالية قبطية كبيرة؟
القانون يطبق فى كل الحالات، وليس فى بعض الحالات لدواعٍ سياسية ولو كان القانون راسخا ويطبق فى كل الحالات لما تجرأ هؤلاء على التظاهر للمطالبة بتسليم طفلة من حضن أهلها.. لكن عدم تطبيق القانون فى كل الحالات السابقة التى جرى فيها خطف الفتيات، جعل هؤلاء يتصرفون بصفتهم أصحاب حق لأنهم مسلمون والفتاة وأهلها مسيحيون لا يملكون حقا فى مواجهتهم وإلا هل لو تم خطف طفلة مسلمة من أهلها دون الرجوع لهم لتزويجها من مسلم حتى لو كانت قد تخطت السن أمر مقبول فى صعيد مصر؟ فما بالك بطفلة وليس فقط تزويجها بل تغيير دينها.. القانون غاب منذ سنوات طويلة والاحتكام للنعرة الدينية التى يخضع لها الجميع حتى هؤلاء الذين منوط بهم تنفيذ القانون.
فى نفس هذا الأسبوع تقدمت «مصريون ضد التمييز الدينى» بإخطار لإجراء وقفة للتضامن مع مسيحيى العريش المهجرين، وكالعادة رفضت الشرطة تسلم الإخطار فتم تسليمه عن طريق محضر، وفى اليوم المحدد وقف عدد من أعضاء المجموعة يرفعون لافتات التأييد ليجدوا قوات الأمن وقد انتشرت بشكل رهيب فى محيط ميدان سفنكس، مكان الوقفة، حيث أرهبت المواطنين المتوجهين للوقفة وحاصرت المشاركين فيها مدعية عدم تسلم الإخطار رغم إظهار المشاركين لصورة الإخطار المسلّم بالفعل، كما قامت باحتجاز شاب من المشاركين للضغط من أجل فض الوقفة وتم إخلاء سبيله بعد مفاوضات مع المشاركين.. لذا عندما يوافق البرلمان على تعديلات قانون التظاهر بحيث تتضمن تعديل المادة العاشرة من القانون، ليصبح التعامل من خلال تقدم وزير الداخلية أو مدير الأمن بطلب لقاضى الأمور الوقتية لإلغاء أو إرجاء الوقفة أو نقلها إلى مكان آخر، ويكون لذوى الشأن التظلم من القرار، فهل سيطبق هذا التعديل أم أن الداخلية تلجأ لوسائل أخرى بعيدة تماما عن القانون كما جرى فى وقفة «مصريون ضد التمييز الدينى»؟.
المشكلة ليست فقط فى القانون، ففى القوانين وفى الدستور كثير من المواد التى تحمى الحقوق والحريات، المشكلة الحقيقية ليست فيمن يخرج على القانون بل هى فى الأساس فيمن يتجاوز الدستور ويخرق القوانين ممن هو بالأساس المنوط به إنفاذه وإعماله على أرض الواقع، وهنا يخلق واقعا أقوى بكثير من أى قانون أو دستور ليستقر ويسود ويرتب الحقوق، مما يجعل القانون بلا أى قيمة فعلية.
المصرى اليوم